صفحة جديدة في العلاقات البرازيلية ـ الإيطالية

في الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح أمس الاثنين، حطّت في مطار «تشيامبينو» القريب من روما طائرة تابعة للحكومة الإيطالية من طراز «فالكون 900» قادمة من مدينة سانتا كروز في بوليفيا وعلى متنها الإرهابي الإيطالي السابق تشيزاري باتّيستا الذي كان قد فرّ من السجن منذ أربعين عاماً. وأُدين باتيستا باغتيال أربعة أشخاص في العام 1979، عندما كان ينتمي إلى التنظيم اليساري المتطرّف «البروليتاريا المسلّحة من أجل الشيوعية».
وفور وصوله إلى مطار العاصمة الإيطالية حيث كان في استقباله وزيرا الداخلية والعدل، نقلته مجموعة من عناصر الشرطة إلى سجن «أويستانو» في إحدى ضواحي روما، حيث سيخضع لنظام عزلة يدوم ستة أشهر قبل أن يقرر القضاء وجهته النهائية التي سيقضي فيها عقوبة السجن المؤبد من غير إجراءات تخفيفية كما جاء في بيان صدر عن مدّعي عام مدينة ميلانو، أكّد فيه أن الملاحقة القضائية ستطال اعتباراً من الآن الجهات التي ساعدته على الهرب، وشاركت في تسهيل وصوله إلى البرازيل وأميركا اللاتينية.
وكانت الحكومات الإيطالية السابقة قد طلبت مراراً من الحكومة البرازيلية، على عهد الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا ثم على عهد خليفته ديلما روسيف، استرداد باتّيستا، لكنها لم تلقَ تجاوباً. وقد أدّى الرفض البرازيلي إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين استمرّت سنوات ولم تتراجع حدّتها إلا مع بداية عهد الرئيس السابق ميشال تامر الذي أبدى استعداداً للتجاوب مع الطلب الإيطالي، لكن الظروف السياسية والقضائية التي سادت البرازيل في العامين المنصرمين حالت دون تسليم باتّيستا الذي تجمع القوى السياسية الإيطالية على إعادته إلى إيطاليا.
وتجدر الإشارة إلى أن وزير الداخلية الإيطالي اليميني المتطرف ماتّيو سالفيني كان قد تمنّى، في تغريدة على حسابه «تويتر»، من الرئيس البرازيلي الجديد جايير بولسونارو المعروف أيضا بميوله اليمينية المتطرفة أن يسلّم باتيستا إلى العدالة الإيطالية «هديّة في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ البرازيل». وكان باتّيستا، الذي يعيش في البرازيل منذ سنوات، قد انتقل أوائل الشهر الماضي إلى بوليفيا حيث تقدّم بطلب اللجوء السياسي متذرّعاً بأن حياته مهددة بالخطر بعد أن كانت المحكمة العليا البرازيلية قد أمرت باعتقاله تمهيداً لتسليمه إلى إيطاليا. وقد أفادت السلطات البوليفية بأنه دخل البلاد بأوراق ثبوتيّة مزوّرة، وأنه لم يظهر أي مقاومة عند اعتقاله.
وجاء في طلب اللجوء السياسي الذي كان باتّيستا قد تقدّم به إلى السلطات البوليفية أنه بريء من الاتهامات الموجّهة إليه، وأنه استقال من اللجنة المركزية للتنظيم بعد اختطاف واغتيال رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق آلدو مورو عام 1978، وأن فراره من السجن عام 1981 «كان انتصافاً وعملية نظيفة لم يُستخدم فيها العنف». وكان باتّيستا قد انتقل بعد فراره إلى المكسيك ثم إلى فرنسا على عهد الرئيس فرنسوا ميتران حيث لاقى نجاحاً ككاتب للروايات البوليسية. لكن بعد أن اتفقت حكومتا ساركوزي في فرنسا وبرلسكوني في إيطاليا على إعادة محاكمته، اضطر للهرب إلى البرازيل حيث منحته حكومة الرئيس الأسبق لولا إقامة دائمة وقام بمزاولة نشاطه ككاتب وصحافي. وقد آثار قرار لولا يومها امتعاضا شديداً لدى السلطات الإيطالية، لأنه جاء مخالفاً لقرار غير ملزم صدر عن المحكمة العليا يقضي بتسليمه إلى إيطاليا.
وقد أفادت مصادر الشرطة الإيطالية بأنها تمكّنت من تحديد مكان وجود باتّيستا الذي اختفى أثره منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بفضل استخدام التكنولوجيا المتطورة التي أتاحت متابعة تحركاته عبر بريده الإلكتروني بعد أن أصدر الإنتربول مذكرة توقيف دولية بحقه، نفذّتها عناصر من أجهزة الأمن البوليفية والبرازيلية والإيطالية.
وتشهد روما منذ الساعات الأولى لعودة باتّيستا إلى إيطاليا تسابقاً بين ممثلي الائتلاف الحكومي لقطف الثمار السياسية لهذا الحدث. فبينما أعلن وزير العدل الذي ينتمي إلى حركة النجوم الخمس «أن النتيجة تاريخية وليس بإمكان أحد أن يفلت من العدالة الإيطالية»، قال وزير الداخلية الذي يتزّعم رابطة الشمال: «تغيّرت الأجواء في إيطاليا، من يخالف القانون يدفع ثمن أخطائه»، ليضيف عند سلّم الطائرة مرتدياً سترة رجال الشرطة: «أنقل إليكم مباشرة من مطار تشيامبينو أن المجرم الشيوعي تشيزاري باتّيستا قد عاد إلى سجون الوطن في هذا اليوم التاريخي». وبعد أن شكر سالفيني أجهزة الأمن والمخابرات، قال: «هي بداية وليست نهاية. فأنا على يقين أنه بفضل العمل المشترك لكل الأجهزة سنعيد إلى السجون الوطنية عشرات المجرمين الذين يجوبون العالم فارّين من العدالة».
وفي أوّل تصريح يصدر عن أفراد عائلة باتّيستا، قال شقيقه: «ماذا عساني أن أقول؟ باعتقالك وجدوا حلولاً لكل مشكلات إيطاليا: البطالة، الديون، الفساد والأزمة الاقتصادية. الوزير سالفيني قال كل شيء».