السيسي وعباس يبحثان ملف المصالحة الفلسطينية

«أبو مازن»: لن أنهي حياتي خائناً... والأبواب مغلقة مع أميركا

الرئيسان السيسي وعباس خلال محادثاتهما بحضور أعضاء وفدي البلدين في قصر الاتحادية بالقاهرة أمس (أ.ف.ب)
الرئيسان السيسي وعباس خلال محادثاتهما بحضور أعضاء وفدي البلدين في قصر الاتحادية بالقاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

السيسي وعباس يبحثان ملف المصالحة الفلسطينية

الرئيسان السيسي وعباس خلال محادثاتهما بحضور أعضاء وفدي البلدين في قصر الاتحادية بالقاهرة أمس (أ.ف.ب)
الرئيسان السيسي وعباس خلال محادثاتهما بحضور أعضاء وفدي البلدين في قصر الاتحادية بالقاهرة أمس (أ.ف.ب)

هيمن ملف المصالحة الفلسطينية على لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، خلال مباحثات أُجريت، أمس، في قصر الاتحادية بالقاهرة.
وتناول اللقاء، الذي حضره عدد من مسؤولي البلدين، آخر المستجدات على صعيد القضية الفلسطينية، في ظل التحديات التي تواجهها، والدور العربي في دعم الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية كافة.
وأكد السيسي في اللقاء «قوة العلاقات التاريخية التي تربط» بين مصر والفلسطينيين، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستظل لها الأولوية في سياسة مصر الخارجية». وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي، إن السيسي أكد استمرار القاهرة في «بذل جهودها من أجل استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة وفق مرجعيات الشرعية الدولية»، كما شدد على «مواصلة مصر لجهودها الحثيثة مع الأطراف الفلسطينية من أجل تحقيق المصالحة الوطنية، والعمل على التغلب على جميع الصعوبات التي تواجه تلك الجهود بما يُحقق وحدة الصف ومصالح الشعب الفلسطيني الشقيق».
وأضاف راضي أن الرئيس الفلسطيني أعرب عن «خالص تقديره لجهود مصر ومواقفها التاريخية والثابتة في دعم القضية الفلسطينية»، مشيراً إلى «ما يعكسه ذلك من عمق وخصوصية العلاقات بين الشعبين الشقيقين»، ومشيداً في ذلك الإطار بالمساعي المصرية المُقدرة في إطار جهود تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.
وحضر الاجتماع من الجانب الفلسطيني قاضي قضاة فلسطين مستشار الرئيس للشؤون الدينية محمود الهباش، بالإضافة إلى سفير دولة فلسطين لدى مصر دياب اللوح، ومن الجانب المصري وزير الخارجية سامح شكري، ورئيس جهاز الاستخبارات عباس كامل، والناطق باسم الرئاسة بسام راضي.
وقال اللوح، في بيان أمس، إن الرئيس عباس أشاد بالجهود التي تبذلها مصر، وشدد على أهمية الاستمرار في التنسيق والتواصل الدائم بين البلدين.
وكان «أبو مازن» قد استبق اجتماعه بالسيسي، بلقاء مع وفد من كبار الإعلاميين والمثقفين المصريين في مقر إقامته بالقاهرة، مساء أول من أمس، وأطلعهم على آخر التطورات السياسية الجارية في المنطقة، خصوصاً «ما قامت به الإدارة الأميركية من انحياز لإسرائيل باعترافها بالقدس عاصمة لها ونقل سفارة بلادها إليها، واتخاذها إجراءات عقابية».
وقال «أبو مازن»، في بيان وزعته سفارة فلسطين بالقاهرة، إن كل هذه الإجراءات «لن تزيل أو تقوض حقنا في القدس، ولن تجعلنا نتنازل عن ثوابتنا الوطنية وحقوقنا المشروعة».
وأكد أن «الفلسطينيين لن يوافقوا على ما أطلق عليه (صفقة القرن) التي انتهت بالفعل، وهي مخالفة للشرعية الدولية، ولن تغير حقيقة أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية».
وأضاف: «سنواصل مسيرتنا وتحقيق إنجازاتنا الواحد تلو الآخر، وخلال أيام سأذهب إلى نيويورك لتسلم رئاسة مجموعة (77 + الصين) من مصر، وهي مجموعة من 134 دولة، وهو الأمر الذي سيعزز مكانة دولة فلسطين على الساحة الدولية».
وأضاف أن «الأبواب مغلقة تماماً مع الولايات المتحدة الأميركية، إلا إذا تراجعت عن الإجراءات العقابية التي تم اتخاذها ضدنا، وبالتالي ممنوع على أي فلسطيني أياً كانت صفته أن يلتقي معهم»، منوهاً إلى أن فلسطين «دولة تحت الاحتلال لديها 83 بروتوكولاً أمنياً مع 83 دولة وعلى رأسها الولايات المتحدة، وكندا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا».
وتحدث «أبو مازن» عن أنه يتم إدخال مبالغ كبيرة لحركة «حماس» التي تحكم قطاع غزة، عن طريق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، موضحاً: «نحن أمام 3 موضوعات غير محتملة وهي الوضع الأميركي، والإسرائيلي، والإخوان المسلمين». واستكمل: «القادم خطير ولن أنهي حياتي خائناً، ولا يوجد لديَّ سلاح أحارب به، ولكن أستطيع أن أقول لا، ولديَّ شعب يقول لا».
وفي ما يتعلق بملف المصالحة، قال: «كما تعلمون هناك قرار بتكليف مصر من الجامعة العربية عام 2007 بالعمل على إنهاء الانقلاب الذي نفّذته حركة حماس على المؤسسات الشرعية في قطاع غزة، وإنهاء هذه الصفحة وإعادة الوحدة الوطنية»، مشيراً إلى «جلسات واتفاقيات عديدة معهم (حماس) وبرعاية دول عربية على مدار الفترة السابقة».
ونوه إلى أن المحكمة الدستورية الفلسطينية قررت أخيراً حل المجلس التشريعي «الذي لا يعمل أي شيء منذ 12 عاماً ويتلقى رواتب كبيرة»، مضيفاً أن المحكمة الدستورية قررت أيضاً إجراء انتخابات خلال 6 أشهر. وانتهى «أبو مازن» متوعداً: «إذا لم تجر انتخابات في القدس فلن أقبل بأي انتخابات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.