«كف اليد» يترك موظفين سوريين معلَّقين بين السماء والأرض

«الشرق الأوسط» تنشر تحقيقاً عن معاناة آلاف وعدم قدرتهم على العودة إلى العمل

سوق الحميدية في دمشق (رويترز)
سوق الحميدية في دمشق (رويترز)
TT

«كف اليد» يترك موظفين سوريين معلَّقين بين السماء والأرض

سوق الحميدية في دمشق (رويترز)
سوق الحميدية في دمشق (رويترز)

بعد إطلاق سراح مدرس المرحلة الثانوية السوري صالح (56 عاماً) من المعتقل في منتصف عام 2016، توقع أن يعود إلى وظيفته بعد رفع الإيقاف المؤقت بحقه. منذ ذلك الحين، تردد مراراً على إدارته التربوية وحصل على أحكام قضائية تدعم حقه في العودة وإنهاء الإيقاف المؤقت أو «كف اليد» الذي اتخذته بحقه جهة العمل في أثناء الاعتقال، لكن من دون جدوى إذ تشترط جهة العمل حصوله على موافقة أمنية صعبة المنال بموجب تعميم صدر عن الحكومة السورية في 2013.
قانون المحاكم المسلكية الصادر عام 1990 الذي ينظم إجراء «كف اليد» لا ينصف صالح، إذ لا يحدد إجراءات ولا مدة معينة لعودة الموقوفين ولا يتضمن إلزاماً لجهات العمل. وزاد الأمر تعقيداً بسبب التعميم الصادر عن الحكومة في 2013 والذي وُزِّع على جهات العمل.
لم يتمكن صالح من الالتحاق بوظيفة أخرى، فهو لا يزال رسمياً على ذمة وظيفته في التعليم التي أمضى بها 22 عاماً قبل اعتقاله. هكذا بقي معلقاً بين السماء والأرض مثل 4500 موظف «مكفوفي الأيدي» رفعوا دعاوى أمام المحكمة الإدارية في دمشق منذ بداية الأزمة السورية في 2011 حتى نهاية 2017 للمطالبة بمستحقاتهم الموقوفة من أجور وتعويضات، حسب القاضي يحيى العلي من مجلس الدولة. جهات العمل تضرب بأحكام القضاء عرض الحائط وتطبّق تعميم الحكومة الذي يمنع صالح ورفاقه من العودة للعمل رغم مخالفته قانون المحاكم المسلكية والمادة 51 من الدستور السوري التي تعتبر أن «كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم في محاكمة عادلة».
اعتُقل صالح في أبريل (نيسان) 2015 بتهمة «كتم جناية وتمويل إرهاب» لأن شقيقه الذي اتُّهم بالانتماء إلى مقاتلي المعارضة السورية كان يزوره بمنزله في بلدة «ببيلا» في ريف دمشق. لم يجدِ نفعاً أن صالح أثبت لجهات الأمن أن شقيقه أُطلق سراحه من «فرع فلسطين» الأمني (التابع للاستخبارات العسكرية) في دمشق في 24 فبراير (شباط) من نفس العام، وجدد جواز سفره بموافقة السلطات، وسافر عبر مطار دمشق إلى مدينة القامشلي في شمال شرق البلاد.
خرج صالح بعد سنة وثلاثة أشهر من الاعتقال، بإخلاء سبيل، ثم حصل على منع محاكمة من القضاء الجزائي في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2016 لعدم ثبوت دليل على التهمة الموجهة إليه. وقدم طلب العودة إلى العمل بعدها بثلاثة أيام. وقدمت وزارة التربية بدورها، طلبًا إلى مكتب الأمن الوطني للحصول على الموافقة الأمنية. وبعد شهرين، كان الرد بالرفض.
تكررت مراجعة صالح لمديرية التربية فأحالت ملفه إلى المحكمة المسلكية (التأديبية) في دمشق. استغرقت إجراءات التقاضي سبعة أشهر، وحصل صالح على قرار «عدم مُساءلة قانونية وإلغاء قرار كف اليد» بتصديق من مجلس الدولة بتاريخ الثامن من مايو (أيار) 2017، حاول مجدداً العودة للعمل، لكن وزارة التربية لم تنفذ القرار القضائي وعادت لتطلب الموافقة الأمنية.
يقول القاضي يحيى العلي من مجلس الدولة إن «القضاء الإداري ينتهي دوره، بمجرد إصدار القرار القضائي المبرم المكتسب الدرجة القطعية وإعلان الحكم الصادر عن مجلس الدولة».
وفي ظل انقطاع الراتب وتحت ضغط تكاليف الحياة ومصروفات العائلة التي نزحت ثماني مرات من منزلها بسبب القتال في سوريا، اضطر صالح إلى العمل عتالاً (حامل أغراض ثقيلة) في محل للخضراوات بإحدى أسواق دمشق. مع الوقت بدأت زيارته تكثر للأطباء بسبب آلام الظهر نتيجة ثقل الأحمال. واضطر ولداه، وأحدهما بالثانوي والآخر بالجامعة، إلى ترك الدراسة والالتحاق بسوق العمل لإعالة الأسرة.
قال الرجل الذي يقترب من عامه الستين، وهو ينحني ليرفع حزمة من الخضر، إن ما تعرض له بسبب كف يده ووقف مستحقاته المادية «إعدامٌ على الساكت».
لاح طوق نجاة أمام صالح، حين وجد فرصة للعمل مدرساً في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). لكن هذا العمل كان يتطلّب منه الحصول على ورقة «غير موظّف» بموجب الفقرة «و» من المادة رقم 7 من قانون العاملين. وبما أنّه لا يزال مقيداً ضمن الموظفين في وزارة التربية، فشل صالح في الحصول على الوظيفة الجديدة.
مسؤولة ملف مكفوفي اليد في الدائرة القانونية في مديرية تربية ريف دمشق وداد خالد، قالت: «لا نقوم بإعادة العامل إلا في حال حصوله على الموافقة الأمنية». وأضافت أنّها أرسلت طلباً ثانياً وثالثاً من أجل منحه الموافقة الأمنية «لكنها جاءت مع الرفض رغم أن وضعه قانوني».
وزارة التربية التي كان يعمل بها صالح سجلت، إلى جانب مؤسسة مياه دمشق، أعلى نسبة لحالات «كف اليد»، حسب القاضي يحيى العلي من مجلس الدولة، رغم أنه لم يعطِ أرقاماً لتلك النسب.
ولا يختلف الوضع في قطاعات أخرى، حسب عينة من 11 موظفاً شملهم هذا التحقيق، حُرموا من عملهم بعد اعتقالهم دون جرم. وحصل أربعة من العينة على أحكام قضائية قطعية تلزم جهات العمل بإعادتهم لأعمالهم.

مزاودات
جهة عمل صالح طلبت أكثر من مرة منحه الموافقة الأمنية دون جدوى. لكن الموظّفة السورية هبة العبد الله (اسم مستعار) لم تحظَ بهذه المعاملة، إذ كان مديرها ملكياً أكثر من الملك. لم تفلح هبة في العودة إلى عملها التابع لوزارة الإدارة المحلية رغم أنه لم تثبت عليها تهمة «الترويج للأعمال الإرهابية» التي اعتُقلت بسببها، بل وشملها عفو رئاسي أغلق ملفها في 21 يوليو (تموز) 2014.
أمضت الموظفة الثلاثينية التي تعول والديها، خمسة أشهر رهن الاعتقال قبل أن يُخلى سبيلها لعدم ثبوت التهمة في مايو 2014، حسب أوراق المحكمة التي قدمتها إلى جهة العمل. وشملها العفو الرئاسي في الشهر التالي، وحصلت من رئاسة الوزراء على تأشيرة «لا مانع من العودة للعمل» في أكتوبر 2014.
لكنّ كل تلك الأوراق والتأشيرات انتهى بها الأمر إلى إضبارة هبة في شؤون العاملين (الذاتية)، دون أن تفلح في إعادتها إلى عملها بعد أكثر من أربع سنوات ونصف السنة من إخلاء سبيلها.
وقال مدير شؤون العاملين في جهة العمل، التي طلبت هبة عدم الكشف عنها، إن مدير هبة «يرفض إعادة أي عامل تعرض للاعتقال، حيث رفض تقديم طلب لها إلى مكتب الأمن الوطني للحصول على الموافقة الأمنية».

11 يوماً تبدّد 15 عاماً
الدخول في النفق المظلم لكف اليد قد لا يحتاج إلى أكثر من تشابه الأسماء. وسام الزغبي (40 سنة) دخل فرع الأمن الجنائي (التابع لوزارة الداخلية) في باب مصلى بدمشق بسبب تشابه اسمه مع مطلوب آخر. وخرج بعد 11 يوماً مكفوف اليد عن عمله بالقرار رقم 242-م الصادر عن مديرية النفوس المدنية في دمشق في 17 - 1 - 2017.
قال وسام: «تم التحقيق معي وخرجت، كوني لم أكن الشخص المطلوب، حيث تم تحويلي إلى القضاء وحصلت على براءة بقرار قضائي مُكتسِب الدرجة القطعية».
في اليوم التالي عاد وسام إلى عمله ليجد قرار «كف يده». قدم ما يثبت أنه كان موقوفاً، وأبلغته المديرية أنها سترفع كتاباً إلى مكتب الأمن الوطني للحصول على الموافقة الأمنية. وجاء الرد بالرفض.
التعميم الذي يفرض الموافقة الأمنية لعودة العامل يخالف المادة 51، فقرة (2)، من الدستور السوري التي تنص على أنّ «كل مُتهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مُبرم في محاكمة عادلة». وفضلاً عن مخالفة التعميم للدستور فإنه حسب هذا التعميم لا تستدعي حالة وسام الحصول على الموافقة الأمنية كونه أُوقف أقل من 15 يوماً.
ومع ذلك، تمسكت المديرية بقرار «كف اليد» في مخالفة للتعميم المذكور، وللفقرة الثالثة من المادة 135 من قانون العاملين الذي يشترط مرور 15 يوماً على تغيب العامل قبل أن يُتخذ بحقه إجراء إداري. ونظراً إلى أن وسام برّأته المحكمة، فالإبقاء على كف اليد يخالف أيضاً المادة (26) من قانون المحاكم المسلكية التي تؤكّد في الفقرة (ب) أنه «إذا أصدر القضاء الجزائي قراراً بالبراءة أو عدم المسؤولية أو منع المحاكمة، أو الحكم بإحدى المخالفات فيُعتبر قرار كف اليد مُلغىً حُكماً وترسل المحكمة ملف القضية إلى الإدارة التي يعمل لديها العامل، عن طريق النيابة العامة».
ويقول حسام الصواف أمين سر لجنة القرار رقم (1) في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تختص بتفسير قانون العاملين الأساسي رقم 50 لسنة 2004 الناظم للوظيفة العامة، إن اللجنة صدرت رأياً لرئاسة الحكومة في 2014 يطلب استثناء مبنزالحالات التي تحصل على براءة أو عفو رئاسي أو قرار قضائي بمنع المحاكمة أو عدم المسؤولية من شرط الحاجة لموافقة أمنية تجنباً لضياع حق العامل. لكن جميع الحالات التي شملها هذا التحقيق (11 حالة) رُفضت طلباتها كلها للحصول على الموافقة الأمنية رغم احتجازهم دون جرم.

قاتلْ... ترجعْ إلى عملك
شادي إبراهيم (اسم مستعار) الموظف في محافظة دمشق وجد طريقاً مختصراً لإنهاء «كف يده» بعد اعتقاله عشرة أيام في 2013 ثم إخلاء سبيله. فقد رفع الموظف الثلاثيني كتاباً لمحافظة دمشق وإلى رئاسة الوزراء يطلب العودة إلى عمله لكن دون جدوى.
وبعد ثلاث سنوات من المعاناة دون عمل، عرف شادي أن من يتطوع في اللواء الطوعي التابع لمحافظة دمشق، المؤلف من عاملين بالمحافظة، تتم إعادته للعمل. قدّم طلب التطوّع إلى ذاتية محافظة دمشق في يناير (كانون الثاني) 2016، وبعدها حصل على وثيقة بأنّه بات على رأس عمله منذ تاريخ 6 فبراير 2016. وعلى مدى سبعة أشهر من التقاضي، عرف صالح من خلال التعامل مع المحامين والمحاكم، المتاهة القانونية التي دخل فيها بسبب «كف اليد».
يحكم عملية «كف اليد» قانون المحاكم المسلكية رقم 7 (1990)، وقانون العاملين الأساسي رقم 50 (2004)، الناظم للوظيفة العامة، إضافة إلى آراء (لجنة القرار رقم واحد) في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهي لجنة تختص بالنظر في إبداء الآراء حول القانون رقم 50.
وقال المحامي عدنان الربيع المختص بالقضاء الإداري، إن القانونين لا يحتويان على أي توصيف قانوني لعملية كف اليد جراء الاعتقال الأمني فلم تنص القوانين على المدّة التي يجب أن يعاد خلالها العامل إلى عمله، ولا طريقة العودة. وأضاف أن قانون المحاكم المسلكية لم يلزم الجهات التي يعمل بها الموظفون بإعادتهم بعد إخلاء سبيلهم وإنما أعطاها سلطة تقديرية في إعادة العامل من عدمه.
ويُرجع الدكتور عقبة الرضا، الخبير بالموارد البشرية وعميد سابق للمعهد الوطني للإدارة العامة، السبب في غياب التوصيف القانوني لعملية كف اليد نتيجة التوقيف الأمني، إلى كون العقوبات سابقاً كانت مسلكية (مخالفات داخل العمل) فقط ويبتّ القضاء بحالة العامل فإمّا أن يجرّمه أو يبرّئه.
ولكن عقب النزاع السوري ظهرت حالات الاعتقال الأمني بكثافة، وأصبحت جهات العمل تعطي الأولوية لتطبيق التعميم الصادر عن رئاسة الحكومة في 2013.

ضياع التعويض
ولا تقف معاناة «مكفوفي الأيدي» عند صعوبة العودة للعمل وإنما تمتد إلى ضياع الأجور ومكافآت نهاية الخدمة والتعويضات في ظل تضارب المرجعيات القانونية.
فالمادة 79 من قانون العاملين في الدولة رقم 50 تقول إنه «لا يجوز للعامل أن يتقاضى أجره ما لم يكن شاغلاً للوظيفة». وتقول الفقرة (أ) في المادة 89 من القانون ذاته إنه «يوقف أجر العامل مكفوف اليد اعتباراً من أول الشهر الذي يلي تاريخ كف يده». لكن الفقرة (ب) تقول إنه «إذا أُعيد العامل المكفوف اليد إلى وظيفته فإنه يتقاضى اعتباراً من تاريخ وقف أجره كامل أجوره الموقوفة في حال براءته أو عدم مسؤوليته أو منع محاكمته».
المحكمة الإدارية العليا أدلت بدلوها في الموضوع، وقال قرارها رقم (278) في الطعن 935 لسنة 1994 إنه «من حق العامل الدائم الذي توقفه السلطة ثم تخلي سبيله دون أنّ يحال إلى القضاء، أو دون أنّ يدان بشيء، أن يعود إلى وظيفته ما لم يكن قد صُرف منها أو تجاوز السن القانونية، وأن يتقاضى كامل أجوره الموقوفة عن مدة التوقيف مهما طالت وأنّ يسبغ عن مدة توقيفه صفة الخدمة الفعلية».
لكن جهات العمل تستند في رفض صرف أجور مكفوف اليد إلى ما جاء في محضر جلسة المجلس الأعلى للرقابة المالية رقم 7 لعام 1993 من أنّه «لا تعتبر الفترة الواقعة بين تاريخ إخلاء السبيل للعامل ووضعه نفسه تحت تصرف الإدارة وتاريخ صدور الصك بإعادته (فترة) خدمة فعلية، وبالتالي لا يستحق أجوره عن هذه الفترة».
وإذا قطع صالح الأمل في العودة إلى عمله، فهو لا يعرف مع اقترابه من سن التقاعد كيف يمكن أن يصرف التأمينات والمستحقات، التي يفترض أن يحصل عليها العامل في نهاية خدمته، أو في حال قدّم استقالته أو تم صرفه من الخدمة.
وحسب وثيقة صادرة عن وزارة العمل في أواخر 2017، فإن وزارة العمل ممثّلة بلجنة القرار رقم 1 رفضت تصفية حقوق العاملين «مكفوفي الأيدي» استناداً إلى أن الموافقة الأمنية لم ترد ضمن حالات انتهاء الخدمة حسب المادة 131 من قانون العاملين، التي حصرت حالات انتهاء الخدمة بـ«إتمام العامل الستين من العمر، والاستقالة أو ما في حكمها، والتسريح لأسباب صحية، وثبوت عدم صلاحية العامل المتمرن، والتسريح بسبب ضعف أداء العامل، والتسريح التأديبي، والطرد، والصرف من الخدمة، والوفاة».
وبما أن «مكفوفي الأيدي» لا تنطبق عليهم أيٌّ من الحالات التسع السابقة فإنّهم خسروا تعويضات التأمينات أيضاً، التي تبلغ 21% من قيمة الراتب مضروباً بعدد سنوات الخدمة، وذلك وفقاً لقانون التأمينات الاجتماعية رقم 28 لعام 2014.

التعميم أقوى من القانون
يقول الدكتور عقبة الرضا العميد السابق للمعهد الوطني للإدارة العامة، إن عدم تنفيذ القرارات القضائية بعودة موظفين «يعود إلى ضعف في عملية الإدارة بحد ذاتها، أو خوفها من أن يكون هذا الشخص متورطاً بعمل معين».
واعتبر أمين شؤون العمل بالاتحاد العام لنقابات العمال حيدر حسن أن «قضية الموظفين الذين لم تثبت عليهم التهم تشكل هاجساً للاتحاد، ولا سيما أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته».
وقال إن الاتحاد طالب عبر مؤتمره السنوي في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2017، رئيس الحكومة والجهات العامة بإعادة العامل في حال إخلاء سبيله، لكن ذلك لم يحدث في كل الحالات.
معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل راكان إبراهيم، قال إن «كف اليد عارض وليس حالة دائمة، وبمجرد زوال العارض أو السبب الذي كان وراء التوقيف ينتهي كف اليد وفق الأصول والإجراءات المحددة بالقانون». لكنه أشار إلى تعميم رئاسة الحكومة أنه إلى جانب القوانين هناك أنظمة تحكم عمل الجهات العامة وتشترط الحصول على الموافقة الأمنية للعودة إلى العمل.
ولم يتسنَّ الحصول على رد من رئاسة الحكومة وما إن كانت لديها حل لأوضاع الموظفين المتضررين من التعميم. ورفض المكتب الصحافي توثيق تقديم طلب للحصول على رد. ولدى استخدام البريد الإلكتروني الموجود على موقع الحكومة على الإنترنت لم يتم تسليم الرسالة وجاء رد يوم الأحد السادس من يناير بوجود عطل فني.
عالج المحامي السوري المتخصّص بالقضاء الإداري عدنان الربيع منذ عام 2012 نحو 100 دعوى رفعها موظفون «مكفوفي الأيدي» بهدف العودة إلى عملهم، ويؤكّد أن البعض منهم حصل على أحكام قضائية ولم يعد بسبب الموافقة الأمنية، في حين عاد البعض الآخر بعد حصوله على هذه الموافقة.
ويؤكّد الربيع أن الجهة التي تمتنع عن تنفيذ القرار القضائي تُعاقَب بالحبس بين شهرين وسنتين، وذلك بموجب المادة رقم 364 من قانون العقوبات العام.
وفي ما يخص تعميم رئاسة الحكومة بفرض موافقة أمنية، يرى الربيع أنّه أحياناً تصدر تعاميم بظروف القوة القاهرة، مثل قانون الطوارئ ويكون القانون بنهج والتعميم بنهج آخر، مؤكّداً أنه «إذا لم تأتِ الموافقة الأمنية فلن يعود العامل لعمله».
أصبح صالح يدرك هذا الواقع لكنه ما زال غير قادر على استيعابه. في لحظات راحته في سوق الخضراوات يلتقط أنفاسه مردداً: «هل يعقل أن أتحوّل من أستاذ مدرسة إلى عتّال؟». وأضاف أن طلبه الوحيد هو العودة لعمله الأساسي في التعليم الذي أمضى به 22 عاماً.

- أُنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية» (أريج)، وإشراف الزميل مختار الإبراهيم، وبالشراكة مع «الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية» (سراج).



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.