وزير الاقتصاد اللبناني: نحن بلد مدين والحلول المقترحة لن تكون مريحة

رائد خوري أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الواقع الاقتصادي صعب نتيجة تراكمات 25 عاماً

رائد خوري
رائد خوري
TT

وزير الاقتصاد اللبناني: نحن بلد مدين والحلول المقترحة لن تكون مريحة

رائد خوري
رائد خوري

بدأ المسؤولون اللبنانيون يمهِّدون لاتخاذهم إجراءات تقشفية وخطوات «غير شعبية»، بعد تشكيل الحكومة الجديدة لمواجهة الانهيار الاقتصادي، الذي تعاني منه البلاد، والذي بلغ، بحسب خبراء، مستويات غير مسبوقة.
فبعد أن كشف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، منتصف الشهر الماضي، عن توجه لبنان لخفض دعم الوقود 600 مليون دولار في عام 2019، توالت المواقف والتصريحات التي توحي بتفاهم بين القوى السياسية على السير بسياسة تقشفية ستزيد بلا شك النقمة الشعبية المتعاظمة، التي أدّت أخيراً لخروج عشرات المواطنين في مظاهرات احتجاجية.
ويُدرك وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري تماماً أن التدابير التي ستُتخذ فور تشكيل الحكومة الجديدة لن تحظى بترحيب شعبي، لكنه يشدد على أن لبنان يرزح تحت واقع اقتصادي صعب نتيجة تراكمات 25 عاماً، ويتوجب أن نتكيف مع الإجراءات الجديدة التي ستتخذ لمنع انفجاره، مذكراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن لبنان بلد مدين وغير منتج بشكل عام، وبالتالي الحلول المقترحة لن تكون مريحة، وهي بمعظمها تلحظ التقشف على قاعدة «على قد بساطك مد اجريك»، وهو مثل لبناني يعني أنه يتوجب تحقيق توازن معين بين المدخول والمصروف.
ويشير خوري إلى وجوب أن تتركز أي خطة اقتصادية مقبلة على 3 قطاعات: أولاً، وقف التوظيفات في القطاع العام ومحاولة التخفيف من عدد الموظفين الموجودين ومن رواتبهم. ثانياً، زيادة الرسوم الجمركية على كل البضائع المستوردة، باعتبار أننا نستورد ما قيمته 18 مليار دولار ولا نصدّر إلا نحو مليارين، وبالتالي إذا رفعنا الرسوم نكون قد شجعنا الصناعة المحلية واستهلاك البضائع المنتجة داخل لبنان وفي الوقت عينه خففنا العجز بما يصب لمصلحة الاقتصاد وخزينة الدولة. ويضيف: «كما أن القطاع الأهم الذي يتوجب أن تلحظه الخطة هو قطاع الكهرباء الذي يؤدي إلى نزف كبير، بحيث يؤدي لخسارتنا ملياري دولار كل سنة».
ويوضح خوري أن زيادة الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة ستطال بلا شك مادة البنزين، لكن انخفاض سعر النفط العالمي سيساعدنا في هذا المجال كي لا يشعر المواطنون بأنهم يتكبدون الكثير من الأعباء، لافتاً إلى أن كل ما سبق يندرج بإطار «إجراءات قصيرة الأمد كي نتمكن من الوقوف مجدداً لكن الحل النهائي يكون بتبني سياسات اقتصادية تلحظ بشكل أساسي زيادة الإنتاج، وخلق جو مناسب للمستثمرين، وإلا نكن كمن ينتهج سياسة لحس المبرد».
ويعتبر الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان أن الإجراءات والخطوات التقشّفية لا بدّ من اللجوء إليها لوضع حد للتدهور الاقتصادي، وأهمها رفع الدعم عن الوقود ووقف التوظيف في القطاع العام، وتطبيق مبدأ المحاسبة، حتى لو اضطرت السلطات المعنية إلى تسريح الموظفين غير المنتجين، وإعادة النظر بكلفة استئجار المباني الرسمية والمؤسسات التابعة لها، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كلّ توصيات «سيدر» و«ماكينزي» تهدف إلى تخفيض نسبة العجز، الأمر الذي لن يحصل إلّا من خلال رفع الإيرادات وعصر النفقات، وبالتالي فإن عصر النفقات يستوجب القيام بإجراءات تقشفية قاسية، وقد لمّح رئيس الحكومة سعد الحريري إلى احتمال رفع الدعم عن الوقود فيما هناك كلام عن احتمال إعادة النظر بسلسلة الرتب والرواتب.
ويوضح أبو سليمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن سياسة زيادة الضرائب لا تدخل ضمن الخطة التقشفية، خصوصاً أنّ التجربة أثبتت أن سياسة زيادة الضرائب التي اعتمدت في موازنة عام 2017 لم تكن مجدية في ظل النمو الخجول للاقتصاد الوطني لأنها أسهمت في أسر الاقتصاد، مشدداً على أن الحل الوحيد لرفع الإيرادات هو من خلال وضع الإصبع على جرح مثلث النزف المتمثل بخدمة الدين العام وعجز مؤسسة «كهرباء لبنان»، وتكلفة الرواتب والتعويضات في القطاع العام.
وقد بدأ الحزب «التقدمي الاشتراكي»، الشهر الماضي، جولة على المسؤولين لإطلاعهم على خطة اقتصادية أعدّها تلحظ أكثر من إجراء تقشفي، إلا أن هذه الإجراءات، بحسب مفوض الإعلام في الحزب، رامي الريس، لا تطال الشرائح الفقيرة، بحيث تلحظ بشكل أساسي خفض رواتب وتعويضات النواب والوزراء، وإلغاء بدلات السفر التي تُخصّص للمسؤولين، وخفض عدد السفارات اللبنانية في الخارج، خصوصاً في الدول التي لا توجد فيها جاليات لبنانية كبيرة، وبناء تجمُّع للوزارات لخفض التكاليف السنوية للإيجارات.
ويشير الريس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن فلسفة الإصلاح المطلوبة يُفترض أن ترتكز أولا على إقفال مزاريب الهدر ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في المناقصات العامة والصفقات الكبرى، قبل مجرد التفكير بفرض المزيد من الضرائب على الفقراء ومحدودي الدخل.
وقال البنك الدولي، في تقريره الاقتصادي، في خريف 2018، إن إطار المخاطر الخاص بلبنان يرتفع «بشكل حاد»، مرجحاً تسجيل ارتفاع تدرّجي على المدى المتوسّط، في مستوى العجز المالي نسبة إلى الناتج المحلّي الإجمالي، في ضوء ارتفاع معدّل خدمة الديون.



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.