توتر في الائتلاف الشعبوي اليميني الحاكم في إيطاليا

رفع وزير الداخلية الإيطالي زعيم رابطة الشمال اليميني المتطرف ماتّيو سالفيني حدة المواجهة مع رئيس الحكومة جيوزيبي كونتي حول موضوع المهاجرين غير الشرعيين، معلناً رفضه تنفيذ الاتفاق الذي توصّل إليه هذا الأخير مع الاتحاد الأوروبي لتوزيع 49 مهاجراً على 8 دول أوروبية، من بينها إيطاليا، فيما تتسّع جبهة المعارضة داخل الحكومة لسياسة سالفيني المتشددة حيال ملفّ المهاجرين الذي تستحوذ معالجته على القسم الأكبر من نشاط الائتلاف الحاكم منذ وصوله إلى الحكم مطلع الصيف الماضي.
وكان رئيس الحكومة قد أدلى بتصريحات خلال برنامج تلفزيوني جاء فيها أن الساعة قد أزفت لفتح أحد الموانئ الإيطالية والسماح بنزول المهاجرين الذين ينتظرون منذ أسبوعين على متن زورقين تابعين لإحدى المنظمات غير الحكومية.
ووصف مراقبون تصريحات كونتي بأنها تحدٍّ مباشر وغير مسبوق لوزير الداخلية، ومن شأنها أن تزعزع بنود الميثاق الذي قام عليه الائتلاف الحكومي بين رابطة الشمال وحركة النجوم الخمس، والاتفاق على أن يرأسه كونتي المحايد والحديث العهد في السياسة.
وكان رئيس مالطا قد أعلن يوم الأربعاء أن بلاده على استعداد للسماح بنزول المهاجرين في ميناء فاليتا، بعد أن توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق لتوزيعهم على 8 بلدان أوروبية، هي ألمانيا وفرنسا والبرتغال وآيرلندا ورومانيا ولوكسمبورغ وهولندا وإيطاليا. لكن تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي الأخيرة أثارت غضب وزير الداخلية، الذي قال إن المفاوضات التي أجراها كونتي تمّت من غير علمه، وإنه ليس مستعدّاً للسماح بنزول المهاجرين في الموانئ الإيطالية. وأضاف سالفيني في إحدى تغريداته المعهودة: «لا يجوز الكلام أو التصرّف قبل مناقشة الموضوعات داخل الحكومة. أنا لن أسمح بنزول المهاجرين. ينبغي أولاً توزيع 500 مهاجر ينتظرون بتّ وضعهم ونهتّم بعد ذلك بالمهاجرين الثمانية. هذا ما كنت فعلته لو كنت رئيساً للحكومة، لكن بما أني لست رئيساً، فعلى كونتي أن يتحمّل المسؤولية السياسية لهذا القرار».
ويرى المراقبون أن كونتي، الذي يحاذر عادة المواجهة مع سالفيني في تصريحاته، قد تصرّف مدفوعاً أو مدعوماً من حركة النجوم الخمس التي تتسّع دائرة المعارضة داخلها لسياسة وزير الداخلية الذي يستغلّ ملفّ المهاجرين لتعزيز شعبيته استعداداً للانتخابات الأوروبية أو العامة في إيطاليا حال انهيار الائتلاف الحاكم. لكن الحركة أحجمت حتى الآن عن فتح مواجهة مع حليفها الذي تعرف أنه لن يتردد في مواصلة التصعيد والاستفزاز إلى أن تسقط الحكومة ويقطف ثمرة الانتخابات في أوج شعبيته. وكان واضحاً من تصريحات كونتي عندما ردّ على تحذير مقدّم البرنامج أن موقفه سيثير غضب سالفيني، وقال: «إنها حالة استثنائية. عشرات النساء والأطفال على متن سفن صغيرة في عرض البحر منذ أسبوعين، ولا يجوز فصل الأولاد عن آبائهم. هذا ليس خروجاً عن سياسة الحكومة، وإيطاليا بإمكانها أن تتحمّل هذا العدد الضئيل من الأطفال والنساء. ثمّة حدود لا يمكن لأي سياسة، مهما كانت متشددة، أن تتجاوزها». وفي الساعات الأخيرة أعلنت الكنيسة الإنجيلية في إيطاليا استعدادها لاستقبال المهاجرين في المنشآت التابعة لها في الشمال أو في جزيرة صقلية.
وتُظهر المواقف والتصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإيطالي أنه عازم على ترسيخ موقعه في المشهد السياسي الإيطالي، وألا يبقى مجرد «كاتب العدل» الذي يكتفي بتنفيذ ما يتفق عليه زعيما حركة النجوم الخمس ورابطة الشمال. وفي معرض تعليقه على ردة فعل وزير الداخلية على تصريحاته، أكّد أنه إذا لم تُفتح الموانئ لاستقبال المهاجرين سيتوجّه شخصيّاً بالطائرة لإحضارهم. ورد سالفيني على الفور بقوله: «أنا أستخدم الطائرة لأغراض أخرى. بإمكان المهاجرين أن يلقوا بأنفسهم بالمظلات. أنا لا أملك السيطرة على المجال الجوي».
وتواجه حركة النجوم الخمس، التي تملك ضعف مقاعد الرابطة في مجلسي الشيوخ والنواب، حرجاً كبيراً منذ فترة في تأييد السياسة العدائية التي ينهجها سالفيني تجاه المهاجرين، وتجد نفسها أمام خيارات صعبة ودقيقة جداً على أبواب الانتخابات الأوروبية في الربيع المقبل والاحتمالات المتزايدة لإجراء انتخابات عامة مسبقة في إيطاليا. وقد سبق لرئيس مجلس النواب روبرتو فيكو، الذي ينتمي إلى الحركة، أن أعلن معارضته الشديدة لسياسة سالفيني، وحذّر من قيام جبهة مدنية معارضة للحكومة، خاصة بعد قرار عدد من رؤساء بلديات مدن كبرى مثل ميلانو ونابولي وباليرمو رفض تطبيق مرسوم الإجراءات الأمنية التي أصدرها وزير الداخلية حول موضوع المهاجرين لاعتباره مناقضاً لأحكام الدستور ومواثيق حقوق الإنسان الدولية.
ويعيش المشهد السياسي الإيطالي ساعات متوترة بانتظار الفصول الجديدة من هذه المواجهة المعلنة، بعد عودة وزير الداخلية من بولندا حيث دعا الحزب اليميني الحاكم إلى «تشكيل جبهة أوروبية عريضة للحد من الهيمنة الألمانية والفرنسية».