{البنتاغون} يدرس اعتقال {داعشيين} أميركيين في سوريا

وارين كلارك (يسار) وزيد عبد الحميد (المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية)
وارين كلارك (يسار) وزيد عبد الحميد (المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية)
TT

{البنتاغون} يدرس اعتقال {داعشيين} أميركيين في سوريا

وارين كلارك (يسار) وزيد عبد الحميد (المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية)
وارين كلارك (يسار) وزيد عبد الحميد (المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية)

بينما قال متحدث باسم البنتاغون لتلفزيون «سي إن إن»، صباح أمس (الاثنين)، إن البنتاغون يدرس إعلان «قوات سوريا الديمقراطية»، حليفة الولايات المتحدة، اعتقال «داعشيين» أميركيين في سوريا، قالت القناة التلفزيونية إن بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي تتابع الحرب ضد «داعش» قال إن القوات الحليفة للولايات المتحدة ما كانت ستعلن اعتقال «داعشيين» أميركيين إلا نكاية في الرئيس دونالد ترمب الذي أعلن سحب القوات الأميركية من سوريا، مما يهدد «قوات سوريا الديمقراطية» الحليفة. وكانت «قوات سوريا الديمقراطية» انتقدت قرار ترمب عندما أعلنه في الشهر الماضي.
ويوم الجمعة الماضي، زاد انتقاد هذه القوات بعد أن انتقدها ترمب، وقال إنها تبيع النفط إلى إيران. غير أن ترمب، في الوقت نفسه، تعهد بحماية الأكراد حلفاء الولايات المتحدة. وكانت القوات الحليفة وصفت قرار الانسحاب من سوريا بأنه «طعنة في الظهر»، وأنه صدر بالتزامن مع استعدادات القوات التركية المسلحة لشن عملية عسكرية جديدة في الأراضي السورية ضد المسلحين الأكراد الذين تعدهم أنقرة إرهابيين.
وقالت صحيفة «واشنطن بوست»، أمس الاثنين، إن الرجلين المعتقلين هما وارين كلارك (34 عاما)، وزيد عبد الحميد (35 عاما). ونقلت تصريحات مسؤول في «مركز التطرف» بجامعة جورج واشنطن (في واشنطن العاصمة) أن المركز يحتفظ بمعلومات عن كلارك، وبأن كلارك كان تقدم، قبل عامين، بطلب إلى «داعش» في العراق بأنه يريد أن يعمل مدرسا للغة الإنجليزية في جامعة الموصل، التي كان يسيطر عليها «داعش» في ذلك الوقت. وقالت الصحيفة إنها لم تعثر على معلومات عن الرجل الثاني.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أول من أمس، بيانا أصدرته «قوات سوريا الديمقراطية» بأنها اعتقلت 5 أجانب انضموا لتنظيم «داعش»، بينهم أميركيان وآيرلندي. ووصفهم البيان بأنهم «عناصر إرهابيّة من الأجانب، كانوا يحاولون شنّ هجمات ضدّ قوافل نازحين من محافظة دير الزور (شرق سوريا)، وكانوا يريدون الهروب من مناطق (داعش)». في اليوم نفسه، نشرت هذه القوات على موقعها الإلكتروني قائمة فيها أسماء المعتقلين وصورهم، وقالت إن اثنين منهما «متطرفان من الولايات المتحدة»، إضافة إلى آيرلندي، وباكستانيين، أحدهما من مدينة لاهور والآخر من مدينة سيالكوت. وأوضحت وكالة الصحافة الفرنسية أن القوات الكردية الحليفة اعتقلت، خلال العامين الماضين، ومع بداية سقوط «داعش» نحو «ألف متشدد، و550 امرأة (زوجات أو أرامل داعشيين) وقرابة 1200 طفل، جميعهم أجانب». وحسب الوكالة، فإن المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى «داعش»، خصوصا الفرنسيين والروس والسودانيين، يشكلون «معضلة بالنسبة للقوات الكردية التي تظل تناشد حكوماتهم لاستعادتهم»، وإن الحكومات الغربية «تظل تتحفظ حيال هذا الملف، لأن الرأي العام في تلك الدول يعارض استعادتهم». وأشارت الوكالة إلى أن آلاف المقاتلين الأجانب انضموا إلى تنظيم داعش خلال ذروة سيطرته وإعلانه تأسيس التنظيم في المناطق التي سيطر عليها في 2014 في سوريا والعراق، ثم بدأ يخسر هذه الأراضي أمام حملة دولية عسكرية مكثفة بقيادة الولايات المتحدة حتى «صار وجوده يقتصر فقط على بعض المناطق الحدودية بين سوريا والعراق». وفي الشهر الماضي، قالت مصادر في البنتاغون إن قلقا كبيرا عم مبنى البنتاغون بعد أخبار بأن الأكراد حلفاء الولايات المتحدة في سوريا قد يطلقون سراح 3200 معتقل «داعشي» وأقربائهم، وذلك احتجاجا على قرار الرئيس ترمب بسحب القوات الأميركية من سوريا.
جاء ذلك بعد أن نقلت مصادر إخبارية تصريحات مسؤولين في المعارضة السورية بأن «قوات سوريا الديمقراطية» التي تعتقل الداعشيين في شرق سوريا ستطلق سراحهم. وأن العدد يشمل 1100 من مقاتلي «داعش»، و2080 من أقاربهم، خصوصا النساء والأطفال، بالإضافة إلى نساء أرامل وأطفال أيتام قتل أزواجهن وآباؤهم. وقال المصدر: «سيكون أفضل خيار هو أن تتولى حكومة سوريا الإشراف على بقايا (داعش). لكن، هذا أحسن خيار وسط خيارات كل واحد منها أسوأ من الآخر». وأضاف: «في الجانب الآخر، إذا صار هؤلاء أحرارا، من دون حتى مراقبة حكومة سوريا، فستكون كارثة حقيقية، ليس فقط في المنطقة، ولكن، بصورة خاصة، في أوروبا».
في ذلك الوقت، قالت صحيفة «واشنطن بوست»، في تقرير عن مصير معتقلي «داعش»، إن كثيرا منهم معتقلون في معتقلات بشمال شرقي سوريا، حيث يوجد مقر «قوات سوريا الديمقراطية»، حليفة الولايات المتحدة.
ويعنى هذا أن قلق البنتاغون حول مصير المعتقلين الداعشيين بدأ قبل قرار الرئيس ترمب الانسحاب من سوريا، وذلك لأن القوات الكردية الحليفة كانت تخطط لسحب قواتها من مواقع مواجهة الداعشيين، وقالت إنها ستحتاج إلى جميع مقاتليها للدفاع ضد غزو عسكري تركي محتمل. ويعنى هذا زيادة احتمالات انفلات السيطرة على الداعشيين المعتقلين، ناهيك بزيادة مقاومة المقاتلين الداعشيين.
وتقود «قوات سوريا الديمقراطية» منذ سبتمبر (أيلول) 2018 هجوماً لطرد المتطرفين من جيبهم الأخير في سوريا في ريف دير الزور الشرقي، ويدافع التنظيم عنه بشراسة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟