فقراء إسطنبول يدفعون ثمن تطوير أحيائها القديمة

الطرد هاجسهم.. وشبح الفساد يبقى حاضرا

فقراء إسطنبول يدفعون ثمن تطوير أحيائها القديمة
TT

فقراء إسطنبول يدفعون ثمن تطوير أحيائها القديمة

فقراء إسطنبول يدفعون ثمن تطوير أحيائها القديمة

في الشوارع الضيقة التي تنحدر من أحد تلال إسطنبول باتجاه شريط الممر المائي المعروف باسم القرن الذهبي، نجد البيوت الخشبية القديمة التي عاش فيها الضباط العسكريون في الإمبراطورية العثمانية. ويجرى ترميم تلك البيوت العتيقة بشق الأنفس من أجل استعادة تصميمها الأصلي. وقبل وصول هؤلاء الضباط، كانت تلك المنطقة، التي تضم أكبر المساجد في المدينة، مركزا للمعرفة والتعليم الإسلامي على مدار قرون من الزمان.
بيد أن المهاجرين القادمين من الريف، الذين يقطنون المباني الآيلة للسقوط في تلك المنطقة، يتساءلون بشأن المكان الذي سيذهبون إليه، حيث تمضي الحكومة قدما لتنفيذ مشروع آخر من مشروعات التنمية العمرانية المثيرة للجدل. وفي هذا الصدد، يقول رامازون الذي يدير مخبزا وأفصح عن اسمه الأول فقط: «نحن في انتظار التعرض للطرد من ذلك المكان. لن يستطع الناس العاديون العيش هنا، حيث إن هذا المكان سيكون للأغنياء فقط».
ويدير رامازون مخبزا منذ عام 2001، أي قبل مجيء الحكومة الحالية التي يترأسها رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان ومجموعته من الإسلاميين، الذين شرعوا، مثل جميع أسلافهم تقريبا، في إعادة تشكيل المناظر الطبيعية لهذه المدينة التي تعد بمثابة الواجهة لتركيا.
من جانبه، وجه إردوغان اهتماما خاصا لهذه المنطقة نظرا لتاريخها الكبير.
وفي هذا السياق، يقول سيفي إمري تانجك، أحد المرشدين السياحيين: «هذا المكان كان دوما مركزا لإسطنبول».
وبوصفه مركزا للإمبراطورية العثمانية والحياة الإسلامية، كان ذلك المكان، حسبما يقوله تانجك، من الأماكن التي أثارت شعورا قويا لدى إردوغان دفعه إلى السعي لمحاكاته وتكرار نسخة منه في دولة تركيا الحديثة من أجل «إنعاش الروح العثمانية وإعادتها مجددا». وفعل إردوغان ذلك من خلال تعزيز النمو الاقتصادي والتحول الدبلوماسي نحو الدول العربية التي خضعت في وقت من الأوقات للحكم العثماني، فضلا عن تنفيذ مشاريع عقارية عملاقة بشكل متزايد، بحيث صارت تلك الأمور من الرموز التي تميز فترة ولايته. ومع ذلك، ففي الوقت الراهن، وسط حالة التحقيقات الموسعة بشأن الفساد التي تركزت على هذا النوع من المشاريع، قد تكون تلك المشاريع هي البذور التي ستؤدي إلى سقوطه.
ربما أن مشاريع التنمية قد أدت إلى تعزيز وضع الشخصيات المحيطة بإردوغان، بمن في ذلك الأقطاب البارزة في مجال الإنشاءات التي وفرت الدعم المالي المؤثر لحزبه. مع ذلك، فإن الكثيرين في الوقت الحالي يشتبهون فيه هو ذاته في ضوء الأنباء المتداولة عن أن نجله هو المستهدف في تلك التحقيقات. بيد أن إردوغان أثار أيضا استياء شديدا في أزقة هذه المدينة القديمة وفي هذه المنطقة التاريخية الواقعة في منطقة فاتح المحافظة، فرغم التأييد الكبير والواضح لرئيس الوزراء، فإن الكثيرين هنا يقولون إن عملية التنمية هذه أدت إلى تكدير صفو حياتهم. وفي هذا الصدد، يقول رامازون: «كان هذا المكان جميلا عندما أتيت إليه في أول مرة»، مضيفا أن المجلس المحلي قام بقطع خطوط الكهرباء وأوقف نقل المخلفات، في محاولة لجعل السكان يتخلون عن عقاراتهم بسبب عدم مقدرتهم على تحمل تكاليف الترميم التي فرضتها الحكومة. وأردف قائلا: «لا يوجد الكثير من الأشخاص في الشوارع. وفي الوقت الحالي لا يمكن كسب المال بسبب عدم وجود أماكن تشتري الخبز، حيث إن جميع الأماكن خالية من السكان». وتشتمل المنطقة التي كان من المفترض بناء الفندق فيها على بناية واحدة مبنية من الخرسانة يحيط بها سياج مع خلوها من السكان. وأول من أمس، قال الحارس الوحيد الموجود في المنطقة إن جميع الأعمال قد توقفت.
وفي حين يتعامل الأتراك مع الموقف الصعب الخاص بتحقيقات تلقي الرشى واستغلال النفوذ ويتساءلون إذا كان ما يشاهدونه الآن هو انهيار حكومتهم، تتسلط الأضواء على المشاريع العقارية عبر إسطنبول والأموال التي حصل عليها المسؤولون الأتراك وحياة الأفراد التي اجتثوها. وفي الوقت الحالي، يقيس الكثير من سكان هذه المدينة مزايا تلك التنمية في مقابل الأنباء المتداولة بشكل متزايد بشأن الأشخاص الذين استغلوا تلك المشروعات وكيفية هذا الاستغلال.
ويقول محمد، الذي يعمل في أحد المقاهي بالقرب من موقع الفندق: «إنني أبلغ من العمر 29 سنة، ولقد عاصرت الكثير من الحكومات الأخرى من قبل، ولكن تلك الحكومات لم تكن تؤدي عملها».
يذكر أن محمد لم يفصح سوى عن اسمه الأول فقط لأنه يخاف الكشف عن هويته عند التحدث إلى المراسلين في ظل المناخ الحالي الذي يسود البلاد. ويضيف محمد: «إن حكومة حزب العدالة والتنمية دؤوبة ومثابرة في عملها». وأشار إلى الوضع الحالي قائلا: «الأمر معقد للغاية، فالجميع يكذبون وليس بوسعك معرفة من هو الصادق». وقال إنه كان يرغب في عدم إصدار حكم بشأن إردوغان، وأشار إلى الشارع المنسق المرصوف بالحجارة أمام المقهى الذي يعمل فيه قائلا: «لم يكن بإمكانك المشي هنا في هذا المكان حتى حلول العام الماضي، إذ كان الطريق بأكمله عبارة عن طين».
وفي مقهى يقع بالقرب من ناصية المخبز الذي يملكه رامازون، يقول الكثير من الأشخاص إن الكثير من أصدقائهم تركوا المنطقة، واتجه البعض إلى المشروعات السكنية الجديدة بالقرب من المطار. وعلاوة على ذلك، ذهب الكثير من السكان الحضريين الفقراء، الذين جرى إجلاؤهم عن مناطقهم، إلى خارج هذا المكان، بينما عاد الآخرون إلى المناطق الريفية التي ولدوا فيها. وفي هذا الصدد، يقول علي كوك، البالغ من العمر 34 سنة، ويكسب قوت يومه من خلال أداء وظائف غريبة: «إنهم يحاولون التخلص من الأشخاص الموجودين هنا لكي يتسنى لهم بيع العقارات للأغنياء». وأضاف أن الرجال الذين يعيش بعضهم مع عشرات الأفراد أو أكثر فيما يطلق عليه بيوت العزاب، يكدحون في العمل من أجل الحصول بالكاد على ما يكفيهم للمعيشة، مع تحويل جزء من المال إلى ذويهم. ويقول كوك: «لا نريد شراء الفيللات الفاخرة، بل إن كل ما نريده هو مكان للعمل فيه».
مع ذلك، يرغب الكثير من الأتراك في غض الطرف عن مزاعم الفساد للقليل من الوقت، لأنهم يشعرون أن حياتهم تحسنت بشكل أفضل في السنوات الأخيرة. ويشير الأتراك إلى الرخاء الاقتصادي لتركيا تحت قيادة إردوغان وتحسن الخدمات الحكومية ومستوى المعيشة. ويقول إركان، البالغ من العمر 37 سنة ويعمل سائقا خاصا وطلب عدم الكشف عن اسمه الأخير: «إن جميع الأشخاص الموجودين في السلطة يسرقون، بيد أن الشيء المهم هو تقديم الخدمات. اعتدنا الانتظار لساعات في المستشفيات من أجل إجراء الفحوص، ولكن الآن، صارت تلك العملية سريعة للغاية، حيث يمنحونك الأدوية التي تحتاج إليها على الفور».
وقال إركان إنه صوت لصالح إردوغان وسيفعل الشيء نفسه مجددا. وأضاف أنه كان مصدقا لرئيس الوزراء عندما ألقى باللائمة على وجود مؤامرة دولية ترمي إلى إثارة تحقيقات بشأن استغلال النفوذ والرشى.
بيد أن صديقه العاطل عن العمل، تيار أديمير، البالغ من العمر 45 سنة، يختلف معه في ذلك الرأي ويقول: «يعرف العالم بأسره أن هذا الأمر ليس مؤامرة، حتى إن أعضاء حزب إردوغان أنفسهم اعترفوا بوجود فساد، فكيف يمكن أن يكون ذلك مؤامرة؟».
وبالنسبة للأتراك، فإن مزاعم الفساد، في أعلى مستوياتها في الحكومة، أقل صدمة بكثير من إظهار الفضيحة للعيان جهارا، بالإضافة إلى التفاصيل التي تظهر يوميا والخصوم السياسيين الذين كانوا يخفون خلافاتهم في وقت من الأوقات، وصاروا الآن في سجال علني واضح للغاية.
واختتم أديمير حديثه قائلا: «عندما أشاهد الأخبار، فإنني أرغب في رحيل ذلك الحزب».
* خدمة «نيويورك تايمز»



إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)
خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)
TT

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)
خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس (آب) 2021، منددةً بـ«الرقابة» و«القيود الصارمة للوصول إلى المعلومات».

وأكدت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، أنهما اطّلعا على «256 حالة توقيف واحتجاز تعسفي، و130 حالة تعذيب وسوء معاملة، و75 حالة تهديد أو ترهيب».

وفي التقرير المعنون «حرية وسائل الإعلام في أفغانستان»، نددت الأمم المتحدة بـ«التحديات المتزايدة التي يواجهها الصحافيون والموظفون في مجال الإعلام والمؤسسات الإعلامية في أفغانستان، الذين يعملون في بيئة من الرقابة والقيود الصارمة للوصول إلى المعلومات»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأضافت روزا أوتونباييفا، رئيسة بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان، أنه يتعيّن على الصحافيين التعامل مع «قواعد غير واضحة بشأن ما يمكنهم وما لا يمكنهم تغطيته، ويتعرضون للترهيب أو الاحتجاز التعسفي بسبب ما يُعدُّ انتقاداً».

من جهته، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى حماية الصحافيين الذين «يُطلعون الجمهور على الأحداث التي تؤثر في حياتهم اليومية» و«يضمنون شفافية السلطات وتحملها مسؤوليتها».

وقال حياة الله مهاجر فراحي، نائب وزير الإعلام: «إن كل وسائل الإعلام يمكن أن تعمل» في أفغانستان، ما دامت تحترم «القيم الإسلامية ومصالح البلاد وثقافتها وتقاليدها».

مع ذلك، فإن القانون الجديد بشأن «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، الذي يهدف إلى التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية، يثير قلقاً لدى الصحافيين، ويخشون من أن يؤدي هذا القانون إلى اختفاء صور الكائنات الحية وأصوات النساء من وسائل الإعلام.

عندما عادت حكومة طالبان إلى السلطة، كان لدى أفغانستان 8400 موظف في مجال الإعلام، من بينهم 1700 امرأة. أما الآن فلا يوجد سوى 5100 موظف، من بينهم 560 امرأة، وفق مصادر من القطاع.

وأُغلقت عشرات وسائل الإعلام، وتراجعت أفغانستان خلال 3 سنوات من المركز 122 إلى المركز 178 من أصل 180، في مؤشر حرية الصحافة، الذي تصدره منظمة «مراسلون بلا حدود».