آخر الصحف المستقلة في فنزويلا تودع الورق بعد أكثر من 7 عقود

رئيس تحرير «إل ناسيونال» لـ «الشرق الأوسط»: القرار مؤقت يعتمد على انهيار النظام الذي لن يستمر طويلاً

أحد موظفي الصحيفة في ديسمبر 2018 يناهض قرار إلغاء النسخة الورقية جراء ضغوط الحكومة (غيتي)
أحد موظفي الصحيفة في ديسمبر 2018 يناهض قرار إلغاء النسخة الورقية جراء ضغوط الحكومة (غيتي)
TT

آخر الصحف المستقلة في فنزويلا تودع الورق بعد أكثر من 7 عقود

أحد موظفي الصحيفة في ديسمبر 2018 يناهض قرار إلغاء النسخة الورقية جراء ضغوط الحكومة (غيتي)
أحد موظفي الصحيفة في ديسمبر 2018 يناهض قرار إلغاء النسخة الورقية جراء ضغوط الحكومة (غيتي)

يعبر اسم «إل ناسيونال» في فنزويلا عن إحدى المؤسسات الصحافية المهنية في أميركا اللاتينية. فمنذ أكثر من 75 عاماً، كانت هذه الصحيفة الكبيرة شاهد عيان على تاريخ بلد بأسره. ومنذ بداية عهد هوغو شافيز في البلاد قبل عشرين عاماً، كانت هذه الصحيفة دون غيرها هدفاً مقصوداً لدى حكومة البلاد. وكان سبب استهدافها المعروف هو: استقلالها المهني.
جاء مؤخراً، ومما يؤسف له بشدة، إعلان صحيفة «إل ناسيونال» أن مخزونها من ورق الطباعة قد نفد تماماً، مما يجبرها على وقف إصدار النسخة المطبوعة من الجريدة. ويعد الأمر من دون شك كارثة على وسائل الإعلام في قارة أميركا اللاتينية على وجه العموم، وعلى الشعب الفنزويلي على وجه الخصوص.
وفي مقابلة أجرتها صحيفة «الشرق الأوسط» مع ميغيل إنريكي أوتيرو، رئيس تحرير صحيفة «إل ناسيونال»، الذي يعيش في المنفى بسبب الاضطهاد الذي عاناه من قبل حكومة بلاده، يقول أوتيرو إن الصحيفة سوف تواصل عملها، بنسختها الإلكترونية على شبكة الإنترنت، من أجل الديمقراطية في فنزويلا.

> لماذا تتوقف صحيفة «إل ناسيونال» عن الطباعة الآن؟
- إن نظام نيكولاس مادورو الحاكم هو نظام ديكتاتوري، يهدف إلى بسط السيطرة الكاملة على المعلومات في وسائل الإعلام. فلقد نجح النظام في إسكات الإذاعة والتلفزيون الوطنيين في البلاد، من خلال التشريعات التي وافقوا عليها، وتحولت وسائل الإعلام هذه في الوقت الحاضر إلى تطبيق أسلوب الرقابة الذاتية الكاملة لخدمة النظام الحاكم. ثم انطلقوا خلف الصحافة، عبر تطبيق عدد من التدابير القمعية من خلال المحاكم، والهيئات التابعة، وحتى الاعتداءات البدنية، وكافة أشكال الإجراءات الأخرى، حتى تبينوا السبيل الواصلة إلى تقييد المعروض من ورق الطباعة.
ومن ثم، بدأت الصحف الـ66 العاملة في البلاد في الاختفاء واحدة تلو الأخرى. وبعضها قد توقف عن العمل بالكلية، في حين تخيرت صحف أخرى الانتقال إلى شبكة الإنترنت. وكانت صحيفتنا «إل ناسيونال» هي آخر الصحف التي اختفت كمنفذ إعلامي مطبوع في فنزويلا. ولذلك، وفي الآونة الراهنة، فإن المنفذ الوحيد المتبقي لدينا للأخبار في البلاد هو شبكة الإنترنت.
ومع ذلك، فإن النظام الحاكم يعمل بالفعل على تطبيق الرقابة الصارمة، أو إغلاق البوابات الإلكترونية، وحجب المواقع وصفحات الويب، من خلال مشغلي الهواتف في البلاد. وعندما تنتهي عملية الحصار الشامل، لن يكون هناك في فنزويلا إذاعة أو تلفزيون أو جرائد أو إنترنت، مما يعني إغلاقاً تاماً لكافة منافذ حرية التعبير في بلادنا.
> كيف تمكنت صحيفة «إل ناسيونال» من البقاء لفترة طويلة على قيد الحياة؟
- لقد توقعنا الأمر قبل حدوثه. لقد أنشأ النظام الحاكم هيئة لبيع وشراء ورق الطباعة. وأدركنا أنهم لن يوافقوا أبداً على بيع ورق الطباعة إلينا. وعندما بدأ ذلك كان لدينا مخزون كبير من الورق، وكنا نستهلك ذلك المخزون يوماً بعد يوم، ثم أعربت بعض الصحف في أميركا اللاتينية عن تضامنها معنا، ومنحتنا ورق الطباعة كي نواصل العمل.
وبعد أن عملنا على ترشيد الاستهلاك بطريقة تجعل الصحيفة التي كانت توزع 120 ألف نسخة يومياً و250 ألف نسخة أيام الآحاد من كل أسبوع، وتتراوح بين 60 إلى 120 صفحة، انتهى بنا الحال إلى طباعة الصحيفة في 10 آلاف نسخة من 15 صفحة للنسخة الواحدة، ولم نعد ننشر الطبعة الخاصة بأيام الاثنين أو السبت من كل أسبوع.
بطبيعة الحال، كان بإمكاننا الاستمرار على هذا النحو، ونتحول إلى صحيفة تبيع 1000 نسخة من صفحة واحدة فقط، ولكننا قررنا ألا نفعل ذلك أبداً. لذا، اتخذنا القرار بوقف الطباعة مع نفاد آخر كمية من مخزون الورق لدينا، وتحولنا إلى منصة الإنترنت فحسب. وأخبرنا قراءنا أننا لن ننهزم أبداً، وأن التوقف الراهن هو توقف مؤقت يعتمد على انهيار النظام الحاكم في البلاد، وأعتقد أن ذلك النظام لن يستمر على قيد الحياة طويلاً.
> لماذا في رأيك تعمد النظام الفنزويلي الحاكم اضطهاد صحيفة «إل ناسيونال»؟
- إن النظام الحاكم في بلادنا يضطهد كافة وسائل الإعلام. مع مزيد من الضغط موجه ضد صحيفة «إل ناسيونال»؛ نظراً لأنها تمثل الصحافة الحرة، والمستقلة، والجريئة، والرمزية، وبطبيعة الحال فإننا تلقينا بسبب ذلك أقسى الضربات الموجعة وأقواها.
> كيف تمكنتم من اتخاذ هذا القرار؟ أعتقد أنه كان أمراً عسيراً للغاية؟
- إننا نتصور الأمر بمرور الوقت، وندرك أننا سوف نبلغ هذا الحد لا محالة. وظللنا نقلل من الكم والكيف حتى جاءت اللحظة المنتظرة. كنا نعي بصورة أو بأخرى أن الأمر قيد الحدوث ولقد حدث بالفعل. ولقد كان قراراً اتخذناه بسبب انعدام سبل العمل الأخرى في البلاد.
> كيف تصف حرية الصحافة في فنزويلا؟ وهل صحيح عدم وجود وسائل إعلام معارضة للنظام تماماً هناك؟
- كلا، لا يوجد، لا بالشكل المطبوع، ولا المسموع، ولا المرئي. ولكن هناك البوابات الإلكترونية، غير أن الحكومة تملك استراتيجية واضحة المعالم، تمنع وجود هذه البوابات في المدن. ولن تجد في العاصمة كاراكاس بوابة إلكترونية واحدة قط، فلقد حجبوا الوصول إلى شبكة الإنترنت، ويعمل النظام على قمع «صحافة المواطن الذاتية» بمنتهى الصرامة. وهناك مستخدمون على موقع «تويتر» تعرضوا للسجن لعام كامل من أجل تغريدة واحدة فقط. وهم يقمعون بشدة المواطنين الذين يلتقطون الصور في الشوارع باستخدام الهواتف المحمولة؛ لأنهم يعلمون أنهم سوف ينشرونها على وسائل الإعلام الاجتماعية بعد ذلك.
> كيف تصف واقع البلاد حالياً بصفة عامة؟
- إنه وضع حرج للغاية. الحكومة في حالة ارتباك شديدة، بسبب الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية العارمة بصورة يومية، والناس يتظاهرون من أجل توفير الخدمات العامة، ومن أجل الغذاء. إننا نتحدث عن 20 إلى 30 حالة تظاهر واحتجاج يومي، تلك التي ينتهي الأمر بقمعها بكل قسوة وصرامة على أيدي قوات الحرس الوطني في البلاد.
هناك واقع من الغليان الشديد داخل القوات المسلحة. وتمكن النظام الحاكم من سحق خمس محاولات للتمرد العسكري خلال العام الماضي وحده، ولدينا أكثر من 250 سجيناً عسكرياً الآن.
هناك انقسامات كبيرة في الزمرة الشافيزية الحاكمة، كما أن هناك شخصيات بارزة قد غادرت البلاد بالفعل. والبلدان المجاورة لفنزويلا، مثل كولومبيا، والبرازيل، والولايات المتحدة، والبيرو، وتشيلي، والأرجنتين، ليست لديها الرغبة في التدخل العسكري، ولكنها على استعداد للمساعدة بأي وسيلة أخرى للتخلص من النظام الحاكم لدينا، وهناك حالة من التضخم الاقتصادي الرهيب، وهي الظاهرة التي طالما أسفرت عن سحق وسقوط الحكومات.
> كيف كان شكل الدعم من المجتمع الدولي لبلادكم؟
- هناك 50 شخصية مهمة من النظام الحاكم فُرضت بحقهم العقوبات الدولية. ثم تأتي البيانات الدولية والفعاليات الدبلوماسية النشطة للغاية، من البلدان التي ذكرتها والمناوئة للنظام في فنزويلا، ثم هناك أنشطة منظمة الدول الأميركية، التي تغير فيها وجه التصويت بصورة جذرية فيما يتعلق بفنزويلا، ذلك إلى جانب العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي.
وفنزويلا معروفة على الصعيد العالمي بأنها بلد من بلدان المخدرات. وإن تحدثتم مع مكتب المخدرات التابع للأمم المتحدة في فيينا، فسوف يقولون لكم إن جزءاً كبيراً من مخدر الكوكايين الذي يدخل إلى أوروبا قادم بالأساس من فنزويلا، وتشرف عليه حكومة البلاد.
هذا ولقد غادر 4 ملايين مواطن البلاد بالفعل! ورحيل هذا العدد الهائل يؤثر من دون شك على بلدان أخرى. ووصول مليوني لاجئ من فنزويلا إلى كولومبيا وحدها ليس إلا كارثة محققة. كما هو الحال تماماً في كل من البيرو والإكوادور، إذ يتحول الشتات الفنزويلي إلى كابوس شديد الإزعاج لبقية الدول من حولنا.
إنه نظام ديكتاتوري غاشم، يلهو بألعاب جيوسياسية خطيرة تسبب الإزعاج لكثير من الجهات المعنية. إن بعض القاذفات الروسية تساعد تنظيم «حزب الله» اللبناني ومتحالفين مع إيران. إنهم يتحالفون مع أكثر أنظمة العالم خبثاً وشراً.
> كيف هي أكثر اللحظات انفعالاً في صحيفة «إل ناسيونال»؟
- يكون ذلك عندما نعمل على تحقيق صحافي حصري وبالغ الأهمية للغاية، أو عندما نكتب موضوعاً له نصيبه المعتبر من العمق والتأثير، لدرجة أنه يترك بصمته الأكيدة على المجتمع.
> ما مفهوم صحيفة «إل ناسيونال» في نسختها الإلكترونية الجديدة؟
- لدينا ثالث أكبر موقع إلكتروني من حيث حركة الزيارة والتصفح للمواقع الإخبارية الناطقة بالإسبانية في العالم، ولسوف نعمل على تكريس أنفسنا وتخصيص مواردنا لتعزيز هذا الزخم القائم، وعلى تطويره وتحديثه، ذلك لأن الجانب المطبوع من عملنا لا يمكن القضاء عليه تماماً. لا تزال المطابع تعمل، وبالقليل من التعب والمجهود، ونجد أنفسنا وكأننا لم نخسر شيئاً البتة.


مقالات ذات صلة

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».