ثمانية صراعات ترسم مشهد الإعلام في 2019

ثمانية صراعات ترسم مشهد الإعلام في 2019
TT

ثمانية صراعات ترسم مشهد الإعلام في 2019

ثمانية صراعات ترسم مشهد الإعلام في 2019

لم يشأ عام 2018 أن يمضي من دون أن يترك لنا إشارة موحية إلى مستقبل يريد أن يأتي، ويعرف كيف يأتي، فيما يخص صناعة الإعلام؛ إذ استطاعت وكالة «شينخوا» الصينية، بالتعاون مع شركة «سوغو»، أن تطلق أول مذيع يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) .
لقد ظهر أمامنا مذيع غير بشري قادر على الوفاء بمتطلبات تقديم نشرة الأخبار كافة، في تجربة قابلة للاستدامة والتطوير، ستغير وجه صناعة الإعلام العالمية من جانب، وستفجر صراعاً شرساً بين تقنية الذكاء الاصطناعي والعنصر البشري على الفوز بالمتاح من الوظائف في تلك الصناعة من جانب آخر.
في دراسة لوكالة «رويترز»، ظهر أن نحو 75 في المائة من المنصات الإعلامية الغربية بدأت في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة الإعلام، وهو أمر انتقل إلى العالم العربي سريعاً، حتى شهدنا مؤسسات إعلامية كبيرة في المنطقة تستخدم برامج مثل automated Journalism، وChat Bots، وتطلق روبوتات لتدقيق المعلومات مثل الروبوت «تمارا»، الذي دشنت عمله قناة «العربية».
ثمة ثمانية صراعات تشهدها صناعة الإعلام العالمية راهناً، وهي صراعات سترسم المشهد الجديد لهذه الصناعة، فيما يبدو أن معظمها محسوم النتائج.
فإضافة إلى الصراع بين العنصر البشري ومنتجات الذكاء الاصطناعي، يبرز صراع آخر لا يقل أهمية بين ما يُسمى بـ«التزييف العميق» Deep Fake، وبين آليات التحقق والتثبت من صحة الأخبار.
وببساطة، فإن آليات التزييف تقدمت تقدماً مذهلاً إلى درجة أنه بات بوسع المزورين أن يصطنعوا شريطاً زائفاً يصور، بصوت وصورة مطابقين للحقيقة، شخصاً في موضع لم يذهب إليه إطلاقاً، يقول كلاماً لم ينطق به أبداً. يؤدي ذلك إلى نشوء مخاطر كبيرة على المصداقية، ووظيفة الإخبار، والديمقراطية، والأمن الشخصي والعام؛ لذلك، فقد بادرت وسائل إعلام كبرى إلى بناء آليات مستديمة للتحقق والتثبت من الأخبار والفيديوهات المختلفة، في صراع جديد يؤطر مشهداً تتصاعد مفاجآته وتتعاظم أخطاره.
أما الصراع الثالث الذي يُرسي ملامح المشهد الجديد، فيتعلق باستمرار التنافس على عائدات الإعلان بين الوسائط الجديدة والوسائط التقليدية؛ ووفق «ستاندرد أند بورز غلوبال»، فإن التحول في معدلات المشاهدة والإنفاق الإعلاني يستمر في اتجاه وسائل الإعلام الرقمية، مبتعداً عن المجال التقليدي.
وتتحدد ملامح الصراع الرابع بين موضع «الإعلام الجديد» و«الإعلام التقليدي» في منظومة المعرفة العمومية وتوجيه السلوك، ويبدو أن نتائج هذا الصراع تتجه إلى الحسم لمصلحة الوسيط الأول؛ إذ تتزايد معدلات التعرض لهذا الوسيط تزايداً مطرداً على حساب المؤسسات التي تبث المحتوى بالطرق التقليدية، وهو أمر سيكون مناط تحول جوهري في آليات الاتصال الخاصة بالمؤسسات العامة والخاصة ومراكز التأثير.
ويبرز الصراع الخامس بين فكرتين أساسيتين في التخطيط لمستقبل المؤسسات الإعلامية وأساليب تشغيلها؛ وهو صراع يتعلق بسوية الإنتاج وأهدافه، إذ سيتحتم على قادة تلك المؤسسات الاختيار بين مفهومين رئيسيين حيال السوق: التمركز أم الربح العاجل؟
يبدو أن معظم المؤسسات الكبرى ستتجه إلى تغليب فكرة التمركز؛ أي احتلال مكانة متقدمة في أرقام التعرض على حساب جني العوائد السريعة، وهو أمر سيضر بمراكز المؤسسات الصغيرة محدودة الموارد، وقد يطردها من المنافسة، لمصلحة المستثمرين الكبار، القادرين على تحمل نفقات التشغيل لسنوات عدة، قبل التمكن من تحصيل الأرباح.
ويتعلق الصراع السادس بآليات إنتاج المحتوى؛ إذ سيتنافس في هذا المضمار مساران؛ يعتمد الأول على تطوير محتوى جذاب وذكي بواسطة محترفين، فيما يختص الثاني بالاعتماد على المستخدمين في إنتاج المحتوى، وهو أمر سيرفد مؤسسات التوزيع بمنتج يتسم بالطزاجة والإبداع والقوالب المبتكرة المتنوعة بإنفاق محدود.
أما الصراع السابع فسينشأ بين فكرتي المحتوى الحصري والمحتوى الموزع عبر الوسائط المتعددة والتطبيقات المختلفة. وستكون كل مؤسسة إعلامية كبرى مضطرة في 2019 إلى الإجابة عن التساؤل: هل أوزع المحتوى الذي أنتجه عبر وسطاء آخرين، أم أوزعه بنفسي حصرياً عبر منصاتي الخاصة؟ يبدو أن كثيراً من المؤسسات ستتجه الوجهة ذاتها التي ذهبت إليها «ديزني»، التي أعلنت اعتزامها إنهاء اتفاقها مع «نيتفلكس» في العام المقبل كموزع لأعمالها، لتعتمد على منصاتها الخاصة في ذلك، تكريساً لمبدأ الحصرية.
وبعدما حسم عام 2018 نتيجة الصراع بين وسائط الإعلام الجديدة وتلك التقليدية فيما يخص آليات التواصل الحكومي لمصلحة الأولى، سيشهد عام 2019 صراعاً ثامناً بين النسقين المتنازعين على احتكار جل آليات الاتصال لمنظمات الأعمال والمؤسسات غير الحكومية التي لا تهدف إلى الربح.
ويبدو أن ذلك صراع محسوم النتائج بالضرورة أيضاً؛ إذ تفيد المؤشرات الموثوقة بزيادة كبيرة في درجة اعتماد ذلك النوع من المنظمات على الوسائط الجديدة بدرجة لافتة، لتصبح مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات المتعددة آلية الاتصال المحبذة لدى المديرين التنفيذيين وصناع القرار في المنظمات غير الحكومية.
ستغير نتائج هذا الصراع بدرجة كبيرة آليات بناء السمعة، وتطوير الصورة الذهنية، والتواصل مع الجمهور، وسترسي أنماط تواصل جديدة ومبتكرة.
لطالما كانت العقبة الكبيرة أمام مستقبل صناعة الإعلام تتمحور حول نزاعات متأججة مع الماضي بآلياته وقواعده وقدرته على التشبث بعادات التلقي الراسخة وتسخيرها لصالحه، لكن التطورات الجديدة المتسارعة في هذا المجال لم تترك لهذا الماضي ما يستر ضعفه ويُصلّب قدرته على المقاومة. تلك صراعات ما زالت تدور رحاها، لكن نتائجها تبدو محسومة لصالح هذا الجديد، الذي يطل على العام المقبل بثقة واقتدار لا يتركان مجالاً لقديم ينسحب رويداً رويداً... وبلا عزاء.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».