فقراء إسطنبول يدفعون ثمن تطوير أحيائها القديمة

الطرد هاجسهم.. وشبح الفساد يبقى حاضرا

فقراء إسطنبول يدفعون ثمن تطوير أحيائها القديمة
TT

فقراء إسطنبول يدفعون ثمن تطوير أحيائها القديمة

فقراء إسطنبول يدفعون ثمن تطوير أحيائها القديمة

في الشوارع الضيقة التي تنحدر من أحد تلال إسطنبول باتجاه شريط الممر المائي المعروف باسم القرن الذهبي، نجد البيوت الخشبية القديمة التي عاش فيها الضباط العسكريون في الإمبراطورية العثمانية. ويجرى ترميم تلك البيوت العتيقة بشق الأنفس من أجل استعادة تصميمها الأصلي. وقبل وصول هؤلاء الضباط، كانت تلك المنطقة، التي تضم أكبر المساجد في المدينة، مركزا للمعرفة والتعليم الإسلامي على مدار قرون من الزمان.
بيد أن المهاجرين القادمين من الريف، الذين يقطنون المباني الآيلة للسقوط في تلك المنطقة، يتساءلون بشأن المكان الذي سيذهبون إليه، حيث تمضي الحكومة قدما لتنفيذ مشروع آخر من مشروعات التنمية العمرانية المثيرة للجدل. وفي هذا الصدد، يقول رامازون الذي يدير مخبزا وأفصح عن اسمه الأول فقط: «نحن في انتظار التعرض للطرد من ذلك المكان. لن يستطع الناس العاديون العيش هنا، حيث إن هذا المكان سيكون للأغنياء فقط».
ويدير رامازون مخبزا منذ عام 2001، أي قبل مجيء الحكومة الحالية التي يترأسها رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان ومجموعته من الإسلاميين، الذين شرعوا، مثل جميع أسلافهم تقريبا، في إعادة تشكيل المناظر الطبيعية لهذه المدينة التي تعد بمثابة الواجهة لتركيا.
من جانبه، وجه إردوغان اهتماما خاصا لهذه المنطقة نظرا لتاريخها الكبير.
وفي هذا السياق، يقول سيفي إمري تانجك، أحد المرشدين السياحيين: «هذا المكان كان دوما مركزا لإسطنبول».
وبوصفه مركزا للإمبراطورية العثمانية والحياة الإسلامية، كان ذلك المكان، حسبما يقوله تانجك، من الأماكن التي أثارت شعورا قويا لدى إردوغان دفعه إلى السعي لمحاكاته وتكرار نسخة منه في دولة تركيا الحديثة من أجل «إنعاش الروح العثمانية وإعادتها مجددا». وفعل إردوغان ذلك من خلال تعزيز النمو الاقتصادي والتحول الدبلوماسي نحو الدول العربية التي خضعت في وقت من الأوقات للحكم العثماني، فضلا عن تنفيذ مشاريع عقارية عملاقة بشكل متزايد، بحيث صارت تلك الأمور من الرموز التي تميز فترة ولايته. ومع ذلك، ففي الوقت الراهن، وسط حالة التحقيقات الموسعة بشأن الفساد التي تركزت على هذا النوع من المشاريع، قد تكون تلك المشاريع هي البذور التي ستؤدي إلى سقوطه.
ربما أن مشاريع التنمية قد أدت إلى تعزيز وضع الشخصيات المحيطة بإردوغان، بمن في ذلك الأقطاب البارزة في مجال الإنشاءات التي وفرت الدعم المالي المؤثر لحزبه. مع ذلك، فإن الكثيرين في الوقت الحالي يشتبهون فيه هو ذاته في ضوء الأنباء المتداولة عن أن نجله هو المستهدف في تلك التحقيقات. بيد أن إردوغان أثار أيضا استياء شديدا في أزقة هذه المدينة القديمة وفي هذه المنطقة التاريخية الواقعة في منطقة فاتح المحافظة، فرغم التأييد الكبير والواضح لرئيس الوزراء، فإن الكثيرين هنا يقولون إن عملية التنمية هذه أدت إلى تكدير صفو حياتهم. وفي هذا الصدد، يقول رامازون: «كان هذا المكان جميلا عندما أتيت إليه في أول مرة»، مضيفا أن المجلس المحلي قام بقطع خطوط الكهرباء وأوقف نقل المخلفات، في محاولة لجعل السكان يتخلون عن عقاراتهم بسبب عدم مقدرتهم على تحمل تكاليف الترميم التي فرضتها الحكومة. وأردف قائلا: «لا يوجد الكثير من الأشخاص في الشوارع. وفي الوقت الحالي لا يمكن كسب المال بسبب عدم وجود أماكن تشتري الخبز، حيث إن جميع الأماكن خالية من السكان». وتشتمل المنطقة التي كان من المفترض بناء الفندق فيها على بناية واحدة مبنية من الخرسانة يحيط بها سياج مع خلوها من السكان. وأول من أمس، قال الحارس الوحيد الموجود في المنطقة إن جميع الأعمال قد توقفت.
وفي حين يتعامل الأتراك مع الموقف الصعب الخاص بتحقيقات تلقي الرشى واستغلال النفوذ ويتساءلون إذا كان ما يشاهدونه الآن هو انهيار حكومتهم، تتسلط الأضواء على المشاريع العقارية عبر إسطنبول والأموال التي حصل عليها المسؤولون الأتراك وحياة الأفراد التي اجتثوها. وفي الوقت الحالي، يقيس الكثير من سكان هذه المدينة مزايا تلك التنمية في مقابل الأنباء المتداولة بشكل متزايد بشأن الأشخاص الذين استغلوا تلك المشروعات وكيفية هذا الاستغلال.
ويقول محمد، الذي يعمل في أحد المقاهي بالقرب من موقع الفندق: «إنني أبلغ من العمر 29 سنة، ولقد عاصرت الكثير من الحكومات الأخرى من قبل، ولكن تلك الحكومات لم تكن تؤدي عملها».
يذكر أن محمد لم يفصح سوى عن اسمه الأول فقط لأنه يخاف الكشف عن هويته عند التحدث إلى المراسلين في ظل المناخ الحالي الذي يسود البلاد. ويضيف محمد: «إن حكومة حزب العدالة والتنمية دؤوبة ومثابرة في عملها». وأشار إلى الوضع الحالي قائلا: «الأمر معقد للغاية، فالجميع يكذبون وليس بوسعك معرفة من هو الصادق». وقال إنه كان يرغب في عدم إصدار حكم بشأن إردوغان، وأشار إلى الشارع المنسق المرصوف بالحجارة أمام المقهى الذي يعمل فيه قائلا: «لم يكن بإمكانك المشي هنا في هذا المكان حتى حلول العام الماضي، إذ كان الطريق بأكمله عبارة عن طين».
وفي مقهى يقع بالقرب من ناصية المخبز الذي يملكه رامازون، يقول الكثير من الأشخاص إن الكثير من أصدقائهم تركوا المنطقة، واتجه البعض إلى المشروعات السكنية الجديدة بالقرب من المطار. وعلاوة على ذلك، ذهب الكثير من السكان الحضريين الفقراء، الذين جرى إجلاؤهم عن مناطقهم، إلى خارج هذا المكان، بينما عاد الآخرون إلى المناطق الريفية التي ولدوا فيها. وفي هذا الصدد، يقول علي كوك، البالغ من العمر 34 سنة، ويكسب قوت يومه من خلال أداء وظائف غريبة: «إنهم يحاولون التخلص من الأشخاص الموجودين هنا لكي يتسنى لهم بيع العقارات للأغنياء». وأضاف أن الرجال الذين يعيش بعضهم مع عشرات الأفراد أو أكثر فيما يطلق عليه بيوت العزاب، يكدحون في العمل من أجل الحصول بالكاد على ما يكفيهم للمعيشة، مع تحويل جزء من المال إلى ذويهم. ويقول كوك: «لا نريد شراء الفيللات الفاخرة، بل إن كل ما نريده هو مكان للعمل فيه».
مع ذلك، يرغب الكثير من الأتراك في غض الطرف عن مزاعم الفساد للقليل من الوقت، لأنهم يشعرون أن حياتهم تحسنت بشكل أفضل في السنوات الأخيرة. ويشير الأتراك إلى الرخاء الاقتصادي لتركيا تحت قيادة إردوغان وتحسن الخدمات الحكومية ومستوى المعيشة. ويقول إركان، البالغ من العمر 37 سنة ويعمل سائقا خاصا وطلب عدم الكشف عن اسمه الأخير: «إن جميع الأشخاص الموجودين في السلطة يسرقون، بيد أن الشيء المهم هو تقديم الخدمات. اعتدنا الانتظار لساعات في المستشفيات من أجل إجراء الفحوص، ولكن الآن، صارت تلك العملية سريعة للغاية، حيث يمنحونك الأدوية التي تحتاج إليها على الفور».
وقال إركان إنه صوت لصالح إردوغان وسيفعل الشيء نفسه مجددا. وأضاف أنه كان مصدقا لرئيس الوزراء عندما ألقى باللائمة على وجود مؤامرة دولية ترمي إلى إثارة تحقيقات بشأن استغلال النفوذ والرشى.
بيد أن صديقه العاطل عن العمل، تيار أديمير، البالغ من العمر 45 سنة، يختلف معه في ذلك الرأي ويقول: «يعرف العالم بأسره أن هذا الأمر ليس مؤامرة، حتى إن أعضاء حزب إردوغان أنفسهم اعترفوا بوجود فساد، فكيف يمكن أن يكون ذلك مؤامرة؟».
وبالنسبة للأتراك، فإن مزاعم الفساد، في أعلى مستوياتها في الحكومة، أقل صدمة بكثير من إظهار الفضيحة للعيان جهارا، بالإضافة إلى التفاصيل التي تظهر يوميا والخصوم السياسيين الذين كانوا يخفون خلافاتهم في وقت من الأوقات، وصاروا الآن في سجال علني واضح للغاية.
واختتم أديمير حديثه قائلا: «عندما أشاهد الأخبار، فإنني أرغب في رحيل ذلك الحزب».
* خدمة «نيويورك تايمز»



4 قتلى في تبادل لإطلاق النار على الحدود الأفغانية - الباكستانية

خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
TT

4 قتلى في تبادل لإطلاق النار على الحدود الأفغانية - الباكستانية

خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)

أسفر تبادل إطلاق النار على الحدود الأفغانية - الباكستانية ليل الجمعة، عن مقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين بجروح، بحسب ما أعلنت السلطات المحلية في منطقة سبين بولداك الأفغانية، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتبادلت سلطات «طالبان» في أفغانستان والحكومة الباكستانية الجمعة، الاتهامات بالمسؤولية عن هذا الهجوم «غير المبرر»، بعد نحو شهرين من سقوط عدد كبير من القتلى في أسوأ اشتباكات عابرة للحدود منذ عقود. وتحدثت تقارير غير مؤكدة عن وقوع إصابات على جانبي الحدود.

وقال مسؤول باكستاني لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن الأعمال العدائية الأخيرة التي اشتملت على إطلاق قذائف مدفعية وأسلحة أخرى، وقعت بين مقاطعة بلوشستان الباكستانية ومنطقة قندهار الأفغانية.

وصرّح مسؤول من قوات حرس الحدود الباكستانية التي تراقب الحدود: «استمر إطلاق النار لمدة ساعتين، وكان مكثفاً وشرساً».

وقال متحدث باسم حكومة «طالبان» الأفغانية إن قواتهم ردّت على إطلاق النار الذي بدأته باكستان. بينما قال مسؤولون باكستانيون إن مقاتلي «طالبان» هم الذين بدأوا إطلاق النار على المدنيين عبر الحدود.

وتأتي الاشتباكات بعد أشهر من مناوشات دامية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي أثارتها غارات جوية باكستانية على أهداف داخل أفغانستان، بينها العاصمة كابل، استهدفت زعيم ميليشيا يُزعم أنها وراء هجمات عابرة للحدود.

وتم التوصل إلى هدنة هشّة توسطت فيها قطر، ولا تزال سارية منذ ذلك الحين.


مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
TT

مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)

أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته الرسمية إلى الهند، استمرار بلاده في تزويد نيودلهي بالنفط رغم العقوبات الأميركية، بينما أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي اتفاقاً ثنائياً واسعاً لتعزيز التعاون الاقتصادي؛ بهدف رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030.

وأوضح مودي، خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع بوتين، أن الجانبين يعملان على اتفاقية للتجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده موسكو، ويضم كلاً من أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان.

بدوره، قال بوتين، لمودي خلال المؤتمر الصحافي، إن «روسيا مزوّد موثوق للنفط والغاز والفحم وكل ما يلزم لتطوير قطاع الطاقة في الهند»، مضيفاً: «نحن مستعدون لمواصلة توريد النفط دون انقطاع لاقتصاد الهند سريع النمو».

ومن دون الإشارة مباشرة إلى النفط الروسي، شكر مودي ضيفه على «دعمه الراسخ للهند»، مشدداً على أن «أمن الطاقة ركيزة أساسية وقوية» في الشراكة بين البلدين.

وتتعرَّض نيودلهي منذ أشهر لضغوط من الولايات المتحدة التي تتهمها بالمساهمة في تمويل المجهود الحربي الروسي عبر شراء النفط الخام الروسي بأسعار مخفضة. وفي أواخر أغسطس (آب)، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية إضافية بنسبة 50 في المائة على الصادرات الهندية، في وقت كانت تُجرى فيه محادثات ثنائية حول اتفاقية تجارة حرة. وأكد ترمب لاحقاً أنه حصل على تعهّد من مودي بوقف واردات النفط الروسي التي تُشكِّل نحو 36 في المائة من النفط المكرر في الهند.

وبحسب منصة «كبلر» للمعلومات التجارية، تراجعت المشتريات الهندية من الخام الروسي، رغم عدم صدور تأكيد رسمي من نيودلهي، بينما أعلنت مجموعات هندية عدة أنها ستتوقف عن الاعتماد على الواردات المقبلة من موسكو.

وكان مودي قد استقبل بوتين شخصياً، مساء الخميس، في مطار نيودلهي، واستضافه على مأدبة عشاء خاصة. ومنذ بداية الزيارة، تبادل الجانبان عبارات الإطراء وأشادا بمتانة العلاقات التاريخية بين البلدين.

ووصف مودي ضيفه أمام الصحافيين بأنه «صديق حقيقي»، معرباً عن تفاؤله بإمكان إيجاد تسوية للنزاع في أوكرانيا، ومؤكداً أنه «علينا جميعاً العودة إلى طريق السلام».

وردَّ بوتين بشكر جهود مودي «الرامية إلى إيجاد تسوية لهذا الوضع»، مشيداً بالعلاقات «العميقة تاريخياً» بين البلدين وبـ«الثقة الكبرى في التعاون العسكري والتقني» بينهما.

ويسعى البلدان إلى إعادة التوازن في المبادلات التجارية التي بلغت مستوى قياسياً وصل إلى 68.7 مليار دولار خلال عامَي 2024 – 2025، رغم أنها تُظهر حالياً اختلالاً كبيراً لصالح روسيا. وما زالت الهند تمتنع عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بشكل صريح، مع حفاظها في الوقت ذاته على علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة.

وكان مودي قد عبّر لأول مرة عام 2022 خلال لقاء في أوزبكستان عن موقفه حيال الأزمة، حين دعا إلى وقف الحرب «في أسرع وقت ممكن»، مؤكداً لاحقاً تمسكه بنظام عالمي «متعدد الأقطاب» ومقاومة الضغوط الغربية لقطع العلاقات مع موسكو.

واستغلت روسيا والهند الزيارة لمناقشة التعاون في المجال العسكري. وقال الدبلوماسي الهندي الكبير فيكرام ميسري إن وزيرَي الدفاع في البلدين عقدا اجتماعاً، من دون التوقيع على أي اتفاق جديد. ورغم توجه نيودلهي مؤخراً إلى مورِّدين آخرين مثل فرنسا، وزيادة اعتمادها على التصنيع المحلي، فإن موسكو لا تزال من أبرز مورِّدي السلاح للهند.

وبعد الاشتباكات التي شهدتها الحدود الهندية - الباكستانية في مايو (أيار)، أبدت نيودلهي اهتماماً بالحصول على منظومات دفاع جوي روسية متقدمة من طراز «إس - 400». وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قبل الزيارة: «لا شك أنه سيتم بحث هذا الموضوع خلال الزيارة». كما أشارت تقارير صحافية هندية إلى اهتمام الجيش الهندي بالمقاتلات الروسية من طراز «سوخوي - 57».

ومن المقرر أن يغادر بوتين الهند عائداً إلى موسكو، مساء الجمعة.


خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
TT

خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)

عكست نتائج القمة الروسية الهندية إصرار موسكو ونيودلهي على إطلاق مرحلة جديدة لتعزيز التعاون في كل المجالات، بما في ذلك في قطاعي الطاقة والدفاع وفي المجالات النووية والتقنية. وتجنبت الوثائق التي وقَّعها الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والهندي ناريندرا مودي الإشارة إلى الضغوط الأميركية على الهند لتقليص التعاون مع روسيا، لكنها رسمت ملامح «خريطة طريق» لتوسيع الشراكة بين البلدين خلال السنوات المقبلة.

وبعد جولات من المحادثات التي شارك فيها ممثلون عن قطاعات مختلفة في البلدين، شارك الزعيمان في أعمال المنتدى الروسي الهندي للتعاون، ووقَّعا عشرات الوثائق المشتركة.

ووصف بوتين نتائج المحادثات بأنها وضعت أساساً لتوسيع التعاون الاقتصادي التجاري بين البلدين. بينما أعلن رئيس الوزراء الهندي برنامجاً للتعاون الاقتصادي حتى عام 2030، سيساعد على تنويع التجارة والاستثمارات، وتحقيق التوازن بينهما.

جانب من حقل استقبال بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

وشملت الوثائق الجديدة التي تضاف إلى اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» المبرمة قبل 25 سنة، اتفاقية للتعاون في مجال الصحة والتعليم الطبي والعلوم، واتفاقية لتنظيم حماية المستهلك، وتعزيز الإشراف على حقوق المستهلكين في البلدين.

كما وقَّع الزعيمان اتفاقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز فرص العمل لمواطني كل دولة لدى الدولة الأخرى، وكان هذا مطلباً هندياً لتوسيع مجالات العمالة الوافدة من الهند. وركزت اتفاقية أخرى على توسيع التعاون في منطقة القطب الشمالي، وتم رفدها بمذكرتي تفاهم للتعاون في مجال الملاحة في المياه القطبية.

ومن ضمن الاتفاقات الأخرى كان هناك بروتوكول بين الهيئة الفيدرالية للجمارك الروسية والهيئة الجمركية الهندية. واتفاق لتعزيز الخدمات البريدية. وبدا أن هذه تشكل الجوانب المعلنة من الاتفاقات الجديدة التي وصل عددها بحسب مصادر الكرملين إلى 29 وثيقة.

مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

إجراءات تبسط التنقل بين البلدين

كما أصدر الرئيسان بياناً مشتركاً حدد أولويات التعاون الثنائي. بعد مشاركتهما في منتدى الأعمال الروسي الهندي. وشدد البيان على إطلاق موسكو ونيودلهي إجراءات العمل على تبسيط التنقل لمواطني البلدين من خلال نظام تأشيرات ميسر. وأشار إلى تعزيز التعاون في إمدادات الطاقة، وتوسيع الصادرات الهندية إلى روسيا، وحدد أولويات تطوير التعاون الدفاعي في إعادة تركيز الشراكة العسكرية والانتقال إلى إنتاج منصات دفاعية متقدمة وتطوير أبحاث علمية.

كما نص على تسريع المشاورات بشأن بناء محطة طاقة نووية جديدة بتصميم روسي في الهند. واتفق الزعيمان على تطوير أنظمة دفع بالعملات الوطنية، وناقشا إنشاء شركات للأسمدة.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى وصول الزعيم الروسي إلى قاعدة بالام الجوية في نيودلهي في 4 ديسمبر 2025 وهو اليوم الأول من زيارته الرسمية التي تستغرق يومين إلى الهند (أ.ف.ب)

ووفقاً للبيان المشترك، فقد ناقش الطرفان، وأشادا عالياً بالتعاون الواسع النطاق في مجال الطاقة بوصفه عنصراً أساسياً في الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمتميزة بينهما. وأشار الطرفان إلى التعاون الحالي والمستقبلي بين الشركات الروسية والهندية في مجالات النفط ومنتجاته، والتكنولوجيات المتعلقة بالتكرير والبتروكيماويات، وخدمات الحفر، وتكنولوجيا الاستخراج والبنية التحتية ذات الصلة، والبنية التحتية المرتبطة بالغاز الطبيعي المسال وغاز البترول المسال، والمشاريع المختلفة القائمة في البلدين، وتكنولوجيا الغاز تحت الأرض للفحم، والمشاريع النووية، وما إلى ذلك. كما شدّد الطرفان على ضرورة حلّ القضايا المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية في قطاع الطاقة بشكل عاجل، واتفقا على معالجة مختلف التحديات التي يواجهها المستثمرون في هذا القطاع.

تعاون في مجال الطاقة النووية

كما اتفق الطرفان على تعميق التعاون في إنشاء ممرات نقل مستقرة وفعالة، مع التركيز بشكل خاص على توسيع الروابط اللوجيستية لتحسين الترابط، وزيادة قدرة البنية التحتية، دعماً لتطوير «الممر النقل الدولي الشمال – الجنوب»، وممر تشيناي – فلاديفوستوك، والطريق البحري الشمالي. ورحّب الطرفان بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن إعداد المتخصصين للعمل على السفن العاملة في المياه القطبية.

أشار الطرفان إلى التعاون المثمر بين إدارات السكك الحديدية في روسيا والهند، الهادف إلى إقامة شراكات في مجال تبادل التكنولوجيا المتبادل المنفعة.

وأكدا استعدادهما لتكثيف التعاون التجاري والاستثماري في منطقة الشرق الأقصى الروسي والمنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي. ويشكل «برنامج التعاون الروسي - الهندي في المجالات التجارية - الاقتصادية والاستثمارية في الشرق الأقصى الروسي للفترة 2024–2029»، فضلاً عن «مبادئ التعاون في المنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي»، الأساس الضروري لمزيد من التعاون بين الهند والأقاليم الروسية في الشرق الأقصى، خصوصاً في مجالات الزراعة والطاقة واستغلال الثروات المعدنية واستخدام العمالة وتعدين الألماس ومعالجته والصناعات الدوائية والنقل البحري.

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

وأكد الطرفان عزمهما على توسيع التعاون في مجال الطاقة النووية، بما في ذلك دورة الوقود النووي، وضمان دورة حياة تشغيل محطة الطاقة النووية «كودانكولام»، والتطبيقات غير الطاقوية للتكنولوجيا النووية، فضلاً عن بلورة جدول أعمال جديد للتعاون في المجالات المتعلقة بالاستخدام السلمي للطاقة الذرية والتكنولوجيات العالية المرتبطة بها.

وأشار الطرفان إلى أهمية التعاون في استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية كجزء جوهري من الشراكة الاستراتيجية، خصوصاً مع الأخذ في الحسبان خطط حكومة جمهورية الهند لزيادة توليد الطاقة النووية في البلاد إلى 100 غيغاواط بحلول عام 2047. ورحّب الطرفان بالتقدم المحرز في مشروع محطة «كودانكولام»، بما في ذلك بناء الوحدات المتبقية، واتفقا على الالتزام بجدول تسليم المعدات والوقود.

لاحظ الطرفان أهمية مواصلة النقاش حول تخصيص موقع ثانٍ في الهند لبناء محطة طاقة نووية.

وسوف يبذل الجانب الهندي كل الجهود لتخصيص الموقع رسمياً وفقاً للاتفاقيات الموقعة سابقاً. مع الإشارة إلى أهمية التعاون في الفضاء، رحّب الطرفان بتوسيع التعاون بين مؤسسة «روسكوسموس» الروسية ومنظمة الأبحاث الفضائية الهندية في استخدام الفضاء للأغراض السلمية، بما في ذلك برامج الفضاء المأهولة والملاحة الفضائية واستكشاف الكواكب. وأشار الطرفان إلى التقدم المحرز في التعاون المتبادل المنفعة في مجال تطوير وإنتاج وتشغيل محركات الصواريخ.

منظمة شنغهاي والنظام العالمي

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

في الشق السياسي، أشار الطرفان إلى الدور المتنامي لمنظمة شنغهاي للتعاون في تشكيل النظام العالمي الجديد. وأكد دعم روسيا ترشيح الهند للعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي الموسع. كما تم توقيع حزمة كبيرة من الاتفاقيات الحكومية والوزارية والتجارية. ويهدف العديد منها إلى توسيع التعاون الاقتصادي بين روسيا والهند.

وأعلن بوتين في ختام المحادثات أن روسيا سوف تظل مورداً موثوقاً به للطاقة لنيودلهي، مؤكداً أن الأسعار التفضيلية التي تمنحها روسيا للهند سوف تظل قائمة. من دون أن يتطرق إلى التهديدات الأميركية برفع التعرفقة الجمركية على الهند في حال واصلت مشتريات موارد الطاقة من روسيا.

وقال بوتين إن حجم التجارة الروسية الهندية بلغ هذا العام 64 مليار دولار، مشيراً إلى أن خريطة الطريق الجديدة لتعزيز التعاون سوف تسهم في رفع هذا الرقم إلى 100 مليار حتى حلول عام 2030.

ورأى بوتين أن العلاقات القوية بين قطاع الأعمال في البلدين تشكل أساساً متيناً لتطوير التعاون بين موسكو ونيودلهي. وزاد أن روسيا مستعدة لشراكة واسعة مع الهند في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيراً في الوقت نفسه إلى توجه لتعزيز التعاون الصناعي. وتحدث الرئيس الروسي عن تحديث البنية التحتية لطريق بحر الشمال ومشروع الممر الشمالي الجنوبي.

مؤكداً أن سهولة الوصول إلى وسائل النقل والاتصالات اللوجيستية تحظى بأهمية خاصة، و«يجري العمل بالفعل على قدم وساق في هذا الاتجاه. ويجري العمل على مشروع إنشاء ممر بين الشمال والجنوب - من روسيا وبيلاروسيا إلى ساحل المحيط الهندي».

مودي، بدوره، تحدث عن شراكة مع الشركات الروسية في إنتاج المركبات الكهربائية ومكوناتها. وأعرب عن قناعة بأن التعاون في هذا المجال لن يلبي احتياجات البلدين فحسب، بل سيسهم أيضاً في تنمية دول الجنوب العالمي، كما اقترح تطوير علاجات جديدة للسرطان بشكل مشترك. وتطرق إلى إمدادات الطاقة، مؤكداً الاستعداد لضمان إمدادات الوقود دون انقطاع للاقتصاد الهندي سريع النمو.

وبات معلوماً أن الطرفين ناقشا خلال الزيارة توسيع التعاون في مجال الطاقة الذرية.

وقال مودي إن موسكو ونيودلهي تتجهان للتعاون في مجال بناء المفاعلات المعيارية الصغيرة ومحطات الطاقة النووية العائمة، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا النووية في الطب. وأكد أن محطة كودانكولام للطاقة النووية سوف تقدم مساهمة كبيرة في إمدادات الطاقة الهندية.

وأشاد مودي بالشراكة الاستراتيجية الممتدة على مدى ربع قرن مع روسيا، مؤكداً أنها صمدت وتعمقت رغم جميع التحديات والتغيرات العالمية. ووجَّه مودي الشكر للرئيس الروسي على صداقته وعمله المتفاني، مؤكداً أن «حكمة بوتين وخبرته كانتا حاسمتين في تعزيز هذه العلاقات».

وفي إطار التعاون المستقبلي، أشار مودي إلى أن الشراكة في منطقة القطب الشمالي ستحقق منفعة مشتركة، وستسهم في خلق فرص عمل للشباب الهندي.