احتجاز «الجاسوس» الأميركي في روسيا مرحلة جديدة في حرب الأجهزة

ترشَّحت العلاقات الروسية - الأميركية لمزيد من التعقيدات على خلفية إعلان موسكو اعتقال المواطن الأميركي بول ويلان، واتهامه ممارسة نشاط تجسسي على الأراضي الروسية.
ورأت أوساط أمنية روسية أن «الوضع المتوتر أصلاً في علاقات البلدين شهد دخول عنصر جديد في الحرب السرية للأجهزة الخاصة بين البلدين»، في إشارة إلى أنها المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال مواطن أميركي وتقديمه للمحاكمة، في إطار الكشف عن شبكات التجسس بين البلدين.
وكانت هيئة (وزارة) الأمن الفيدرالي الروسية أعلنت، عشية رأس السنة الميلادية، اعتقال ويلان في موسكو «أثناء تنفيذه لنشاط تجسسي، وتم فتح قضية جنائية ضده». وأفاد بيان أصدره مركز العلاقات العامة في الجهاز الأمني بأن عناصر الأمن الفيدرالي اعتقلوا المواطن الأميركي بعد الكشف عن نشاط شبكة تجسس كان يديرها، وتضمّ، بالإضافة إليه، مواطناً نرويجياً ومواطناً روسياً تم اعتقالهما أيضاً.
وزاد أن الجهات المختصة فتحت قضية جنائية، على أساس بند «التجسس» في قانون العقوبات الجنائية الروسي، مشيرةً إلى مواصلة التحقيقات في القضية.
وبدا من المعطيات التي قدّمتها سلطات التحقيق الروسية أن طرف الخيط الذي أوقع ويلان كان اعترافات المتهم النرويجي فرودي بيرج، الذي اعتقلته موسكو في وقت سابق متلبساً أثناء تسلّمه وثائق تتضمن معلومات سرية تتعلق بالأسطول الحربي الروسي.
وتم في التوقيت ذاته اعتقال الطرف الثالث في الشبكة، وهو المواطن الروسي إليكسي جيتنيوك الذي قام بتسليم الوثائق إلى بيرج، ويواجه حالياً تهمة الخيانة العظمى.
وقال إيليا نوفيكوف، محامي الدفاع عن بيرج، إن المخابرات الروسية أبلغت فريق الدفاع بإنجاز التحقيق، ما يعني أن العناصر الأساسية التي مهّدت لاعتقال «الجاسوس» الأميركي توفّرت لدى الجهات المختصة الروسية. ووفقاً للائحة الاتهام، فإن جيتنيوك تم تجنيده للعمل مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية عبر ويلان، وسعى إلى تسليم واشنطن الوثائق السرية عبر المواطن النرويجي الذي لعب دور الوسيط. اللافت أن أوساطاً أمنية روسية أشارت إلى أن التطور حمل بعداً «خطراً وجديداً»، ستكون له تأثيرات سلبية إضافية على العلاقات الروسية - الأميركية المتدهورة أصلاً.
وأوضح اللواء المتقاعد في المخابرات الروسية ألكسندر ميخائيلوف، وهو حالياً عضو في مجلس السياسة الخارجية والدفاع، أن «العادة جرت سابقاً بالقبض على عملاء الاستخبارات الأجنبية من بين رعايا دول ثالثة أو مواطنين روس، ولكن هذه المرة تم احتجاز مواطن أميركي... كانت عملية في غاية الجدية فعلاً». وأضاف أن قيادة وكالة المخابرات المركزية الأميركية اشتكت في وقت سابق من أن حجم المعلومات الاستخباراتية التي تحصل عليها من عملائها الروس، أخذت تتقلّص كثيرا في الفترة الأخيرة، بسبب تشديد الرقابة الروسية.
ورأى أنه «لذلك، يبدو أن الأميركيين اضطروا للزج بمواطنيهم لتنفيذ هذه المهمات (...) والآن علينا أن ننتظر، كيف ستردّ واشنطن على ذلك. يرجح أن تباشر بالصراخ والعويل حول انتهاكات حقوق مواطنيها».
وزاد ضابط المخابرات السابق، أن الأمن الروسي «لم يكن ليكشف عن هذه العملية بهذا الشكل الصريح لو لم تكن لديه أدلة دامغة جداً، تُثبت ضلوع المواطن الأميركي بالتجسس على الأراضي الروسية».
وأشار إلى أن المواجهة بين الأجهزة الأمنية في الدولتين «لم تتسم قطّ بالطابع العلني والمفتوح بهذه الطريقة التي نشهدها الآن، وكانت تجري بهدوء وبشكل خفي عادة».
في المقابل، رفضت واشنطن الإقرار بصحة الاتهامات الروسية، وطالبت الروس بالإفراج عن مواطنها. وشدّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على «مطالبة السلطات الروسية بالإفراج فوراً عن المواطن المحتجز، وشرح أسباب توقيفه». في حين زار السفير الأميركي في موسكو جون هانتسمان، أول من أمس، ويلان في مركز الاحتجاز.
وقالت المتحدثة باسم البعثة الأميركية في روسيا، أندريا كالان، لوكالة أنباء «إنترفاكس» إن السفير هانتسمان «أعرب عن دعمه للسيد ويلان وعرض عليه مساعدة السفارة»، كما أنه «تحدث هاتفياً مع عائلته».
وقال مصدر في وزارة الخارجية الأميركية لوكالة أنباء «نوفوستي» الرسمية الروسية إن الولايات المتحدة تلقت إشعاراً من الخارجية الروسية باحتجاز المواطن الأميركي في موسكو. من دون تقديم تفاصيل أخرى بحجة مراعاة الخصوصية.
فيما قال ديفيد شقيق بول ويلان، إن أخاه خدم سابقاً في صفوف مشاة البحرية الأميركية، وإنه وصل إلى موسكو بدعوة لحضور حفل زفاف، نافياً صحة الاتهامات الروسية.