حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية تنطلق... إعلامياً

ترمب يرد على مقال رومني بعد أيام من إعلان وارين استعدادها للترشح

صورة أرشيفية لرومني خلال لقاء انتخابي بولاية يوتاه في 9 أكتوبر الماضي (أ.ب)
صورة أرشيفية لرومني خلال لقاء انتخابي بولاية يوتاه في 9 أكتوبر الماضي (أ.ب)
TT

حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية تنطلق... إعلامياً

صورة أرشيفية لرومني خلال لقاء انتخابي بولاية يوتاه في 9 أكتوبر الماضي (أ.ب)
صورة أرشيفية لرومني خلال لقاء انتخابي بولاية يوتاه في 9 أكتوبر الماضي (أ.ب)

عدة أشهر تفصل سياسيي واشنطن عن حملات الانتخابات الرئاسية لعام 2020، إلا أن بعض ملامحها بدأت ترتسم إعلاميا، مع إعلان عضوة مجلس الشيوخ عن ماساتشوستس، إليزابيث وارن، دراستها الترشح عن الحزب الديمقراطي، ونشر السيناتور المنتخب عن ولاية يوتاه ميت رومني، مقالا ينتقد فيه أداء سيد البيت الأبيض.
وشنّ رومني هجوما لاذعا على ترمب، وكتب في مقالة أنه «لم يرق إلى منزلة المنصب»، وأن أفعاله نفّرت حلفاء الولايات المتحدة. وتأتي التصريحات الحادة للمرشح السابق الجمهوري للانتخابات الرئاسية في 2012، في وقت يستعد مع مشرعين آخرين لتولي مقاعدهم في الكونغرس الجديد.
وكتب رومني في مقالة نشرتها صحيفة «واشنطن بوست»: «مع أمة منقسمة بهذا الحد، مستاءة وغاضبة، لا غنى عن رئيس يتحلى بصفات قيادية». وأضاف: «وفي هذا المجال خاصة، يتجلى النقص لدى شاغل المنصب». واعتبر أن أفعال ترمب تسببت «في استياء في أنحاء العالم»، ونفّرت حلفاء تقليديين في أوروبا. ويبدو من تصريحاته أن رومني انضمّ إلى جيف فليك، السيناتور المنتهية ولايته الذي كان من أشد الأصوات المنتقدة لترمب.
ورد الرئيس الجمهوري في الصباح التالي بتغريدة منضبطة نسبيا. وكتب ترمب: «ها نحن ننطلق مع ميت رومني، ولكن بسرعة كبيرة! السؤال المطروح، هل هو فليك؟ آمل عكس ذلك». وأضاف: «أفضّل أن يركز ميت على أمن الحدود وأمور كثيرة يمكن أن يقدم المساعدة فيها. حققت فوزا كبيرا، وهو لم يفز. يتعين عليه أن يكون سعيدا لجميع الجمهوريين. كن ضمن الفريق وسجل الفوز».
وشهدت علاقات الرجلين تقلبا لسنوات. ووصف رومني الرئيس ترمب في 2016 بالمحتال والزائف. لكنه في العام الماضي، شكر ترمب على دعمه له في ترشحه للفوز بمقعد في مجلس الشيوخ عن يوتاه. وفي المقال، يذكر رومني أنه لم يدعم ترمب بصفته مرشحا للحزب الجمهوري في 2016.
وقال إنه كان يأمل في أن تمتنع حملة ترمب عن توجيه الإهانات، لكنّها لم تفعل. وقال إنه تشجع في البدء عندما أدخل ترمب في حكومته شخصيات مثل جيمس ماتيس وزيرا للدفاع، وجون كيلي كبير موظفي البيت الأبيض. وأضاف: «لكن (...) سلوكه كان في السنتين الماضيتين وخصوصا أفعاله هذا الشهر، دليلا على أن الرئيس لم يرق إلى منزلة المنصب». وأثارت تعليقاته تلميحات على الإنترنت بأنه يفكر على ما يبدو في الترشح ضد ترمب للفوز بترشيح الحزب لانتخابات 2020. وقال رومني الشهر الماضي، عندما أعلن ترمب فجأة أنه سيسحب القوات الأميركية من سوريا واستقال ماتيس احتجاجا على ذلك، إنه قلق بشكل خاص. وكتب أن «رئاسة ترمب سجلت انحدارا كبيرا في ديسمبر (كانون الأول)». وقال رومني إنه سيتعامل مع ترمب كما يتعامل مع أي رئيس، إن كان من حزبه أو من خارجه.
وكتب: «لا أعتزم التعليق على كل تغريدة أو خطأ، لكن سأرفع صوتي ضد تصريحات أو أفعال مهمة تثير انقساما أو عنصرية أو تمييزا على أساس الجنس أو معادية للهجرة أو غير صادقة أو مدمرة للمؤسسات الديمقراطية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟