المرحلة المقبلة لإدلب مرتبطة بشرق الفرات

TT

المرحلة المقبلة لإدلب مرتبطة بشرق الفرات

بعد أن أحكمت «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) سيطرتها بالكامل على منطقة إدلب في شمال سوريا، لم يتبق أمام الفصائل المعارضة الأخرى من خيارات سوى الرحيل أو الإذعان للهيئة.
بعض الفصائل المسلحة الموجودة هي حاليا حليفة للتنظيم، لكن على الجماعات الأخرى إما المغادرة إلى مناطق أخرى وأما الاندماج في «حكومة الإنقاذ» التابعة للهيئة.
كيف أمكن لهذه المنطقة القائمة بحكم الأمر الواقع أن تترسخ؟ وما هي عواقب ذلك على الأزمة السورية المستمرة منذ ثماني سنوات وعلى اللاعبين الأساسيين فيها؟
توصلت موسكو وأنقرة في 17 سبتمبر (أيلول) إلى اتفاق نص على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب ومحيطها.
ونجح الاتفاق في درء هجوم للقوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا على منطقة تضم ثلاثة ملايين نسمة، إلا أنه لم يجر تنفيذ بقية بنود الاتفاق.
وأوكلت موسكو إلى تركيا، التي تنضوي الفصائل التي تدعمها في تحالف يعرف باسم «جبهة التحرير الوطنية»، نزع سلاح الفصائل المتشددة في إدلب.
لكن تركيا فشلت في تحقيق ذلك، وبدلا من ذلك أخذت «هيئة تحرير الشام» المبادرة بالهجوم.
وأدت الاشتباكات العنيفة التي خلفت أكثر من 130 قتيلا هذا العام والمكاسب السريعة للهيئة إلى عقد اتفاق الخميس ينص على أن يخلي الفصيلان المتبقيان المدعومان من تركيا المنطقة بالكامل للجهاديين.
وبدا أن تركيا التي تنشر جنودا في أجزاء من إدلب وغيرها من مناطق الشمال السوري لم تفعل الكثير لوقف تمدد «هيئة تحرير الشام».
وقال سام هالر المحلل في مجموعة الأزمات الدولية إن «تركيا لم تمنع هيئة تحرير الشام من السيطرة، لكن من غير الواضح إن كانت في موضع يمكنها من ذلك».
وتملك الهيئة في معقلها نحو 25 ألف مقاتل مسلحين تسليحا جيدا، وهي تعد منذ وقت طويل القوة المهيمنة في إدلب.
وشكل التقدم الخاطف للمتطرفين في إدلب بداية العام هزيمة جليّة لعدة فصائل تدعمها تركيا.
وقال الجغرافي فابري بالانش الخبير بشؤون سوريا: «بالنسبة إلى تركيا، هذه هزيمة لحلفائها».
ووقع فصيلان في «جبهة التحرير الوطنية» المدعومة من تركيا اتفاقا الخميس مع «هيئة تحرير الشام» يقضي باستيعابهما من قبل الهيئة.
وقال فصيلا «أحرار الشام» و«صقور الشام» إنهما يحتفظان بقواتهما في منطقة إدلب الآن، لكنهما سيخضعان لسلطة «حكومة الإنقاذ» التي تم توسيعها حديثا.
وكما جرى مع قوات «نور الدين زنكي» التي هزمتها الهيئة الأسبوع الماضي، فإن المسلحين الذين يرفضون الخضوع للجهاديين سيعاد على الأرجح توزيعهم على مناطق تسيطر عليها تركيا مثل عفرين.
وتؤمن تركيا الدعم من تدريب وتجهيزات لفصائل تقاتل بالوكالة من أجل استخدامها ضد المقاتلين الأكراد الذين يسيطرون على شمال شرقي البلاد.
وهددت تركيا بعملية عسكرية عبر الحدود ضد «وحدات حماية الشعب الكردية»، لكن العائق الرئيسي أمامها كان تواجد القوات الأميركية.
ومع بدء انسحاب الجنود الأميركيين الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي وأكده التحالف الدولي الجمعة، فإن المجال يصبح مفتوحا أمام هجوم تركي.
وسيطرة «هيئة تحرير الشام» على إدلب تعني أن بنود اتفاق سبتمبر الذي تم التوصل إليه في سوتشي لم يتم احترامه. وبعد الاتفاق مع روسيا، عهد إلى تركيا باستخدام فصائلها في إدلب لكبح الجهاديين.
وجمّد اتفاق سوتشي هجوما سوريا بدا وشيكا قبل أربعة أشهر وكان يمكن أن يتسبب بأزمة إنسانية في منطقة يسكنها ثلاثة ملايين شخص.
وتركيا التي تؤمن حاليا المأوى لنحو 3.6 مليون لاجئ سوري حريصة على تحاشي جولة جديدة من العنف الذي قد يسبب موجة نزوح جديدة.
وتنعش سيطرة الهيئة على إدلب تهديد النظام السوري، لكن بالانش اعتبر أن مثل هذا الأمر لا يشكل أولوية لدى الحكومة السورية.
وقال: «الروس جاهزون للهجوم في أي لحظة، لكنهم لن يقوموا بذلك»، مضيفا: «إنهم يستخدمون إردوغان ليضغط على الأميركيين من أجل مغادرة شمال شرقي سوريا».
وردت تركيا الخميس بغضب على الرسائل المتضاربة التي ترسلها الإدارة الأميركية حول وتيرة سحب جنودها، محذرة من أن أي تأخير قد يدفعها لشن هجومها.



إسرائيل تعترض صاروخاً حوثياً عشية «هدنة غزة»

عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تعترض صاروخاً حوثياً عشية «هدنة غزة»

عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)

اعترضت إسرائيل صاروخين باليستيين أطلقتهما الجماعة الحوثية في سياق مزاعمها مناصرة الفلسطينيين في غزة، السبت، قبل يوم واحد من بدء سريان الهدنة بين تل أبيب وحركة «حماس» التي ادّعت الجماعة أنها تنسق معها لمواصلة الهجمات في أثناء مراحل تنفيذ الاتفاق في حال حدوث خروق إسرائيلية.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تشن الجماعة المدعومة من إيران هجمات ضد السفن في البحرين الأحمر والعربي، وتطلق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل، وتهاجم السفن الحربية الأميركية، ضمن مزاعمها لنصرة الفلسطينيين.

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، في بيان متلفز، عصر السبت، بتوقيت صنعاء، إن جماعته نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي من نوع «ذو الفقار»، وإن الصاروخ وصل إلى هدفه «بدقة عالية وفشلت المنظومات الاعتراضية في التصدي له»، وهي مزاعم لم يؤكدها الجيش الإسرائيلي.

وأضاف المتحدث الحوثي أن قوات جماعته تنسق مع «حماس» للتعامل العسكري المناسب مع أي خروق أو تصعيد عسكري إسرائيلي.

من جهته، أفاد الجيش الإسرائيلي باعتراض الصاروخ الحوثي، ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» أن صافرات الإنذار والانفجارات سُمعت فوق القدس قرابة الساعة 10.20 (الساعة 08.20 ت غ). وقبيل ذلك دوّت صافرات الإنذار في وسط إسرائيل رداً على إطلاق مقذوف من اليمن.

وبعد نحو ست ساعات، تحدث الجيش الإسرائيلي عن اعتراض صاروخ آخر قبل دخوله الأجواء، قال إنه أُطلق من اليمن، في حين لم يتبنّ الحوثيون إطلاقه على الفور.

ومع توقع بدء الهدنة وتنفيذ الاتفاق بين إسرائيل و«حماس»، من غير المعروف إن كان الحوثيون سيتوقفون عن مهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر، وخليج عدن؛ إذ لم تحدد الجماعة موقفاً واضحاً كما هو الحال بخصوص شن الهجمات باتجاه إسرائيل، والتي رهنت استمرارها بالخروق التي تحدث للاتفاق.

1255 صاروخاً ومسيّرة

زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي استعرض، الخميس، في خطبته الأسبوعية إنجازات جماعته و«حزب الله» اللبناني والفصائل العراقية خلال الـ15 شهراً من الحرب في غزة.

وقال الحوثي إنه بعد بدء سريان اتفاق الهدنة، الأحد المقبل، في غزة ستبقى جماعته في حال «مواكبة ورصد لمجريات الوضع ومراحل تنفيذ الاتفاق»، مهدداً باستمرار الهجمات في حال عودة إسرائيل إلى التصعيد العسكري.

جزء من حطام صاروخ حوثي وقع فوق سقف منزل في إسرائيل (أ.ف.ب)

وتوعّد زعيم الجماعة المدعومة من إيران بالاستمرار في تطوير القدرات العسكرية، وقال إن جماعته منذ بدء تصعيدها أطلقت 1255 صاروخاً وطائرة مسيرة، بالإضافة إلى العمليات البحرية، والزوارق الحربية.

وأقر الحوثي بمقتل 106 أشخاص وإصابة 328 آخرين في مناطق سيطرة جماعته، جراء الضربات الغربية والإسرائيلية، منذ بدء التصعيد.

وفي وقت سابق من يوم الجمعة، أعلن المتحدث الحوثي خلال حشد في أكبر ميادين صنعاء، تنفيذ ثلاث عمليات ضد إسرائيل، وعملية رابعة ضد حاملة الطائرات «يو إس إس ترومان» شمال البحر الأحمر، دون حديث إسرائيلي عن هذه المزاعم.

وادعى المتحدث سريع أن قوات جماعته قصفت أهدافاً حيوية إسرائيلية في إيلات بـ4 صواريخ مجنحة، كما قصفت بـ3 مسيرات أهدافاً في تل أبيب، وبمسيرة واحدة هدفاً حيوياً في منطقة عسقلان، مدعياً أن العمليات الثلاث حقّقت أهدافها.

كما زعم أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «ترومان» شمال البحر الأحمر، بعدد من الطائرات المسيرة، وهو الاستهداف السابع منذ قدومها إلى البحر الأحمر.

5 ضربات انتقامية

تلقت الجماعة الحوثية، في 10 يناير (كانون الثاني) 2025، أعنف الضربات الإسرائيلية للمرة الخامسة، بالتزامن مع ضربات أميركية - بريطانية استهدفت مواقع عسكرية في صنعاء وعمران ومحطة كهرباء جنوب صنعاء وميناءين في الحديدة على البحر الأحمر غرباً.

وجاءت الضربات الإسرائيلية الانتقامية على الرغم من التأثير المحدود للمئات من الهجمات الحوثية، حيث قتل شخص واحد فقط في تل أبيب جراء انفجار مسيّرة في شقته يوم 19 يوليو (تموز) 2024.

مطار صنعاء الخاضع للحوثيين تعرض لضربة إسرائيلية انتقامية (أ.ف.ب)

وإلى جانب حالات الذعر المتكررة بسبب صفارات الإنذار وحوادث التدافع في أثناء الهروب للملاجئ، تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ حوثي، في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كما أصيب نحو 20 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في الـ21 من الشهر نفسه.

واستدعت الهجمات الحوثية أول رد من إسرائيل، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتَي توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

دخان يتصاعد في صنعاء الخاضعة للحوثيين إثر ضربات غربية وإسرائيلية (أ.ف.ب)

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء، ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر 2024، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.