وسط موجة الهبوط العالمي... أين تستثمر في 2019؟

الخبراء ينصحون بـ«الصبر» على الأسهم و«النظر» إلى الأسواق الناشئة

يرى أغلب المراقبين أن دورة صعود الأسواق العالمية التي استمرت لنحو 30 عاماً قد انتهت (أ. ب)
يرى أغلب المراقبين أن دورة صعود الأسواق العالمية التي استمرت لنحو 30 عاماً قد انتهت (أ. ب)
TT

وسط موجة الهبوط العالمي... أين تستثمر في 2019؟

يرى أغلب المراقبين أن دورة صعود الأسواق العالمية التي استمرت لنحو 30 عاماً قد انتهت (أ. ب)
يرى أغلب المراقبين أن دورة صعود الأسواق العالمية التي استمرت لنحو 30 عاماً قد انتهت (أ. ب)

ينتهي عام 2018 وسط ظروف ضاغطة لكل الأسواق الرئيسية في العالم، وبعد بداية مشرقة، جاء الربع الأخير لتتكاثف فيه كل المخاوف والمخاطر، ما أدى إلى هبوط واسع بالأسواق... ومع اتفاق الخبراء أن ظروف السوق ستكون أصعب مع مطلع العام الجديد، ما سينعكس على سلوك المستثمرين في 2019 يتوقع الخبراء أن يواجه المستثمرون معضلة حقيقية العام المقبل.
وعادت التقلبات مع حدوث ضجة في الربع الأخير من هذا العام، حيث دخلت الكثير من المناطق المختلفة في الأسواق العالمية «منطقة التصحيح» بانخفاض يلامس 20 في المائة، وعادة ما ينظر المستثمرون الأكثر تفاؤلا إلى أن هذا الانخفاض يعتبر «فرصة شراء محتملة». لكن مع تزايد الغموض السياسي والاقتصادي على جانبي المحيط الأطلسي، يجب عليهم أن يوازنوا خوفهم من فوات الفرص بما يعرف بـ«FOMO»، مقابل خوفهم من خسارة المال بما يعرف بـ«FOLM».
وقبل اثني عشر شهرا، لاحظ المستثمرون «فجأة» التغير الكبير الذي طرأ على أسواق السندات، حيث تحول التيسير الكمي إلى «تشديد كمي»، ووصف المحللون عام 2018 بأنه نهاية «دورة صاعدة» دامت لمدة 30 عاما.
وخلال العامين الماضيين، انتابت الأسواق بعض المخاوف، بدأت في 2016 بعد التصويت على الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي وفوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمقعد الرئاسة الأميركي، وتملك الخوف من الاقتصاديين والمستثمرين من عام 2017 إلا أنه تبين أنه عام رائع بالنسبة للاقتصاد العالمي.
وفي نهاية عام 2017، كان الجميع متفائلا بحلول 2018 لكنه كان عاما مخيبا للآمال إلى حد كبير بانقلاب الصورة في كل مكان، باستثناء الولايات المتحدة التي شهدت تحسنا في بعض المؤشرات الداخلية.
والآن، يخشى عدد أكبر من الاقتصاديين والمستثمرين من عام 2019 بعد توقعات باتجاه العالم نحو الركود، في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي خاصة في ظل انعكاس منحنى العائد، الذي يعد «أداة ذات مصداقية لدى الاقتصاديين للتنبؤ بالركود».
التساؤل الذي يتبادر في أذهان المستثمرين الآن، هل الانخفاض عبارة عن «موجات تصحيح»، أم سيثبت أن المتشائمين على حق بأن نبدأ العام بأسواق هابطة العام المقبل؟
وإذا كانت فعليا موجات تصحيحية، فإن هناك نقاطا معينة يمكن استهدافها في الأسواق الأميركية والأوروبية والأسواق الناشئة لمحاولة «الشراء العكسي»، أي الشراء مع نزول الأسهم أملا في المكسب عند معاودة الأسعار للارتفاع، لكن منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لم نر معاودة للارتفاع، ولم ينجح ما يعرف بـ«شراء الانخفاض»... وهو الأمر الذي يرجح استمرارية الانخفاض والتدهور في الأسواق العالمية في ظل المشكلات الجيوسياسية الراهنة.
- تشاؤم وتفاؤل
وقام بنك «مورغان ستانلي» في مذكرة نهاية أكتوبر بتعديل توقعاته إلى «سلبي» لـ21 فئة من فئات الأصول في جميع أنحاء العالم لهذا العام بالقيمية الحقيقية، وهو الأمر الذي لم نعهده في السوق العالمية منذ سبعينيات القرن العشرين، وهو دليل آخر على أن التشديد الكمي كان تغييرا كبيرا بالنسبة لكثير من المستثمرين.
وبينما تستعر مخاوف المستثمرين، يرى الملياردير الشهير وارن بافيت أن «هذه الأوقات مثالية وهي الأفضل؛ كي يكون المستثمر هادئاً... وعليه التمسك بأساسيات التداول (أي شراء السهم والاحتفاظ به لفترة طويلة)».
وبنى بافيت سمعته الأسطورية عبر شراء الأسهم الهابطة. واقترح منذ أيام على المستثمرين في أوقات التقلبات والمبيعات المكثفة في «وول ستريت»، ضرورة قراءة قصيدة شعرية يرجع تاريخها للقرن التاسع عشر، وسرد أبياتاً منها تقول: «لو أمكنك الحفاظ على رأسك في الوقت الذي يخسرها الآخرون... لو أمكنك الانتظار دون كلل... لو أمكنك التفكير دون أن تجعل هذه الأفكار هدفاً... لو أمكنك الثقة بنفسك عندما يشك بك الآخرون... إذن ستكون الأرض وكل شيء تحت قدميك».
وأشار بافيت إلى أنه استخدم هذه الأبيات الشعرية في خطاب لمساهمي «بركشاير هاثاواي» عام 2017، ناصحاً إياهم بعدم الهلع عندما تشهد السوق تقلبات عنيفة.
ويرى المحللون بريقا من التفاؤل مع عودة «المعدل العائد المرجعي النقدي MWRR»، وهو مقياس لأداء أصل أو محفظة أصول، ويساوي معدل العائد الداخلي IRR مستويات جيدة... كما ظهر في استطلاع لـ«الشرق الأوسط» لمديري الاستثمار في الشركات الأوروبية أن بعض المستثمرين حصلوا على أعلى وزن نقدي على الإطلاق خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وقالت مارينا باكستون، المحللة في بنك «ستاندرد تشارترد»، لـ«الشرق الأوسط»: «قبل عام كان كل شيء باهظ الثمن، الآن كل شيء مخيف جدا».
ويجادل محللون أن ما تشهده الأسواق هو نهاية الدورة الصاعدة، معللين ذلك بأنه تباطؤ جزء من النمو السريع الذي شهدته الأصول، فيما يأمل المستثمرون في فرصة أخرى لشراء الانخفاض، وهو ما يتوقعه المحللون في ظل التباطؤ الذي شهده الاقتصاد الأميركي. وشهدت صناعة السيارات سلسلة من خيبات الأمل هذا العام، وهو دليل قوي لبعض المحللين المتشائمين، مؤكدين على حالة القلق من عدم اليقين بشأن العلاقات الصينية الأميركية المتغيرة.
ولكن تظل السوق الأميركية الأقل تضررا بما يحصل في العالم، خاصة في ظل تباطؤ النمو في أوروبا من 2.0 في المائة المتوقعة هذا العام، إلى 1.8 في المائة في 2019. وتواجه الأسواق الناشئة صعوبات إدارة الديون التي أصبحت أكثر إرهاقا بسبب ارتفاع الأسعار والعملات المتقلبة، ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد الصين بنسبة 6 في المائة، ولكن هذا يعد أقل من معدل عشر سنوات البالغ 10 في المائة.
فيما يرى بعض المحللين فرصا جيدة في السوق الأوروبية، على سبيل المثال شركة النفط الفرنسية توتال التي تتداول في بورصة نيويورك، وينصح هوارد لينهان خبير أسواق المال في مجموعة «صن» الأميركية في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بألا يتخلى المستثمرون عن مخزوناتهم في الأسواق الناشئة، مدللا بسوقي البرازيل والهند.
ولا يزال هناك موقف إيجابي من معدلات الاستثمار في الأسهم العالمية، خاصة مع استمرار ارتفاع أرباح الشركات مع المحافظة على تقييم معتدل بشأن عوائد السندات العالمية، خاصة بالمقارنة مع معدلات الدخل الثابت قصير الأجل في الولايات المتحدة، ومن الواضح أن هناك مخاطر سلبية واضحة على الاقتصاد العالمي في 2019.
- أميركا... ربحية مضمونة رغم التراجعات
ويتوقع المحللون المزيد من الهبوط «الناعم» في الولايات المتحدة، معللين ذلك بـ«نمو وقتي» فائق السرعة خلال عام 2018 بسبب قرارات الرئيس دونالد ترمب، ومنها على سبيل المثال التخفيضات الضريبية للشركات وحوافز الاستثمار، وهي عوامل «غير متكررة».
ويشير الخبراء إلى أن بداية انعكاس ذلك الهبوط الناعم ظهرت في تراجع أسواق السندات، ووصول الأرباح إلى ذروتها رغم نموها المستمر، والذي لم يكن بنفس المعدلات السابقة: «إلا أن هناك نموا يذكر»، حسبما توضح الأرقام.
وتشكل إصدارات سندات فئة BBB الآن نصف سوق السندات الاستثمارية، ونتج الكثير منها كنتيجة مباشرة لطفرة الاندماج والاستحواذ على مدار الثلاثة أعوام الماضية، فيما وعدت الشركات المصدرة بتحسين ميزانيتها العمومية خلال الفترة 12 إلى 18 شهرا القادمة. لكن إذا بدأ الاقتصاد العالمي في التباطؤ فإن الضغط سيكون «كبيرا» مع بدء تخفيض تصنيف السندات للشركات، ومن المتوقع أن تبدأ تلك الدورة شركة «جنرال إلكتريك».
ولا تزال الخلفية المالية في الوقت الراهن راجحة نحو الاستثمار بالأسهم، فمن المتوقع أن ترتفع أرباح الشركات في الولايات المتحدة حتى وإن لم تكن كما كانت من قبل؛ لكنها ستظل ترتفع.
وقال محلل الأسواق الأميركي ديفيد جوي إن «البيئة الاقتصادية والاستثمارية تتمتع بصحة جدية، لكنها أصبحت أقل ملاءمة». وأكد جوي لـ«الشرق الأوسط» أن مكاسب الأسهم في العام المقبل ستكون معتدلة، مع زيادة التقلبات بسبب حالة عدم اليقين.
ويتوقع المحللون أن يصل مؤشر «ستاندرد آند بورز» إلى مستوى ما بين 2950 و3000 نقطة العام المقبل، والذي من شأنه أن يحقق عائدا إجماليا بما في ذلك أرباح الأسهم بنحو 8 في المائة، وأن يصل مؤشر «داو جونز» الصناعي إلى مستوى 27800 نقطة.
ومن المتوقع أن تحقق الشركات مكاسب بنسبة 20 في المائة خلال العام الحالي، على أن تستمر في الأرباح وفقا لمعدل نمو الاقتصاد الأميركي بنحو 3.5 في المائة في الربع الثالث على أساس سنوي، وفقا لأحدث تقرير حكومي، ومعدل بطالة عند 3.7 في المائة، وهو المعدل الأدنى منذ عام 1963.
ويتوقع الاقتصاديون تباطؤ الاقتصاد الأميركي من معدل سنوي يبلغ 3.1 في المائة في الربع الرابع من 2018، إلى 2.3 في المائة في الربع الرابع من 2019 بمعدل نمو إجمالي 2.7 في المائة خلال عام 2019 هبوطا من 2.9 في المائة في 2018.
ومن المتوقع أن يتباطأ نمو أرباح الشركات في «مؤشر ستاندرد آند بورز 500» من 24 في المائة إلى 8.8 في المائة في نفس فترة المقارنة المذكورة سابقا، وفقا لتقديرات المحللين في تعقب معدلات نمو الأرباح.
وتوقع بنك «مورغان ستانلي» أن تتقلص هوامش الأرباح مع ارتفاع تكاليف العمالة وخدمات الدين والتعريفات الجمركية. فيما توقع «بنك أوف أميركا ميريل لينش» أن تنمو الأرباح خلال العام القادم بنحو 6 إلى 7 في المائة، وهو الأمر الذي سيهبط بتقديرات ربحية الأسهم في المؤشر بنحو 170 دولارا، مقارنة بتقديرات سابقة 177 دولارا لكل سهم داخل المؤشر.
وستضع قائمة المخاطر التي تضم التوترات التجارية وارتفاع أسعار الفائدة الاقتصاد وربحية الشركات على المحك، غير أن خطر تعرض الاقتصاد الأميركي لركود واسع بعيد عن إجماع الاقتصاديين في الوقت الراهن، لكن يمكن أن يقترب مع تصاعد وتيرة الحرب التجارية بشكل أكبر من المتوقع.
وتضيف توقعات الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) برفع مرتين للفائدة خلال العام المقبل من الضغط على الأسوق.
- بريطانيا... مخاوف من بريكست سيئ و«حكومة عمالية»
وفي إنجلترا، أجمع الاقتصاديون بأنه لا يمكن التكهن بالمستقبل، لأن الخروج البريطاني دون اتفاق يعد أسوأ سيناريو لبنك إنجلترا (المركزي البريطاني)، وفي الوقت ذاته يبقى الاستفتاء الثاني على الخروج «غير مرجح».
وهناك توقعات بحدوث ركود في المملكة المتحدة، لكن لا يمكن وصفه بالركود العميق، فسوف يعتمد بالأساس على نفقات الأسر البريطانية والشركات خلال العام المقبل.
وعلى سبيل المثال، إذا شدد المستهلكون «الأسر» نفقاتهم مقابل زيادة المدخرات، فإن الركود سيتسع بشدة، وهو ما حدث في المملكة المتحدة سابقا عامي 1992 و2008، لكن هذا لم يظهر بعد - حتى الآن - في أي من التوقعات الحكومية للعام القادم.
وإذا انتهت مفاوضات «بريكست» من دون صفقة، فليس هناك اختيار أمام مارك كارني محافظ بنك إنجلترا إلا رفع أسعار الفائدة.
وبصرف النظر عن البريكست، فإن المملكة المتحدة تواجه مشكلة حقيقية في «الإنتاجية»، فبريطانيا في حالة توظيف كامل مع معدل استثمار منخفض للأعمال، والذي سيستغرق بعض الوقت للارتفاع. وهناك توقعات متفائلة بأن العام المقبل سيشهد تحسنا هامشيا في معدلات الإنتاجية والاستثمار، لكن يظل أقل بكثير من معدلات النمو الاقتصادي التي اعتادت عليها المملكة المتحدة في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، وهو ما سيؤخر نمو الاستثمار في ظل تراجع فرص النمو الضخمة والمعتادة في المبيعات. ولكن إذا استمرت الأجور في الارتفاع مع تشديد سوق العمل، فمن المؤكد أن يشهد العامان القادمان موجة من الاستثمار ستدفع الإنتاجية في السنوات الخمس المقبلة.
وفي استطلاع «الشرق الأوسط» لمديري الاستثمار والأصول بالشركات البريطانية بشأن مدى قلقهم بشأن البريكست على مدار الـ18 شهرا الماضية، أكد 80 في المائة من عينة قوامها 213 مديرا للاستثمار والأصول، أنهم «ليسوا قلقين بشأن البريكست»، بل على العكس فهم أكثر قلقا بشأن حكومة قادمة من حزب العمال، فيما أجمعوا على محاولتهم على التأكد من خروج أموالهم إلى جزر القنال الإنجليزي لتجنب خضوعهم لضوابط رأس المال في حال انتخاب حكومة من حزب العمال، وأعربوا عن قلقهم من سرعة تسييل الممتلكات الراقية في ظل انخفاض أسعار العقارات في بعض أجزاء وسط لندن بنسبة 30 في المائة.
- أوروبا.. توقعات إيجابية رغم الضغوط
كانت الأسهم الأوروبية مخيبة للآمال إلى حد كبير خلال الأرباع الثلاثة الأخيرة. ولا تزال بعض البيانات الاقتصادية الكلية في أوروبا، ولا سيما الصادرات وإنتاج السيارات، تظهر علامات التباطؤ... ولكن يجب أن يكون الناتج المحلي الإجمالي ثابتاً بشكل معقول في المستقبل من أجل تحسين المؤشرات، خاصة من خلال معايير البلدان المتقدمة.
وعلى الجانب الآخر، انخفضت المخاوف السياسية من حدوث أزمة إيطالية بشكل كبير في الأيام الأخيرة، كما أن تحسن شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يعزز من معنويات المستثمرين.
ومن شأن استمرار انخفاض أسعار الفائدة وزيادة الأرباح اللائقة من النمو الاقتصادي العالمي أن يساعد على انتعاش سوق الأسهم. وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية، التي تعني الشركات البريطانية والأوروبية بشكل كبير عبر شركات متعددة الجنسيات، يجب أن يعزز أيضاً أرباح الشركات بعد اتجاه سلبي للغاية في الربع الثالث. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يرتفع مؤشر «يورو ستوكس» إلى مستوى 375 نقطة في نهاية يونيو (حزيران) المقبل، وإلى مستوى 380 نقطة نهاية العام القادم.
- شرق آسيا... الانتعاش قادم
وكانت الأسهم اليابانية مخيبة للآمال، لكن معدل النمو على أساس سنوي للعام المالي 2019 يظل جيدا عند 9 في المائة، مع نسبة توزيعات أرباح بنسبة 2.3 في المائة. ومن المحتمل أن تكون النزاعات التجارية العالمية قد لعبت دوراً رئيسياً في خفض معنويات المستثمرين فيما يتعلق بالبلاد، مع انخفاض الطلب الصيني على سلع النفقات الرأسمالية اليابانية بشكل كبير. كما عانى الاقتصاد المحلي الياباني من الكوارث الطبيعية في الربع الثالث الذي ينتهي وفقا للسنة المالية اليابانية بنهاية العام، ولكن ينبغي للربع الرابع أن ينتعش بشكل جيد. ولا تزال الشركات لديها معدلات تشغيلية عالية لاستمرار النمو الاقتصادي العالمي، لذا فإن توقعات الخبراء بتحسن المعنويات لهذا الأخير من شأنه أن يؤدي إلى اهتمام أكبر بالأسهم اليابانية.
ومن المتوقع أن يبلغ مؤشر «توبكس» الياباني مستوى 1752 نقطة في يونيو، و1862 نقطة نهاية العام المقبل، بإجمالي العوائد بالدولار عند مستويات 5.1 و16.8 في المائة على التوالي.
أما بالنسبة لمؤشر «إم إس سي آي» MSCI في منطقة المحيط الهادي، فقد كان أيضاً مخيّباً للآمال بسبب مخاوف التجارة، ولكن من المتوقع أن تشهد أسهم هونغ كونغ والأسهم الأسترالية أداء جيداً خلال العام المقبل.
وفي مثل هذا الوقت من العام الماضي، ظن المستثمرون أن الدولار سيظل ضعيفا، لذا اتجه الجميع إلى العملات المحلية وسندات الأسواق الناشئة، لكن الأمر انتهى ببيع تلك الأصول مقابل الحصول على الدولار الذي ارتفع بشكل مطرد خلال 2018، وإذا ظل الدولار قويا واستمر في الارتفاع في 2019 فعلى المستثمرين مراقبة اليوان والاحتياطي الأجنبي الصيني، حيث انخفض مؤشر «سي إس آي 300» CSI300 وهو مؤشر لسوق الأوراق المالية المرجحة بالأرقام الرأسمالية، لأداء أكبر 300 شركة متداولة في بورصتي شنغهاي وشنغن بأكثر من 20 في المائة منذ بداية العام وحتى الآن.
ويراقب المستثمرون الصين عن كثب بعد فقدان بكين لفائض حسابها الجاري، خاصة أن الصين، التي أصبحت المقترض الأول عالميا من حيث معدل زيادة الاقتراض، ستواجه مشكلة حقيقية إذا ارتفعت تكلفة رأس المال بالنسبة للمقترض.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».