كومارت يصطدم بتعنت الحوثيين... وغريفيث إلى صنعاء لإنقاذ الموقف

الحكومة اليمنية: تنفيذ اتفاق السويد لا يزال في مرحلة ما قبل الصفر

يمنية وابنتها في أحد شوارع صنعاء القديمة (إ.ب.أ)
يمنية وابنتها في أحد شوارع صنعاء القديمة (إ.ب.أ)
TT

كومارت يصطدم بتعنت الحوثيين... وغريفيث إلى صنعاء لإنقاذ الموقف

يمنية وابنتها في أحد شوارع صنعاء القديمة (إ.ب.أ)
يمنية وابنتها في أحد شوارع صنعاء القديمة (إ.ب.أ)

اصطدمت جهود فريق المراقبة الأممية في الحديدة برئاسة الجنرال الهولندي باتريك كومارت، بتعنت الجماعة الحوثية، في الجولة الثانية من اللقاءات التي عقدها مع ممثلي الجماعة والحكومة الشرعية، لتنتهي دون تقدم، على الرغم من انتهاء المهلة المحددة لتنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق السويد.
وفيما أعلنت الأمم المتحدة أن مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث سيصل اليوم (السبت) إلى صنعاء ثم إلى الرياض، في مسعى منه – كما يبدو - لإنقاذ الموقف المتأزم بشأن اتفاق السويد، أكد المتحدث باسم الحكومة اليمنية راجح بادي لـ«الشرق الأوسط»، أنه لم يحدث أي اختراق يذكر على صعيد التقدم في تنفيذ الاتفاق، ملقياً باللائمة على ما وصفه بـ«تعنت الميليشيات الحوثية».
وقال بادي: «حتى الآن ما زلنا في مرحلة ما قبل الصفر، ولم يتم إحراز أي تقدم يمكن أن يذكر بسبب تعنت ميليشيات الحوثي»، مشيراً إلى «عدم وجود أي مؤشرات لتنفيذ اتفاق استوكهولم من قبل الجماعة الحوثية».
وفي الوقت الذي كشفت فيه مصادر حكومية مطلعة عن أن الجنرال الأممي باتريك كومارت اضطر الخميس الماضي إلى إنهاء النقاش مع ممثلي الحكومة وممثلي الجماعة الحوثية دون إحراز تقدم، أكد المتحدث باسم الحكومة راجح بادي أن الحوثيين رفضوا مرور القافلة الغذائية والدوائية المتوجهة إلى صنعاء من ميناء الحديدة. وقال: «كان الحديث (خلال لقاءات لجنة التنسيق المشترك برئاسة كومارت) يدور حول نقطتين رئيسيتين، تتمثل الأولى في الإفراج عن القافلة الغذائية والدوائية الموجودة في الحديدة والمتوجهة إلى صنعاء، إلا أنه وبعد كل المشاورات والاتفاقات التي وصلت حتى إلى تحديد أسماء الضباط الذين سيرافقون القافلة، فإن ممثلي الجماعة الحوثية رفضوا ونكثوا كل الاتفاقات التي تمت بهذا الشأن».
وأوضح بادي أن «الحديث في النقطة الأخرى كان يدور عن الانسحاب الحوثي من الموانئ الثلاثة في محافظة الحديدة (الحديدة، ورأس عيسى، والصليف)، بحسب اتفاق استوكهولم؛ حيث يتم الانسحاب، وهي الخطوة الأولى من الاتفاق».
وأضاف: «ما حصل خلال وجود الجنرال الأممي باتريك كومارت في الحديدة، هو المسرحية الهزلية التي قامت بها ميليشيات الحوثيين عندما قامت بالتمثيل وتسليم ميناء الحديدة للميليشيات التابعة لها، بعد أن ألبستهم زي قوات خفر السواحل».
وبحسب مصادر حكومية مطلعة على أجواء اللقاءات التي أجراها كومارت مع ممثلي الحكومة والميليشيات، يتمحور الخلاف الرئيس حول توصيف «من هي السلطة المحلية التي سيتم تسليم الحديدة وموانئها إليها، إدارياً وأمنياً؟» حيث تصر الجماعة - بحسب المصادر - على أن أتباعها الذين عينتهم إدارياً وأمنياً منذ الانقلاب وحتى الآن هم السلطة المحلية، فضلاً عن أنها ترفض إعادة الموظفين الذين أزاحتهم من وظائفهم.
ورجح المتحدث باسم الحكومة اليمنية راجح بادي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تستأنف اجتماعات لجنة التنسيق المشتركة برئاسة كومارت في الثامن من الشهر الجاري، عقب انتهاء جولة غريفيث إلى صنعاء والرياض.

تهديدات حوثية
ومن المرتقب أن يطلع الجنرال كومارت في صنعاء المبعوث الأممي على تفاصيل ما تم الحديث حوله حتى الآن مع ممثلي الحكومة والميليشيات، تمهيداً لقيام غريفيث بتقديم إفادة مرتقبة إلى مجلس الأمن الدولي حول تطورات الأوضاع في الحديدة، والجهود التي قطعت في سياق تنفيذ اتفاق السويد وتحديد الطرف المتعنت.
إلى ذلك، أفادت مصادر عسكرية يمنية بأن الفريق الحكومي المشارك في لجنة التنسيق المشترك لإعادة الانتشار برئاسة كومارت، تمكنوا من العودة إلى إحدى القواعد العسكرية للجيش جنوبي الحديدة، بعد انتهاء لقاءات الجولة الثانية دون تقدم.
وكشف المتحدث باسم «ألوية العمالقة» وضاح دبيش، على صفحته على «فيسبوك» أن ممثلي الجماعة الحوثية في لجنة التنسيق المشتركة، قاموا في الاجتماع الأخير بتهديد الجنرال باتريك كومارت بتسيير مظاهرات تطالب بإقالته من رئاسة الفريق الأممي، كما اتهموه بأنه يتحيز إلى جانب الفريق الحكومي، بعد أن رفض مسرحيتهم التي زعموا فيها تسليم ميناء الحديدة إلى السلطة المحلية وخفر السواحل التابع للجماعة، وليس للحكومة الشرعية.
وفي حين ذكر دبيش أن كومارت، لم يتخذ أي إجراء جراء هذه التهديدات، واكتفى بإنهاء الاجتماعات، طلب من ممثلي الوفد الحكومي المغادرة حتى إشعار آخر؛ حيث يرجح توجهه إلى صنعاء للقاء المبعوث الدولي غريفيث.
وكان الموقع الرسمي للأمم المتحدة، قد ذكر أن غريفيث سيزور اليمن والسعودية ابتداء من السبت «في إطار مشاوراته مع الأطراف».
وأفاد بأن المبعوث الأممي سيلتقي قيادة الميليشيات الحوثية في صنعاء، والجنرال باتريك كومارت رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار، وليز غراندي منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، مضيفاً أن غريفيث من المتوقع أن يلتقي في الرياض، الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ومسؤولين آخرين في الحكومة الشرعية.
وأوضح الموقع الأممي أن كومارت قد عقد في الحديدة مع الأطراف، الاجتماع المشترك الثاني للجنة تنسيق إعادة الانتشار، في الوقت الذي كان فيه نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق، قد أكد «أن وقف إطلاق النار في الحديدة ما زال منفذاً» على الرغم من الخروق المتواصلة من جهة الجماعة الحوثية، بحسب إفادات الجيش اليمني والتحالف الداعم للشرعية.

خروقات مستمرة
في غضون ذلك، اتهمت القوات الحكومية الجماعة الحوثية بالاستمرار في خرق وقف إطلاق النار، كما أكد التحالف الداعم للشرعية الخميس الماضي، تسجيل 20 انتهاكاً حوثياً لوقف إطلاق النار خلال 24 ساعة في محافظة الحديدة.
وفي السياق نفسه، أفاد الموقع الرسمي لألوية العمالقة الحكومية، بأن الميليشيات «شنت قصفاً عشوائياً بقذائف مدفعية «الهاوزر» على منازل المواطنين في مديرية حيس جنوب الحديدة».
وأوضح الموقع أن الميليشيات استهدفت منزل المواطن عبد الله علي محمد العبد، في قرية المغل بمديرية حيس، بقذائف «الهاون» ومدفعية «الهاوزر»، ودمرت أجزاءً كبيرة منه على رؤوس ساكنيه، إضافة إلى استهداف منازل أخرى بقذائف «آر بي جي»، ما أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة بها.
ومنذ دخول وقف إطلاق النار في محيط مدينة الحديدة ونواحيها الجنوبية حيز التنفيذ، أحصى تحالف دعم الشرعية والقوات الحكومية عشرات الخروق الحوثية، بما فيها أعمال القنص وإطلاق الصواريخ والقذائف، إلى جانب استقدام التعزيزات وحفر الخنادق وإقامة الحواجز القتالية.
وتقول القوات الحكومية إنها ملتزمة على الأرض باتفاق وقف إطلاق النار، أملاً في إنجاح المساعي الأممية لتنفيذ اتفاق السويد؛ لكنها في الوقت نفسه، تؤكد على لسان قادتها أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إلى ما لا نهاية أمام هذه الخروق الحوثية.
وكان رئيس فريق المراقبة الأممية قد وصل الحديدة في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وانتهت الجولة الأولى من اللقاءات التي عقدها مع ممثلي الحكومة والميليشيات في 28 من الشهر نفسه، قبل أن تنفض الخميس الماضي لقاءات الجولة الثانية.

مآلات غامضة
تراهن الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، على إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية، عبر تنفيذ اتفاق السويد المعزز لجوانب بناء الثقة بين الحكومة الشرعية والجماعة الحوثية.
ويرجح كثير من المراقبين اليمنيين أن مآلات التحركات الأممية بشأن القدرة على تنفيذ الاتفاق ومواصلة مساعي السلام لا تزال غامضة، إذ كان من المفترض أن تنفذ المرحلة الأولى من اتفاق السويد خلال أسبوعين من وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ كما هو معلن في 18 من ديسمبر الماضي، كما يتم تنفيذ الشق الثاني من الاتفاق خلال 21 يوماً من وقف إطلاق النار.
وتشمل المرحلة الأولى إعادة انتشار القوات الحكومية إلى جنوب الطريق الرابطة بين صنعاء والحديدة، وإعادة نشر قوات الميليشيات شمال الطريق نفسها، مع انسحاب الجماعة من ميناء الحديدة ومينائي الصليف ورأس عيسى، ويصاحب كل ذلك إنهاء المظاهر المسلحة في مدينة الحديدة، وفتح الطرقات أمام تدفق المساعدات الإنسانية، والبدء في نزع الألغام من المدينة والميناء.
ويشمل الجزء الثاني من الاتفاق، إعادة انتشار القوات خارج الحديدة، خلال 21 يوماً، إلى أماكن تحددها لجنة التنسيق المشتركة، برئاسة الفريق الأممي الذي يقوده الجنرال باتريك كومارت، وصولاً إلى تسليم الشأن الإداري والمالي والأمني إلى السلطات المحلية تحت رقابة أممية.
غير أن الجماعة الحوثية ترى أن السلطات المحلية هي ذاتها التي أنشأتها بعد الانقلاب، فيما تقول الحكومة الشرعية إن الاتفاق وقرار مجلس الأمن الساند له 2451، ينصان على «المسارات القانونية» بموجب القانون اليمني، وهو ما يعني تسليم الحديدة وموانئها للسلطات الشرعية المحلية، وصولاً إلى تبعيتها للحكومة المعترف بها دولياً.
وبينما ترفض الجماعة الموالية لإيران، التفسير الحكومي لنص الاتفاق، يرجح أن تؤدي زيارة غريفيث إلى صنعاء ولقاء قادتها إلى إزالة اللبس لديهم، حول فهم نصوص الاتفاق، غير أنه من غير المؤكد ما إذا كانت الجماعة سترضخ في النهاية للتفسير الأممي، أم أنها ستواصل مهمتها في تنفيذ الاتفاق الذي عده المراقبون «فرصة أخيرة» من قبل المجتمع الدولي للجماعة، لإثبات حسن نواياها بخصوص جديتها في إحلال السلام والتوصل إلى اتفاق شامل مع الحكومة الشرعية، لإنهاء الحرب والعودة إلى المسار الانتقالي الذي كانت الجماعة انقلبت عليه في 2014.
وكانت الجماعة قد عرقلت فتح الطريق الجنوبية الشرقية للحديدة المعروفة بـ«كيلو 16» ومنعت مرور قافلة إنسانية منها في 29 من الشهر الماضي، غداة أن تم التوافق على ذلك في اجتماع مع الجنرال الأممي وممثلي الحكومة الشرعية.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.