هدوء حذر في الخرطوم... واستعدادات لاحتجاجات ليلة الاستقلال

الأمن السوداني يواصل اعتقال القادة السياسيين والصحافيين والنشطاء... وغوتيريش يدعو إلى التحقيق في مقتل متظاهرين

احتجاجات في الخرطوم خلال الأيام الماضية (رويترز)
احتجاجات في الخرطوم خلال الأيام الماضية (رويترز)
TT

هدوء حذر في الخرطوم... واستعدادات لاحتجاجات ليلة الاستقلال

احتجاجات في الخرطوم خلال الأيام الماضية (رويترز)
احتجاجات في الخرطوم خلال الأيام الماضية (رويترز)

شهدت العاصمة السودانية، الخرطوم، يوماً هادئاً نسبياً، خلا من احتجاجات ومظاهرات كبيرة، بيد أنها حافظت على صورتها التي اكتسبتها في أثناء الاحتجاجات كـ«ثكنة عسكرية»، بالانتشار الكثيف للقوات الأمنية، والاعتقالات الواسعة لقادة المعارضة والنشطاء السياسيين والصحافيين وقادة الاحتجاجات.
كما تواصَل إضراب الأطباء والصيادلة، في الوقت الذي أعلن فيه المحامون الدخول في إضراب مفتوح غداً بالتزامن مع مظاهرة متوقعة للمطالبة برحيل الرئيس عمر البشير، ينظمها «تجمع المهنيين السودانيين»، عشية الاحتفال بعيد استقلال السودان، الذي يصادف الأول من يناير (كانون الثاني) من كل عام.
ويواصل «تجمع المهنيين السودانيين» الاستعدادات للموكب الثاني الذي دعا إليه المواطنون غداً (الاثنين)، للمطالبة برحيل النظام، وذلك بعد ثلاثة أيام من نجاح الموكب الأول الذي نُظِّم الثلاثاء الماضي.
وقال د. محمد ناجي الأصم، عضو سكرتارية التجمع، إن الاستعدادات تجري على قدم وساق للموكب والمظاهرات التي من المقرر أن تنطلق من «ميدان القندول» وسط السوق العربية، وتتجه إلى القصر الرئاسي للمطالبة بتنحي حكومة ونظام الرئيس عمر البشير.
وتوقع الأصم أن يوجه موكب الاثنين لطمة قوية إلى حكومة الرئيس البشير، سيما وأن إضرابَي الأطباء والصيادلة لا يزالان متواصلين، فيما سيعلن المحامون الدخول في إضراب مفتوح بالتزامن مع الموكب.
وتأتي دعوة تجمع المهنيين في أعقاب المظاهرات التي نظمها الثلاثاء الماضي، وسط الخرطوم وعدد من الولايات، ووجدت استجابة شعبية لافتة، وشارك فيها آلاف السودانيين، منددين بالأوضاع السياسية والاقتصادية، مطالبين بتنحي الرئيس البشير، واضطرت السلطات لمواجهتها بحشد قوات أمنية وعسكرية غير مسبوقة، واستخدمت الغاز المسيل للدموع والعصيّ والرصاص الحي لتفريق المتظاهرين.
وحسب بيان من التجمع صدر مساء الجمعة، فإن الثورة التي أطلقتها جماهير الشعب وجّهت ضربات متتالية إلى النظام جعلته يترنح قبل أن تكمل أسبوعها الثاني، وأن الشعب اقترب بخطوات كبيرة من هدفه في إسقاط النظام، والوصول إلى مرحلة التحول الديمقراطي.
وذكر البيان: «مرة أخرى سنخرج للشوارع في الخرطوم يوم الاثنين 31 ديسمبر (كانون الأول)، الساعة الواحدة ظهراً، ونحن نستقبل ليلة الاحتفال بالذكرى 63 للاستقلال المجيد». واعتبر البيان المظاهرة المزمعة «جولة أخرى نؤكد فيها مطلبنا الآنيّ الذي لا يقبل التراجع بتنحي البشير وزوال نظامه الغاصب».
وأعلنت قوى المعارضة السياسية بكل تنظيماتها وأحزابها، ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء، المشاركة في الموكب، وتنظيم مظاهرات في أنحاء البلاد المختلفة، حسب التقديرات الشعبية وقتها.
من جهة أخرى، شنت الأجهزة الأمنية حملة واسعة من الاعتقالات طالت القادة السياسيين، ونشطاء المجتمع المدني والصحافيين، وألقت ليل الجمعة القبض على المعارض البارز رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، وعدد آخر من كوادر الأحزاب السياسية المعارضة.
وحسب بيان صادر عن الحزب، فإن قوة من جهاز الأمن اقتادت الدقير من منزله مساء الجمعة إلى مكان مجهول، واصفاً اعتقال زعيمه بأنه أتى في «في إطار حملة أمنية تشنها سلطات النظام القمعية على حزب المؤتمر السوداني وقوى المعارضة السودانية لصد المد الجماهيري المتصاعد».
وقالت صحيفة «سودان تريبيون»، إن المعارض البارز اعتُقل بعد ساعات قليلة من تصريحات خصّها بها، دعا فيها قواعد الحزب والسودانيين كافة لمواصلة التظاهر والاحتجاج حتى سقوط نظام الحكم.
وذكر بيان صادر عن «لجنة من منظمات المجتمع المدني» أن السلطات الأمنية ألقت القبض على 9 من قادة المعارضة والناشطين، بعد أن داهمت اجتماعهم، ومن بينهم القيادي الشيوعي صديق يوسف، وقياديون في حزبي البعث والناصري، إضافة إلى احتجاز صحافيين لساعات بينهم مراسل «الشرق الأوسط» في الخرطوم في أثناء تغطيتهم لمظاهرة بمدينة أم درمان.
من جهة أخرى، اتهم مسؤول بارز في الحزب الحاكم «قوى غربية ودول الاستكبار» باستهداف السودان، ونقلت وكالة الأنباء الرسمية «سونا» عن آدم جماع آدم رئيس المؤتمر الوطني في ولاية كسلا شرقي البلاد، الذي يشغل في ذات الوقت منصب والي الولاية، قوله إن البلاد تتعرض لاستهداف مستمر من قبل القوى الغربية ودول الاستكبار، وإن الاستهداف لن يثني السودان عمّا أطلق عليه «المشروع الحضاري، والتمسك بكتاب الله والسنة».
وذكر المسؤول الحزبي في أثناء مشاركة في «ليلة الدعاء والتضرع» التي نظّمتها خلوات تحفيظ القرآن، لـ«نصرة البلاد وحمايتها من الفتن»، أن التضرع يأتي في ظل ظروف قاسية تعيشها البلاد، وأن الثقة بالله كبيرة أن ينصر البلاد بأهل القرآن، وقال: «(الإنقاذ) منذ مجيئها تم نصرها ووجدت المؤازرة من أهل الدين»، وأضاف: «إن ليلة التضرع تجسيد للماضي وأهل الله وإحياء الذكر والسنة».
وأقر جماع بالأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وقال: «إننا ندرك أن المواطن يجد صعوبة ويكابد الحياة ليعيشها، وهي ابتلاءات تحتاج إلى الصبر والتضرع لرفعها».
من جهته، سخر رئيس حركة جيش تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، من اتهامات وجهتها أجهزة الأمن السودانية إلى حركته، بتنظيم عمليات تخريبية في أثناء الاحتجاجات، ووصفها بأنها «محاولات لخداع الشعب السوداني»، وقطع بأن حركته ستطبِّع علاقات السودان مع إسرائيل حال وصولها إلى السلطة في البلاد.
وقال نور الذي تحاول الحكومة تحميله مسؤولية أحداث العنف، في بثٍّ مباشر على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أمس، إن الشعب السوداني «تفتيحة (ذكي) ولن يغشه أصحاب الكرافتات». ونفى تلقيه أي دعم من إسرائيل، وتابع: «لو كانت الحكومة الإسرائيلية تدعمني، نظام الإنقاذ لن يأخذ يومين»، بيد أنه أكد أن حركته ستطبِّع علاقات البلاد مع إسرائيل إذا وصلت للسلطة.
وكانت الخرطوم قد أعلنت الجمعة أن أجهزة الأمن ضبطت «خلية» بضاحية الدروشاب شمالي الخرطوم، يتبع أفرادها لعبد الواحد محمد نور، وبحوزتها أسلحة وذخائر وأسلحة بيضاء، ومخططات لاستهداف ونهب محال تجارية في الخرطوم، وذلك بعد أيام قلائل من اتهام رئيس جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبد الله «قوش» لمجموعة تتكون من 280 من أنصار نور، قال إنهم تدربوا على يد «الموساد»، وتسللوا إلى السودان ومارسوا عمليات حرق وتخريب خلال الاحتجاجات في عدد من مدن السودان.
بيد أن المحتجين والمعارضين ونشطاء المجتمع المدني، اعتبروا الاتهامات الموجّهة إلى حركة نور، تبريرات «فطيرة» للعنف الذي مارسته عناصر الأمن ضد المحتجين السلميين، واعتبرتها «استهدافاً» لأبناء إقليم دارفور، سيما وأن معظم من أُلقي عليهم القبض يتحدرون من الإقليم الذي ظل يحارب حكومة الخرطوم منذ عام 2003.
وجدد نور تأكيد قوة حركته في طرح قضيتها، متهماً الخرطوم بإجراء «حوار سرِّي مع إسرائيل» طلبت فيه دعمها، مشيراً إلى أن زيارته لإسرائيل كان الهدف منها تفقد السودانيين هناك، وهي لا تختلف عن زياراته للسودانيين في مختلف دول اللجوء.
وشدد نور على أهمية وحدة الشعب السوداني وتوحده، من أجل إسقاط نظام الحكم، وتكوين حكومة انتقالية تقرِّب المسافات بين أبناء البلاد، الذين عمل النظام الحالي على بث الفرقة بينهم.
من جهته دعا الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، السلطات السودانيّة إلى التحقيق في مقتل أشخاص سقطوا خلال المظاهرات. وقال متحدّث باسم الأمم المتّحدة، في بيان، إنّ غوتيريش «يدعو إلى الهدوء وضبط النفس ويطلب من السلطات إجراء تحقيق شامل حول القتلى والعنف». وأضاف البيان أنّ الأمين العام للأمم المتّحدة «يتابع بقلق» التطوّرات في السودان و«يشدّد على ضرورة ضمان حرّية التعبير والتجمع السلمي».
وأعلنت السلطات السودانيّة، الخميس، أنّ 19 شخصاً قُتلوا، بينهم اثنان من قوّات الأمن، في أثناء الاحتجاجات على رفع سعر الخبز، في وقت قالت منظّمة العفو الدولية إنّ 37 متظاهراً قُتلوا.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».