لماذا تباطأت خطط الانسحاب الأميركي من سوريا؟

كانت الانتقادات اللاذعة تنهال على الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الداخل والخارج لإعلانه المفاجئ الشهر الماضي سحب القوات الأميركية على الفور من سوريا عندما وصل إلى قاعدة الأسد الجوية في العراق في اليوم التالي لعيد الميلاد.
وقال مسؤولون إن ترمب استمع داخل وحدة من الجيش - من الوحدات سابقة التجهيز - التي يستخدمها الجيش ذات سقف مقوس وتحيط بها أسلاك شائكة إلى تقارير من القادة الأميركيين عن العمليات تشير إلى أن النصر على تنظيم داعش أصبح في متناول اليد وأن الجيش لا يحتاج إلا لوقت قصير فقط لاستكمال المهمة.
وقال أحد المسؤولين لوكالة «رويترز» للأنباء: «كانوا متفائلين بقدرتهم على إتمام المهمة» مضيفاً أنه يعتقد أن هذا الاجتماع كان حاسماً في التأثير في أفكار ترمب.
وقال ثلاثة مسؤولين مطلعين على ما دار في اللقاء الذي لم يُنشر شيء عن فحواه بهذا التفصيل من قبل إن اللفتنانت جنرال بول لاكاميرا قائد قوات التحالف في الحرب على تنظيم داعش في سوريا والعراق بقيادة الولايات المتحدة شرح لترمب - الذي كان صبره على الحرب قد نفد - الأسباب التي تجعل الانسحاب السريع مستحيلاً دون تعريض القوات للخطر.
وفي حالة البلبلة التي أعقبت إعلان ترمب في 19 ديسمبر (كانون الأول) قرار الانسحاب من سوريا الذي كان من أسباب استقالة وزير الدفاع جيم ماتيس، يبدو أن اللقاء الذي استغرق 45 دقيقة ساهم في بلورة تفاهم بين ترمب وكبار القادة على الأرض.
وفي تصريحات للصحافيين سلم ترمب بأن إدراكه للوضع قد تحسن بعد حديثه مع القادة في مسرح العمليات بدلاً من المسؤولين في واشنطن.
وساعد هذا اللقاء في إتاحة مجال لالتقاط الأنفاس للجيش والدبلوماسيين في الولايات المتحدة من أجل التخطيط لانسحاب أكثر تأنياً من سوريا.
وكانت تلك تجربة جديدة على الرئيس في أولى زياراته لمنطقة حرب منذ توليه الرئاسة قبل قرابة عامين بعد ما تلقاه من ضربات سياسية رداً على قرار الانسحاب من سوريا من أعضاء جمهوريين في الكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة.
وبعد انقضاء قرابة ثلاثة أسابيع على هذا اللقاء لم ينسحب جندي واحد من سوريا وكان كل ما انتقل من سوريا بعض العتاد.
وكان الرئيس السابق باراك أوباما قد أمر في 2015 بدخول قوات العمليات الخاصة الأميركية إلى سوريا بعد أن تردد لفترة طويلة في أخذ تلك الخطوة في غمار الحرب الأهلية السورية.
وتحول ما بدا كمهمة يشارك فيها عشرات من رجال القوات الخاصة إلى عملية شارك فيها المئات وظل العدد يتزايد. وأصبح في سوريا اليوم نحو ألفي جندي أميركي.
ورغم أن ترمب أعلن في البداية عن انسحاب سريع، فقد ردد منذ ذلك الحين أنه ليس من الضروري أن يكون الانسحاب سريعاً.
وقال ترمب للصحافيين في البيت الأبيض في السادس من يناير (كانون الثاني) الجاري: «سننسحب في سوريا وسنسحب قواتنا. لم أقل قط إننا سننجز ذلك بسرعة».
وفي واقع الأمر أن ترمب قال في ديسمبر (كانون الأول)، إن القوات الأميركية عائدة للبلاد «الآن» وإنها ألحقت الهزيمة بالفعل بـ«داعش» في سوريا.
ولا يعتقد أي من الخبراء أن التنظيم قد انهزم رغم أنه خسر تقريباً كل ما فرض عليه سيطرته في 2014 و2015 من أراضٍ بعد أن استولى على مناطق في سوريا والعراق وأعلن قيام «دولة الخلافة» المزعومة.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية يوم الجمعة إن الانسحاب «لا يعتمد على إطار زمني متعسف»، وإنه سيأخذ في الاعتبار الظروف القائمة على الأرض والمحادثات مع الحلفاء.
ويبدو أن التنازل الذي قدمه ترمب بإتاحة المزيد من الوقت قد دفع الجيش الأميركي ومسؤولي الإدارة الأميركية لتحقيق أكبر إنجازات ممكنة في الأيام الأخيرة من الحملة السورية.
ويقول مسؤولون أميركيون لوكالة «رويترز» للأنباء، إن التخطيط لانسحاب كامل ما زال يجري رغم التصريحات المثيرة للبلبلة، بل والمتضاربة في بعض الأحيان من البيت الأبيض ورغم التوتر مع تركيا التي يُفترض أن تتولى أمر الحرب على «داعش».
وقال عدة مسؤولين إنهم يتوقعون انسحاباً قبل نهاية مارس (آذار) لكنهم لم يتمسكوا بهذا الموعد في ضوء النقاشات سريعة التطور حول السياسات والتطورات التي لا يمكن التنبؤ بها في ساحة المعركة.
وبصفة غير رسمية يبدي بعض المسؤولين الأميركيين قلقهم خشية ألا تكفي الدفعة الأخيرة للحفاظ على المكاسب التي تحققت بجهد كبير في مواجهة تنظيم داعش أو ألا تضمن الحماية للحلفاء الذين دعمتهم الولايات المتحدة في وحدات حماية الشعب الكردية وساعدوا في الحرب على التنظيم.
وترى تركيا عضو حلف شمال الأطلسي أن الفصيل الكردي جماعة إرهابية تمثل امتداداً لحركة التمرد الكردي في أراضيها.
كما أن ترمب نفسه أبدى مخاوفه على الأكراد يوم الاثنين فحذر تركيا من «دمار اقتصادي»، إذا هاجمت الفصيل الكردي المتحالف مع الولايات المتحدة في سوريا. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنه يعتقد أن ترمب يشير إلى عقوبات.
ووفقاً للتقديرات الأميركية كان تنظيم داعش يسيطر على نحو 100 ألف كيلومتر مربع من الأرض يبلغ عدد السكان فيها نحو ثمانية ملايين نسمة.
وكانت الإيرادات التي يحققها التنظيم تبلغ قرابة المليار دولار سنوياً، كما أنه استخدم مدينة الرقة السورية التي كانت عاصمته الفعلية كقاعدة للتخطيط لشن هجمات في أوروبا.
وبدعم من التحالف بقيادة الولايات المتحدة وما كان ينفذه من ضربات جوية ومدفعية وما يقدمه من مستشارين وعتاد حربي استطاعت القوات البرية المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا والعراق انتزاع السيطرة على مدن من أيدي المتطرفين. وأعلن العراق النصر على التنظيم في 2017.
ويرفض المسؤولون العسكريون الأميركيون التنبؤ بالسرعة التي يمكن بها القضاء على أفراد التنظيم في المدن التي يوجدون بها في سوريا ويعيد هؤلاء المسؤولون التذكير بالقتال حتى الموت الذي خاضه المتطرفون في مدينة الموصل بالعراق.
ولا يزال التنظيم يسيطر على نحو 300 كيلومتر مربع في وادي نهر الفرات الأوسط وفقاً لتقديرات التحالف.
وكان استمرار التنظيم من الأسباب التي أذهلت وزارة الدفاع من قرار ترمب.
غير أن قيادات عسكرية ومدنية كان من بينها ماتيس التقت في وزارة الدفاع بعد الصدمة الأولى في الأسبوع الذي سبق عيد الميلاد لبحث أفضل السبل وأسلمها وأكثرها إدراكاً للمسؤولية لتنفيذ انسحاب القوات وحماية الحلفاء الأكراد.
واتضح أن انسحاباً سريعاً خلال 30 يوماً، مثلما أشار البيت الأبيض في البداية، لن يفي بمعايير السلامة والإحساس بالمسؤولية. وقبل قرار ترمب المفاجئ كان تخطيط وزارة الدفاع يشير إلى أن تنفيذ الانسحاب يحتاج أربعة أشهر.
وهون مصدر من هواجس ترمب بشأن ما إذا كان الانسحاب سيتم خلال أسابيع أم أشهر.
وقال المصدر: «كل ما يريد أن يعرفه هو أنه يحدث».
ومما يستحق الإشارة أن الأمر الذي أصدره ماتيس قبل عيد الميلاد لم يتضمن إطاراً زمنياً محدداً رغم أن مسؤولين أميركيين قالوا إن القادة العسكريين أبلغوا البيت الأبيض إنه لا يمكن تنفيذ انسحاب مأمون في فترة تقل عن 120 يوماً.
وقال المسؤولون إن هذا الأمر لم يتغير منذ ترك ماتيس منصبه في 31 ديسمبر (كانون الأول)، وتولي نائبه باتريك شانهان أمور الوزارة.
في الوقت نفسه تواصل القوات التي تدعمها الولايات المتحدة في سوريا بما فيها الأكراد القتال مخالفة بذلك توقعات المحللين بأن تتجه شمالاً على وجه السرعة استعداداً لهجوم تركي.
وفي واقع الأمر تقاتل تلك القوات تنظيم داعش منذ إعلان ترمب الانسحاب تدعمها في ذلك الضربات الجوية والمدفعية التي يشنها التحالف.
ولا يزال الحلفاء الأميركيون الذين أخذهم إعلان ترمب على حين غرة يسعون لاستيضاح توقيت الانسحاب الأميركي.
وقد هيمن سحب القوات على المباحثات التي أجراها بومبيو خلال اجتماعاته في العاصمة الأردنية عمان والقاهرة وأبوظبي والرياض والعراق خلال الأيام الأخيرة، التي أبلغ فيها حلفاء الولايات المتحدة أن الانسحاب يمثل تغيراً تكتيكياً فقط.
وقال المسؤولون الأميركيون ودبلوماسيون إن الحلفاء يريدون أيضاً معلومات عن الدور الذي سيلعبه الجيش الأميركي بعد الانسحاب لضمان ألا تقوم لتنظيم داعش قائمة مرة أخرى.
لكن يبدو أن الحلفاء يشعرون بارتياح للتباطؤ البادي في تنفيذ الانسحاب.
فقد قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الأسبوع الماضي: «يبدو أن هناك تغيراً أعتقد أنه إيجابي».