ينتظر السودانيون بأمل ورجاء العام الجديد لعل أزماتهم المستفحلة تجد طريقها إلى الحل خلاله، ويتوقعون أن يأتي عام 2019 وقد ارتاحوا من «الطوابير» الكثيرة في الخبز والوقود والصرفات الآلية وغيرها، وأن يعود للجنيه السوداني بعض اعتباره، وأن تعالج مظاهر الأزمة الاقتصادية ذات الأبعاد السياسية التي يواجهونها كافة، وهي تحديات تقرّ بها الحكومة والمعارضة، وإن اختلفتا على تفسيرها.
رسمياً، قطع الرئيس عمر البشير بأن التحدي الأساسي الذي يواجه حكومته هو الاقتصاد، بيد أنه قال في أول مخاطبة جماهيرية له بولاية الجزيرة، بعد اندلاع موجة المظاهرات الأخيرة: إن «المشكلات والتحديات الاقتصادية التي تمر بها بلاده مقدور عليها». ومثله، أوجز رئيس الوزراء معتز موسى خلال تقديمه ميزانية 2019 الشهر الحالي، التحديات التي تواجه حكومته التي تتمثل في إقامة علاقات خارجية متوازنة، واستعادة التمويل من المؤسسات العربية والإسلامية، واستعادة ثقة مؤسسات التمويل الدولية، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، إبراهيم الصديق: إن السودان يواجه ثلاثة تحديات رئيسية، أولها التحدي الاقتصادي وتأثيراته على الوطن وحياة المواطن اليومية، وأضاف: «لمواجهة هذا التحدي يجب التوجه نحو الإنتاج وزيادته، وكلما قوّينا البنية الاقتصادية، حققنا رفاهة أكثر، واستقراراً أكثر». ويرى الصديق، أن التحدي الثاني الذي يواجه البلاد، هو تحدي «السلام» بأبعاده المختلفة، ويقول: «وقف مظاهر الحرب والعدائيات، وتحقيق الأمن والاستقرار أحد التحديات؛ لأن الحرب تؤثر على كثير من أوجه الحياة»، ويضيف: «أما التحدي الثالث فيتمثل في إعادة بناء الصورة الذهنية للسودان بشكل عام؛ وذلك لتحقيق استقرار يسهم في استقطاب العون الأجنبي». وتابع قوله: «نحن في حاجة إلى تغيير هذه الصورة، ليكون السودان جاذباً للاستثمار والدعم والخارجيين»، مؤكداً أن الصورة الذهنية التي تكونت نتيجة للحرب واحدة من التحديات التي تواجه البلاد في العام الجديد، إضافة إلى بناء علاقات خارجية متوازنة، كما جاء في حديث رئيس الوزراء.
لكن محللين يرون أن «الأزمة السياسية» وبُعدها الاقتصادي هما التحدي الرئيسي الذي يواجه البلاد، وأن الناس يطمحون أن تواجه الدولة التحديات الأولية، وتتمثل – على الأقل - في استقرار أسعار السلع على الأقل، ونهاية الأزمات والطوابير، أما بُعدها السياسي فيرون أنه كامن في النظام السياسي نفسه، ويقولون: إن الناس يأملون أن يصبح فجر العام الجديد ليجدوا أن «نظام الإسلاميين» قد رحل، وعادت إليهم حريتهم التي سلبها منهم منذ قرابة ثلاثين عاماً، وألا يختطف انتفاضتهم مغامرٌ جديد. هذا ما قاله المحلل السياسي موسى حامد، الذي أضاف: «لا يوجد تحدٍ بالنسبة لي أكبر من سوء تسيير دولاب الدولة الذي تتجسد مظاهرة في أنصع حالاتها في تفجر هذه الاحتجاجات»؛ ما جعل بوابة الدخول إلى معالجة التحديات التي يواجهها السودان سياسية وليست اقتصادية.
ويقطع حامد بأن سبب أزمات السودان هو «أهل السياسة»، وأن هذه الحكومة لم يعد في جرابها حل جديد، وأن قضية السودانيين ليست مجرد «كسرة خبز»، بل باختصار لا يوجد أمل لمقابلة التحديات إلا بمغادرة النظام الحالي. وأضاف: «ما أقوله ليس كلام معارضة، بل كلام يفرضه الواقع، عن طريق قراءة علمية للعقود الثلاثة التي حكمت فيها الإنقاذ البلاد»، والتحليل العلمي والموضوعي يوصل حتماً إلى نتيجة: «أنهم لو كانت عندهم أي حلول للتحديات المزمنة، لكانوا قد حلوا مشكلات البلد». وأشار حامد إلى أن هذه الاحتجاجات تعبير عن أمل مستبطن لمواجهة التحديات على المديين القصير والطويل، وهي حتى لو فشلت في أن «تثمر تغييراً آنياً، تكون قد خلخلت النظام خلخلة حقيقية. وأقصد بالخلخلة أن تذهب الأسماء الموجودة في الحكم في غضون شهر أو أقل، أما إذا أفلحت الاحتجاجات في إحداث التغيير، فسيكون أمام البديل تحديات لا تعد ولا تحصى، ومن بينها أن احتمالات اختطاف التغيير المأمول قابلة للحدوث بشكل كبير جداً، وما هو مطلوب للحيلولة دون حدوثه». ويرى حامد أن تحدي «العيش الكريم» هو التحدي الكبير الذي سيواجه السودان في 2019، وسيظل هو التحدي في حال حدوث تغيير أم عدم حدوثه، ويضيف: «إذا حدث التغيير ربما تكون التحديات كثيرة ومعقدة، لكن يمكن أن يحدِث الدفع المعنوي والنفسي الناتج من التغيير، أثراً إيجابياً يسهل على السودانيين مواجهة تحدياتهم الوجودية، لكن سيظل تحدي العام الجديد».
بدوره، يقول المحلل السياسي عبد الله رزق إن {السودان سيستقبل العام الجديد، وأزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية متفاقمة، وبسببها شهدت نهاية عام 2018، انتفاضة في كل مدن السودان تقريباً، تطالب بتغيير النظام؛ لأنه عجز عن حل إشكالات البلاد المرتبطة بمعاش الناس}.
ويجزم رزق بأن الحكومة لم تستطع بوسائلها التقليدية وقف الاحتجاجات أو احتواءها، ولم تقدم بدائل لوقف التدهور الاقتصادي، لتقابل البلاد العام الجديد بأزمة متفاقمة على مستوى السلطة والحكم، وبعجز الحكم عن الاستمرار.
ويرى رزق، أن العام الجديد سيأتي والبلاد تعيش اضطراباً سياسياً واجتماعياً واسعاً، يتوقع أن يزداد تفاقماً مع بداياته، ويضيف: «المأزق أو النفق الذي دخلته الأوضاع، ينتظر حدوث معجزة ما»، والوضع المأزوم بكل ما يعتمل فيه من صراع، غير قابل للاستمرار إلى ما لا نهاية؛ ما يعجّل بفرضية (التغيير) وحتميته، بداية العام الجديد». ويرى رزق، أن الأوضاع الداخلية مرتبطة جدلياً بالأوضاع الخارجية، وأن هناك قوى إقليمية ودولية تتعاطى مع الوضع في السودان، للتأثير فيه وتشكيله بما يخدم مصالحها المستقبلية، أو من جهة أدوار السودان في الكثير من القضايا أو الملفات الإقليمية والدولية. ويتابع: «منذ 1989، صار للمجتمع الدولي والإقليمي حضور ملموس وقوي في السودان، والتعاطي مع أوضاعه وقضاياه عبر بوابة الحرب والسلام، وسعت الكثير من الأطراف وما زالت للتدخل لإحداث تسويات في النزاعات الداخلية في السودان، من أجل مصالحها أو من أجل الأمن والسلم الدوليين كما تقول الولايات المتحدة والأمم المتحدة؛ لذا سيكون لها دور وشأن في تحديد مستقبل البلاد والتحديات التي تواجهها.
العالم في 2019: الاقتصاد التحدي الأكبر لحكومة السودان في العام الجديد
محللون يجمعون على أن {احتجاجات الخبز} عميقة وليست طارئة
العالم في 2019: الاقتصاد التحدي الأكبر لحكومة السودان في العام الجديد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة