عاد تنظيم «داعش» الإرهابي للرهان مجدداً على «الانفراديين» أو «الذئاب المنفردة»، و«الخلايا النائمة» لتنفيذ «ضربات خاطفة» سريعة في الدول بأي سلاح مُتاح، قد تكون خسائرها أقل، لكنها قد تُحدث دوياً في الدول، لتأكيد بقاء التنظيم، وأنه ما زالت لديه القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية، رغم خسائره في سوريا والعراق والضربات القوية التي تعرض لها في المناطق التي سبق أن سيطر عليها في الماضي.
و«الانفراديون» لا يخضعون لـ«داعش» بصورة تنظيمية؛ بل هم شخص أو أشخاص يخططون وينفذون باستخدام السلاح المتاح لديهم، كما حدث في استهداف المطارات والمساجد والأسواق والمقاهي والتجمعات.
يقول عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الانفراديين» هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما؛ سواء أكانت هذه العمليات بالأسلحة المتطورة أو بالطرق البدائية مثل «سكين المطبخ» أو العصا أو حتى الدهس بالسيارات والشاحنات، وهذه العمليات لها تأثير إعلامي كبير، والتخطيط لها يعتمد على آليات بسيطة جداً من قبل «الذئاب المنفردة».
وكشفت دراسات دولية أخيرة عن أن العديد من الأشخاص المتعاونين أو المتعاطفين مع «داعش» والذين يُعرفون إعلامياً بـ«الانفراديين» يتلقون تشجيعاً وتوجيهاً عبر الإنترنت من التنظيم، لتنفيذ هجمات يمكن له لاحقاً تبنيها، وذلك بعد تراجع قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات كبيرة.
كان أبو محمد العدناني، الناطق السابق باسم «داعش»، قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014، المتعاطفين مع التنظيم إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... كما دعا أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، أيضاً إلى استهداف المواطنين، وتوعد التنظيمُ عبر مؤسسة «دابق» الإعلامية بحرب جديدة تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
ويشار إلى أن العديد من الدول التي شهدت العمليات الإرهابية الأخيرة مثل تونس والمغرب، إلى جانب بعض الدول الأوروبية، وجه التنظيم تهديدات إليها بارتكاب عمليات أخرى عبر استخدام «الأحزمة الناسفة، والدهس، والطعن».
وأصدر التنظيم أخيراً مقطع فيديو بعنوان «أعد نفسك» في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، دعا فيه عناصره وخلاياه النائمة وذئابه المنفردة لـ«التخفي» واستهداف التجمعات في أثناء احتفالات أعياد الميلاد في الدول الأوروبية بأي طريقة ممكنة. كما نشرت مجموعة إعلامية مناصرة لـ«داعش» رسالة أخيراً تهدد بالقيام بهجمات إرهابية جديدة على نيويورك، باستخدام تكتيكات جديدة تشمل «القناصة، والعبوات الناسفة». كما ظهر بأحد الملصقات المتداولة عبر الإنترنت في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أحد «الإرهابيين» مرتدياً قناعاً يغطي وجهه وتوعد بهجمات مع العام الجديد... وأيضاً أطلقت مجموعة إعلامية تابعة لـ«داعش» تهديدات لسكان نيويورك بـ«الأحزمة الناسفة، والعربات المفخخة، والعبوات المتفجرة، وكواتم الصوت، والقناصة».
«شبكات الإرهاب»
مراقبون رجحوا أنه ربما يتجه التنظيم إلى توسيع نشاط هذه المجموعات في الدول (أي الذئاب المنفردة) في حال عدم قدرته على تأسيس هياكل تنظيمية أو فروع في بعض الدول، التي وجهت سلطاتها ضربات أمنية استباقية إليه خلال المرحلة الماضية.
ويشار إلى أن أول ظهور لمصطلح «الذئاب المنفردة» كان في أحد فصول كتاب «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» الذي أعده أبو مصعب السوري بعد التحديات الأمنية التي واجهها تنظيم «القاعدة» الإرهابي بعد أحداث وهجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، والذي يدعو فيه أفراد التنظيم والمتعاطفين معه إلى الجهاد المنفرد ضد الغرب -على حد وصفه.
وفي تقريره الأخير حول الإرهاب، توصل المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي، إلى أن بنية الإرهاب شهدت عملية «لا مركزية» واضحة من خلال ظاهرة «الذئاب المنفردة» والكسب على الإنترنت، وأن التعمق في كشف شبكات الإرهاب، أو عند الكشف عن «الإرهابيين»، أصبح متعذراً بفعل هذه «اللا مركزية». وأشار التقرير إلى أن نتائج تحليل الواقع الاجتماعي والديموغرافي كانت أكثر عواقب هذه العمليات الإرهابية خطراً، إذ اتضح منها أن 56 إرهابياً من منفذي هذه العمليات كانوا من مواطني البلد الذي تعرض لهذه العمليات الإرهابية، أي ما يشكل 73% من مجموع المنفذين، ويضاف إلى هؤلاء نسبة 14% ممن يتمتعون بإقامة دائمة في البلد الذي نُفّذت فيه العمليات، أو أنهم وفدوا إليه اعتيادياً من بلد مجاور.
وقال التقرير إن 8% فقط منهم تلقوا أوامر مباشرة من «داعش» أو من تنظيم إرهابي آخر لتنفيذ هذه العمليات، أما النسبة الأكبر، أي 92%، فكانوا من المتأثرين بدعاية «داعش»، أو من ذوي صلة غامضة بالتنظيم، أو من الذين تصرفوا بمفردهم مستوحين العبرة من «الإرهابيين».
وقال عبد المنعم، إن «داعش» يستخدم «الذئاب المنفردة» والتوغل في المجتمعات الغربية بطريقة الانفرادية «الانفراديين»، التي تعني أن منفذي العمليات الإرهابية يعملون بشكل فردي، ويشكلون خلايا محدودة العدد تعمل في التخطيط والتنفيذ، فضلاً عن «الخلايا النائمة» المستوحاة من تنظيم «القاعدة» الإرهابي، وهي تكون دائماً في فترة الإعداد تعمل وتدرس وتحضر، لحين القيام بعمليات إرهابية.
«11 عملية دهس»
من جانبه، أكد الدكتور إبراهيم نجم، مدير مرصد الفتاوى المتشددة والآراء التكفيرية بدار الإفتاء في مصر، أن «داعش» اعتمد على تبني فكرة الدفع نحو زيادة الهجمات الإرهابية عبر «الذئاب المنفردة»، مستخدماً في ذلك الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
مضيفاً أن «داعش» منذ أن تم تضييق الخناق عليه وهزائمه التي مُني بها، اعتمد على استراتيجية للانسحاب التكتيكي لصالح التمدد في أماكن أخرى والانتشار في مساحات بديلة وتوظيف آليات مغايرة للتجنيد والاستقطاب، لافتاً إلى أن التنظيم اعتمد على نمط اللا مركزية في الانتشار والتمدد، وذلك من خلال تجميع الفارين من التنظيم لأنفسهم وتكوين كيانات وتنظيمات أخرى تسير على نهج التنظيم الأكبر... ويحاول التنظيم عبر هذه الخطوة أن يعود للسيطرة وخلق مؤيدين له، لأن التنظيم كان قد بالغ في التكفير وعمليات سفك الدماء بصورة كبيرة جعلت الكثيرين من المنضمين إليه ينشقون عنه.
وأوضح نجم، وهو مستشار مفتي مصر، لـ«الشرق الأوسط»، أن تنظيم داعش توسع في استخدام الإنترنت، ليس فقط بهدف الاستقطاب؛ بل بهدف التوظيف والقيادة وتوزيع المهام والمسؤوليات وفقاً لما عُرف بـ«الخلافة الافتراضية». محذراً من خطورة تلك العمليات الإرهابية المتوقع حدوثها، خصوصاً عمليات «الدهس» التي تقوم بها «الذئاب المنفردة»، والتي يصعب بشكل كبير منعها أو التنبؤ بها... لذا فإنه على أجهزة الأمن والمعلومات أن تستنفر قواتها خلال تلك الاحتفالات لإحباط الأعمال التي ينوي التنظيم القيام بها.
وقالت دراسة لدار الإفتاء المصرية أخيراً إن عمليات «الدهس» التي قام بها التنظيم منذ ظهوره، بلغت نحو 11 عملية إرهابية، نتج عنها مقتل وإصابة نحو 892 في كل من «بريطانيا، وإسبانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأميركية، وألمانيا، وكندا».
وتبنى «داعش» في أغسطس (آب) الماضي، هجوماً بالطعن، أودى بحياة اثنين وأصاب آخر بجروح خطيرة في العاصمة الفرنسية باريس، حسب بيان أصدرته وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم. كما تبنى أيضاً في نوفمبر الماضي حادث طعن ودهس شنه رجل مسلح بسكين بعد أن صدم بسيارته حشداً من المارة وسط مدينة ملبورن في أستراليا، أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخرين.
زرع «خلايا نائمة»
في ذات الصدد، ذكر مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، جيمس كلابر، في تصريحات صحافية له، أن «الحدود المفتوحة بين الدول الأوروبية سمحت لتنظيم داعش بزرع (خلايا نائمة) عبر القارة»، محذراً من أن التنظيم يستعد لشن هجمات أخرى، مضيفاً أن «هناك دليلاً على أن (متشددين) تابعين لـ(داعش) في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، يعدّون سراً لهجمات مشابهة في أوروبا».وعن أهداف «داعش» من تهديداته للدول خلال العام الجديد، قال مرصد الأزهر في القاهرة، إن «داعش» يستهدف من تهديداته تصدير صورة إعلامية مفادها أنه لا يزال موجوداً، ولعله بهذه الرسالة يخاطب أتباعه أكثر مما يخاطب الآخرين؛ حتى يضمن عدم زعزعة الثقة لديهم، فهي رسائل نفسية بالأساس. وأضاف الأزهر في دراسة له أعدها باحثوه، أن «داعش» يأمل من هذه الرسائل أن يستجيب لها أشخاص متطرفون فيحاولوا تنفيذ هذه التهديدات بناءً على دوافعهم الخاصة، وليس بتوجيه وإرشاد من «داعش»؛ فهم أناس لا يعرفهم «داعش»، ولا تربطه بهم أي رابطة، لكن إذا حدث هذا فإن المشاهد سيقتنع بأن «داعش» هو الذي قام بهذه الهجمات... وبالفعل حدث هذا في أكثر من مرة، فنجد أن منفذ الهجوم كان مستجيباً لـ«داعش»، لكن التحقيقات تكشف عدم وجود صلة فعلية بينه وبين التنظيم، بالإضافة إلى أنه إذا حدث واستجاب شخص ما لأفكار «داعش»، فإن التنظيم سوف يسارع ويتبنى الحادث، ليكتسب به أرضية وقوة، في نفوس أتباعه أو المؤمنين به، ولو بشكل مؤقت.