الأكراد... حقائق التاريخ والجغرافيا

كتاب في جزأين يتتبع أصولهم ونشأتهم وثوراتهم عبر التاريخ

جانب من مدينة أربيل عاصمة كردستان العراق
جانب من مدينة أربيل عاصمة كردستان العراق
TT

الأكراد... حقائق التاريخ والجغرافيا

جانب من مدينة أربيل عاصمة كردستان العراق
جانب من مدينة أربيل عاصمة كردستان العراق

صدر في بيروت عن الدار العربية للعلوم (ناشرون) «الأكراد في العالم: تاريخهم ومستقبلهم» بجزأيه الأول والثاني للدكتورة عايدة سري الدين، الطبعة الأولى أكتوبر (تشرين الأول) 2018. وتلخص الكاتبة في هذا الكتاب واقع الكرد عبر التاريخ، والتحديات الجسيمة الراهنة التي تواجههم من جانب الدول الكبرى، وبعض القوى الإقليمية النافذة، كما تبحث في دور قياداتهم وأحزابهم، وتأثير الأوضاع الإقليمية عليهم. لكن مضمون الكتاب يتخطى عنوانه؛ إذ تنتقل المؤلفة إلى الحديث عن الوضع السوري الراهن والعراقي والتركي، بعيداً عن الحالة الكردية التي هي موضوع هذا الكتاب.
- ديار الكرد
تعني كردستان بالمفهوم الواسع ديار الكرد بوصفهم مجتمعاً ذا وحدة متجانسة، وهذه المنطقة لا حدود سياسية لها، وهي مجزّأة بين تركيا والعراق وإيران، فضلاً عن نتوءات داخلة في سوريا (ص59). وقد أدّى هذا الواقع الجغرافي إلى قيام الإمارات الكردية الكثيرة التي عرفها التاريخ والتي كانت تعتمد على ضعف وانحطاط المراكز الحضارية المجاورة، أو اشتداد الصراعات فيما بينها (ص60). أمّا المرة الأولى التي تمّ فيها استخدام مصطلح «كردستان» فكان في زمن السلاجقة التركمان في العصر العباسي (1157م). حيث كوّن السلاجقة مقاطعة بهذا الاسم مركزها «بهار» في شمال غربي همادان ومحاذية لأذربيجان، هذه المقاطعة كانت تمثل الجزء الشمالي من جبال زاغروس، أي عموم «منطقة شهرروز» التي كانت تشمل «مقاطعة كردستان» الإيرانية الحالية ومحافظة «السليمانية» الحالية في العراق. وأصبحت كردستان مطمحاً للإمبراطوريات المجاورة الفارسية والعثمانية، وهدفاً للغزاة والفاتحين عبر التاريخ، كما أصبحت مسرحاً للاضطرابات والفتن، وكثيراً ما كان حكامها الأكراد يدخلون صراعات جانبية فيما بينهم... والذي يُهزم منهم يفرّ إلى فارس يميناً أو تركيا يساراً لاجئاً. ورغم ذلك فقد صان الأكراد معاقلهم الجبلية من غزوات العالم الخارجي ومؤثراته.
وحسب الكتاب، يُعلق الأكراد أهمية كبيرة جداً على اعتقادهم بأنهم أوروبيون أصلاً، بعكس الترك والعرب الشرقيين، ويعترفون بقرابتهم بالإيرانيين الذين يعتقد أنهم من أرومة «هندو أوروبية»، ويؤكد معظم الإثنولوجيين بأن أسلاف الكرد في أزمان ما قبل التاريخ نزحوا من أوروبا عن طريق القفقاس إلى شمال العراق، ومن هناك تسربوا إلى جبال زاكروس غرباً، وإلى جبال طوروس وإلى الوديان والسهول الخصيبة، كما هو اليوم في شمال العراق وجنوب شرقي تركيا. فعندما توفي الإسكندر الأول وهو في سن الثانية والثلاثين، عمد أحد قواده إلى قتل زوجته الكردية وتم تقسيم إمبراطوريته، وفي القرون المضطربة الملأ بالفوضى التي عقبت ذلك اندمجت القبائل الكردية بأرض الميديين وممالك كوتيوم والقسيين «الكاشيين» وهو شعب يتصل اتصالاً وثيقاً بـ«الكوتي» القادمين من جبال زاكروس، التي اندمجت في إمبراطوريات السلوقيين (331-129ق.م) والبارثيين (247-226بـم) والساسانيين الفرس والإمبراطورية العربية (638-1258م).
وينقسم المجتمع الكردي إلى قبائل وعشائر متعددة ما زالت تتمتع بنفوذ وقوة وحضور، ويتمتع زعماء العشائر بسلطة ملحوظة في وسطهم الاجتماعي، حيث تصل درجات التحكم بمصير أتباعهم والسير بهم كيفما يريدون، وغالباً ما كان الزعيم القبلي زعيماً دينياً في الآن نفسه، إلا أن الزعامات القبلية غالباً ما كانت تدخل في صراعات ضارية في وجه بعضها بعضاً. ويلاحظ تعدد اللهجات بالنسبة للغة الكردية، حيث تنقسم اللهجات الكردية الحالية إلى أربع لهجات رئيسية هي: الكرمانجية، والجوزانية، والكلهرية، والسورانية، كما توجد لهجة الزازا ما بين ديار بكر وأذربيجان (ص61).لقد قسمت اتفاقية سايكس - بيكو (1916)، الكرد على مستوى الجغرافية والتاريخ.
- الثورات الموءودة
كانت أول جمعية سياسية كردية أُنشئت في آستانة سنة 1908، وقد كان من مؤسسيها البارزين: الأمير أمين عالي بدرخان، والفريق شريف باشا، والسيد عبد القادر نجل الشيخ عبيد الله النهري، والداماد أحمد ذو الكفل باشا، واثنان من الأمراء البابانيين من السليمانية. وأدى فشل الحركات والثورات الكردية في القرن التاسع عشر إلى اهتمام الأكراد بالتنظيمات السياسية والتشكيلات الحزبية، وإلى إدراك ضرورة التخطيط لكل حركة وأهمية القوى الشعبية فيها (ص21). وقد تمّ تأسيس أول منظمة سريّة في مهاباد الإيرانية سُميت «كومه لي» ومعناها «الجمعية»، حيث كانت مراسم الانتماء تحتّم أداء قَسَم على القرآن الكريم أمام أعضاء ثلاثة، حيث كان العضو المرشّح للقبول يرشِّح نفسه بالاغتسال ثم في جلسة سرية يُقَسَم على اليمين... وكذلك تم تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) برئاسة القاضي محمد، الذي أسّس جمهورية مهاباد في إيران بتاريخ 22 يناير (كانون الثاني) 1946، التي استمرت لمدة أحد عشر شهراً؛ فقد تم إعدام قاضي محمد وعدد من معاونيه من قادة الجمهورية في مارس (آذار) 1947. وفي العراق أُسِسّتْ أحزاب سياسية كردية كانت آيديولوجيتها بين اليمين واليسار، من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الملا مصطفى البرزاني، على غرار الديموقراطي في إيران، إلى الاتحاد الوطني الكردستاني الذي انشق عن الديمقراطي الكردستاني (العراقي) برئاسة الراحل جلال طالباني، إلى الأحزاب الصغيرة الدائرة في فلك الحزبين الرئيسيين. وفي تركيا تعرّض الأكراد إلى نكران للوعود التي قطعتها لهم تركيا بمجرد نجاحهم في التخلص من الاحتلال اليوناني وعقد معاهدة لوزان في 24 يوليو (تموز) عام 1923، حيث بدأوا باتخاذ إجراءات معادية للأكراد، فقد أطلقوا على الأكراد «أتراك الجبال»، وعلى خلفية تلك الأحداث تشكلت في تركيا أحزاب سياسية كردية، منها الحزب الديموقراطي الكردستناني (كوك)، عام 1965، وحزب عمال كردستان تركيا عام 1971، الحزب الاشتراكي الكردستاني، حزب «العمال الكردستاني PKK - آبوجي»، وهو حزب يساري سُمي «آبوجي = العم» نسبة إلى أمينه العام «عبد الله أوجلان» المعتقل في تركيا منذ فبراير (شباط) 1999. وهناك أحزاب أخرى على الخريطة السياسية التركية.
- أصدقاء الجبال
لقد أثرت البيئة الجبلية على الأكراد وقد جعلت الشخصية الكردية كأنها قطعة من هذه الجبال في عنادها وإصرارها، فلو سألت مؤرخاً تركياً لأجابك: إن «الأكراد أتراك جبليون نسوا أصلهم»، وراحوا يرطنون بلغة أخرى، ولو انتقلت إلى إيران لقالوا عن الأكراد إن اللغة الكردية هي لهجة «فارسية عوجاء»، أَمَّا في العراق فإن الأكراد هم «عُصَاة». كل ذلك ينبع من المصالح الدولية في منطقة الشرق الأوسط التي هي ساحة للصراع الطائفي والقومي لتتمكن القوى الدولية من تحقيق مصالحها في تلك المنطقة وقد نجحت في تثبيت مصالحها نجاحاً ساحقاً.
يخلص قارئ كتاب «الأكراد في العالم» إلى أن هذا الكتاب يندرج ضمن الكتب التي تعتمد على الأسلوب الصحافي الذي يكتفي بتقديم المعلومة السريعة دون الغوص في تفاصيلها وخلفياتها واستتباعاتها، حيث تترك القارئ على ظمأ، وبالتالي فإن تلك المعلومات سرعان ما تسقط من ذهن القارئ لكثرة ما يتداول مثلها من معلومات في وسائل الإعلام المختلفة، وهي تشبه الوجبات السريعة... في طريقة إعدادها وتناولها.
- صحافي وكاتب سوري


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت
TT

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

قبل عشرين عاماً، خاض محرر في دار «بلومزبري للنشر» مخاطرة كبيرة إزاء كتاب غير عادي للغاية. فهي رواية خيالية أولى لسوزانا كلارك، تدور أحداثها في إنجلترا بالقرن التاسع عشر، وتحكي قصة ساحرين متنازعين يحاولان إحياء فنون السحر الإنجليزي المفقود. كانت المخطوطة غير المكتملة مليئة بالهوامش المعقدة التي تشبه في بعض الحالات أطروحةً أكاديميةً حول تاريخ ونظرية السحر. وكانت مؤلفة الكتاب سوزانا كلارك محررة كتب طهي وتكتب الروايات الخيالية في وقت فراغها.

أطلقت «جوناتان سترينج والسيد نوريل»، على الفور، سوزانا كلارك واحدةً من أعظم كُتاب الروايات في جيلها. ووضعها النقاد في مصاف موازٍ لكل من سي. إس. لويس وجيه. أر. أر. تولكين، وقارن البعض ذكاءها الماكر وملاحظاتها الاجتماعية الحادة بتلك التي لدى تشارلز ديكنز وجين أوستن. التهم القراء الرواية التي بِيع منها أكثر من أربعة ملايين نسخة.

تقول ألكساندرا برينغل، المحررة السابقة في «دار بلومزبري»، التي كُلفت بطباعة أولى بلغت 250 ألف نسخة: «لم أقرأ شيئاً مثل رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) في حياتي. الطريقة التي خلقت بها عالماً منفصلاً عن عالمنا ولكنه متجذر فيه تماماً كانت مقنعة تماماً ومُرسومة بدقة وحساسية شديدتين».

أعادت الرواية تشكيل مشاهد طمست الحدود مع الخيال، مما جعلها في القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» وفازت بـ«جائزة هوغو»، وهي جائزة رئيسية للخيال العلمي والفانتازيا. وبسبب نجاح الرواية، نظمت جولات لها عبر الولايات المتحدة وأوروبا، ومنحتها «دار بلومزبري» لاحقاً عقداً ضخماً لرواية ثانية.

ثم اختفت كلارك فجأة كما ظهرت. بعد فترة قصيرة من إصدار الرواية، كانت كلارك وزوجها يتناولان العشاء مع أصدقاء بالقرب من منزلهما في ديربيشاير بإنجلترا. وفي منتصف الأمسية، شعرت كلارك بالغثيان والترنح، ونهضت من الطاولة، وانهارت.

في السنوات التالية، كافحت كلارك لكي تكتب. كانت الأعراض التي تعاني منها؛ الصداع النصفي، والإرهاق، والحساسية للضوء، والضبابية، قد جعلت العمل لفترات طويلة مستحيلاً. كتبت شذرات متناثرة غير متماسكة أبداً؛ في بعض الأحيان لم تستطع إنهاء عبارة واحدة. وفي أدنى حالاتها، كانت طريحة الفراش وغارقة في الاكتئاب.

توقفت كلارك عن اعتبار نفسها كاتبة.

نقول: «تم تشخيص إصابتي لاحقاً بمتلازمة التعب المزمن. وصار عدم تصديقي أنني لا أستطيع الكتابة بعد الآن مشكلة حقيقية. لم أعتقد أن ذلك ممكن. لقد تصورت نفسي امرأة مريضة فحسب».

الآن، بعد عقدين من ظهورها الأول، تعود كلارك إلى العالم السحري لـ«سترينج ونوريل». عملها الأخير، رواية «الغابة في منتصف الشتاء»، يُركز على امرأة شابة غامضة يمكنها التحدث إلى الحيوانات والأشجار وتختفي في الغابة. تمتد الرواية إلى 60 صفحة مصورة فقط، وتبدو مقتصدة وبسيطة بشكل مخادع، وكأنها أقصوصة من أقاصيص للأطفال. لكنها أيضاً لمحة عن عالم خيالي غني لم تتوقف كلارك عن التفكير فيه منذ كتبت رواية «سترينج ونوريل».

القصة التي ترويها كلارك في رواية «الغابة في منتصف الشتاء» هي جزء من روايتها الجديدة قيد التأليف، التي تدور أحداثها في نيوكاسل المعاصرة، التي تقوم مقام عاصمة للملك الغراب، الساحر القوي والغامض الذي وصفته كلارك بأنه «جزء من عقلي الباطن». كانت مترددة في قول المزيد عن الرواية التي تعمل عليها، وحذرة من رفع التوقعات. وقالت: «لا أعرف ما إذا كنت سوف أتمكن من الوفاء بكل هذه الوعود الضمنية. أكبر شيء أكابده الآن هو مقدار الطاقة التي سأحصل عليها للكتابة اليوم».

تكتب كلارك على طريقة «الغراب» الذي يجمع الأشياء اللامعة. وتصل الصور والمشاهد من دون سابق إنذار. تدون كلارك الشذرات المتناثرة، ثم تجمعها سوياً في سردية، أو عدة سرديات. يقول كولين غرينلاند، كاتب الخيال العلمي والفانتازيا، وزوج كلارك: «إنها دائماً ما تكتب عشرات الكتب في رأسها».

غالباً ما يشعر القارئ عند قراءة رواياتها وكأنه يرى جزءاً صغيراً من عالم أكبر بكثير. حتى كلارك نفسها غير متأكدة أحياناً من القصص التي كتبتها والتي لا توجد فقط إلا في خيالها.

تقول بصوت تعلوه علامات الحيرة: «لا أتذكر ما وضعته في رواية (سترينج ونوريل) وما لم أضعه أحب القصص التي تبدو وكأنها خلفية لقصة أخرى، وكأن هناك قصة مختلفة وراء هذه القصة، ونحن نرى مجرد لمحات من تلك القصة. بطريقة ما تعتبر رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) كخلفية لقصة أخرى، لكنني لا أستطيع أن أقول إنني أعرف بالضبط ما هي تلك القصة الأخرى».

في الحوار معها، كانت كلارك، التي تبلغ من العمر 64 عاماً ولديها شعر أبيض لامع قصير، تجلس في غرفة المعيشة في كوخها الحجري الدافئ، حيث عاشت هي والسيد غرينلاند منذ ما يقرب من 20 عاماً.

ويقع منزلهما على الامتداد الرئيسي لقرية صغيرة في منطقة بيك ديستريكت في دربيشاير، على بعد خطوات قليلة من كنيسة صغيرة مبنية بالحجر، وعلى مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من حانة القرية التي يزورونها أحياناً. ويساعد هدوء الريف - حيث لا يكسر الصمت في يوم خريفي سوى زقزقة الطيور وثغاء الأغنام بين الحين والآخر - كلارك على توجيه أي طاقة تستطيع حشدها للكتابة.

في يوم رمادي رطب قليلاً في سبتمبر (أيلول)، كانت كلارك تشعر بأنها على ما يرام إلى حد ما، وكانت قد رفعت قدميها على أريكة جلدية بنية اللون؛ المكان الذي تكتب فيه أغلب أوقات الصباح. كانت تحمل في حضنها خنزيراً محشواً، مع ثعلب محشو يجاورها؛ ويلعب كل كائن من هذه المخلوقات دوراً في رواية «الغابة في منتصف الشتاء». تحب أن تمسك حيواناتها المحشوة أثناء العمل، لمساعدتها على التفكير، وكتعويذة «لدرء شيء ما لا أعرف ما هو. يفعل بعض الناس أشياء كالأطفال، ثم مع التقدم في العمر، يتخلون عن الأشياء الطفولية. أنا لست جيدة للغاية في ذلك».

نظرت إلى الخنزير وأضافت: «لا أرى حقاً جدوى في التقدم بالعمر».

ثم استطردت: «أكبر شيء يقلقني هو كم من الطاقة سأحتاج للكتابة اليوم؟».

وُلدت سوزانا كلارك في نوتنغهام عام 1959، وكانت طفولتها غير مستقرة، إذ كان والدها، وهو قس مسيحي، يغير الكنائس كل بضع سنوات، وانتقلت عائلتها ما بين شمال إنجلترا وأسكوتلندا. في منزلهم البروتستانتي، كان إظهار العواطف غير مرغوب فيه؛ ولذلك نشأت كلارك، الكبرى من بين ثلاثة أبناء، على الاعتقاد بأن التقوى تعني أنه «ليس من المفترض أن تفعل في حياتك ما يجعل منك إنساناً مميزاً»، كما تقول.

*خدمة: «نيويورك تايمز»