الكونغو قد تشهد أول انتقال سلمي للسلطة

الناخبون ينتظرون للتصويت في مركز اقتراع بمنطقة إنجيلي الشهيرة في العاصمة كينشاسا (أ.ف.ب)
الناخبون ينتظرون للتصويت في مركز اقتراع بمنطقة إنجيلي الشهيرة في العاصمة كينشاسا (أ.ف.ب)
TT

الكونغو قد تشهد أول انتقال سلمي للسلطة

الناخبون ينتظرون للتصويت في مركز اقتراع بمنطقة إنجيلي الشهيرة في العاصمة كينشاسا (أ.ف.ب)
الناخبون ينتظرون للتصويت في مركز اقتراع بمنطقة إنجيلي الشهيرة في العاصمة كينشاسا (أ.ف.ب)

فتحت مراكز الاقتراع أبوابها في جمهورية الكونغو الديمقراطية في إطار استحقاق رئاسي أُجل ثلاث مرات، من أجل انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفاً للرئيس السابق جوزيف كابيلا.
وترافق هذه الانتخابات الرئاسية أخرى تشريعية ومحلية. ولم تشهد جمهورية الكونغو الديمقراطية أي انتقال سلمي للسلطة في تاريخها. فيما فتحت بعض مراكز الاقتراع أبوابها بتأخير يُعزى لمشكلات في آلات التصويت التي نددت بها المعارضة واعتبرتها آلات تزوير.
وبدأت في شرق الجمهورية اليوم (الأحد) بعد الساعة الرابعة بتوقيت غرينتش، انتخابات محفوفة بالمخاطر أُجلت ثلاث مرات لاختيار خلف للرئيس جوزيف كابيلا.
وفي مراكز الاقتراع الأخرى، كان الموظفون الانتخابيون يواصلون الكشف على آلات التصويت التي قررت المفوضية استخدامها، والتي تسمح للناخبين باختيار مرشحيهم على الشاشة وطباعة بطاقات التصويت قبل وضعها في الصناديق.
وكان رئيس المفوضية الوطنية المستقلة للانتخابات قد أكد مساء الجمعة أن الانتخابات الرئاسية ستُجرى اليوم، وذلك إثر اجتماع مع المرشحين الرئيسيين الثلاثة ومراقبين أفارقة.
ومن المقرر أن تُعلن نتائج الاقتراع الرئاسي في 15 يناير (كانون الثاني)، ليؤدي الرئيس الجديد اليمين الدستورية في 18 منه، حسبما قالت مفوضية الانتخابات.
ويأتي إجراء هذه الانتخابات بعد تأخيرها سنتين وإرجائها ثلاث مرات. وبدأت عمليات التصويت في عاصمة المناجم كما في كل مناطق شرق البلاد اعتبارا من الساعة 6:00 (4:00 ت.غ).
وبعد ساعة (5:00 ت.غ) بدأ الاقتراع في الغرب وفي كينشاسا، عاصمة أكبر بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، نظرا لاختلاف المنطقة الزمنية.
وفتحت بعض مراكز الاقتراع في وقت متأخر في غوما ومناطق أخرى، وذلك في غالب الأحيان بسبب مشكلات متعلقة بـ«آلات التصويت» مثل القيام بعمليات كشف أخيرة وإدخال كلمات السر وإرشاد الناخبين إلى كيفية استخدامها.
وتقدم 21 مرشحا، معظمهم لم يخوضوا حتى حملة انتخابية، لهذا الاقتراع الذي يجري بدورة واحدة، وينطوي على رهان تاريخي، هو اختيار خلف لكابيلا في أول انتقال سلمي للسلطة يعرفه هذا البلد.
وتخلى كابيلا عن المطالبة بالقوة بولاية ثالثة يحظرها الدستور، لكن قراره جاء متأخراً، بعدما أُجلت الانتخابات ثلاث مرات منذ انتهاء ولايته الثانية قبل عامين في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
وفي كينشاسا، كان كابيلا والمرشح المدعوم منه وزير الداخلية السابق إيمانويل رمضاني شداري، من أوائل الذين أدلوا بأصواتهم صباحاً في مركز اقتراع في حي «لا غومب» الراقي، فصوت الرئيس مع زوجته وابنته وتبعه بعد لحظات مرشح الجبهة المشتركة للكونغو (الائتلاف الحاكم).
ومن المتوقع أن يصوت أحد أبرز مرشحي المعارضة مارتن فايولو في المركز ذاته، فيما يدلي مرشح المعارضة البارز الثاني فيليكس تشيسيكيدي بصوته لاحقا خلال النهار.
وتستقبل مراكز الاقتراع الناخبين حتى الساعة 17:00 (15:00 ت.غ في شرق البلاد) و(16:00 ت.غ في كينشاسا)، على أن تعلن النتائج المؤقتة في 6 يناير، وستليها حتما شكاوى ترفع إلى المحكمة الدستورية.
وتتوقع استطلاعات الرأي هزيمة مرشح الرئيس وفوز فايولو.
وتجري انتخابات تشريعية ومحلية بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية.
ورفضت كينشاسا أي مساعدة لوجيستية من الأمم المتحدة المنتشرة منذ عشرين عاماً في الكونغو، كما رفضت أي بعثة مراقبين غربية في هذه الانتخابات.
وغادر ممثل الاتحاد الأوروبي في الكونغو الديمقراطية مساء أمس (السبت)، بعدما أمرته السلطات الخميس بالرحيل.
واستعداداً ليوم الانتخابات، أعلنت السلطة إغلاق حدودها البرية والبحرية والنهرية مع الدول التسع المجاورة لها، من الكونغو برازافيل إلى أنغولا مرورا برواندا.
في المقابل، لم يتم قطع الإنترنت صباح اليوم، خلافاً لما يجري عادة في الأيام التي تشهد توتراً قوياً.
وتخللت الحملة أعمال عنف أوقعت نحو عشرة قتلى بحسب جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهو ما تنفيه السلطات.
ورفض مرشحا المعارضة مساء السبت التوقيع على وثيقة تهدف إلى منع أعمال العنف بعد الانتخابات، وُضِعت بوساطة المراقبين الأفارقة.
والكونغو الديمقراطية من الدول الأكثر اضطراباً في القارة الأفريقية، إذ لا تزال مئات المجموعات المسلحة تنشط في شرقها.
ويعاني هذا البلد من التجاوزات بحق المدنيين بدءاً بالنساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب. ويتولى الطبيب دينيس موكويغي الحائز جائزة نوبل للسلام 2018 معالجة كثير منهن في عيادته.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.