«الأدباء المصوّرون» وضعوا عدسة الكاميرا مكان الريشة

سيباستياو سالغادو يحلم بتحقيق عن قبائل لم تتواصل مع عالمنا بعد

المصوّر البرازيلي العالمي سيباستياو سالغادو  -  من أعمال المصوّر سيباستياو سالغادو
المصوّر البرازيلي العالمي سيباستياو سالغادو - من أعمال المصوّر سيباستياو سالغادو
TT

«الأدباء المصوّرون» وضعوا عدسة الكاميرا مكان الريشة

المصوّر البرازيلي العالمي سيباستياو سالغادو  -  من أعمال المصوّر سيباستياو سالغادو
المصوّر البرازيلي العالمي سيباستياو سالغادو - من أعمال المصوّر سيباستياو سالغادو

كان الرحّالة حتى أواخر النّصف الأول من القرن التاسع عشر، يعمدون إلى النّقش أو الرّسوم المائية لتخليد تجوالهم في ربوع البلدان وحواضرها، وينقلون إلينا من خلالها ما يعاينون من أجناس بشرية وعادات ومناظر طبيعية تحكي غرائب الأمصار ومفاتنها. ولكن مع اختراع آلة التصوير الشّمسي أصبحت الكاميرا الرفيق الأول الملازم للمسافر، يخزّن فيها مشاهداته وما يقع عليه من مواطن الجمال أو مصادر الدّهشة والإعجاب، يحتفظ بها للذّكرى والاستشهاد على ما تكشّف له في حلّه وترحاله.
وبعد أن كانت الكتب والأدبيات هي المرجع الرئيسي للتعرّف على البلدان والمجتمعات التي تحيط بنا، أصبحت الصورة مصدراً مهماً للمعلومات التي تروي فضولنا حول ما نرغب في اكتشافه أو ما يثير اهتمامنا، ونسافر عبرها إلى الأماكن التي نتوق إليها لتمضية العطلة أو إشباع رغبتنا في الرّحيل نحو عوالم جديدة. ومع ازدهار السياحة وما رافقها من نموّ سريع لحركة السفر انتشرت المجلات والمطبوعات التي تعتمد على التحقيقات المصوّرة للتّعريف بالوجهات السياحية والترويج لها. وقد أدّى ذلك إلى ظهور جيل من المصوّرين الصحافيين الذين وضعوا عدسة الكاميرا مكان الريشة لينقلوا إلينا إلى جانب الحدث الإخباري، مواطن الجمال والسحر والعذاب والدّهشة في البلدان والمجتمعات التي يجوبونها ويستدرجوننا للسفر إليها، وبرز بينهم كثيرون من الذين صاروا يعرفون بأدباء الكاميرا، نسافر على أجنحة صورهم إلى ما لا تراه سوى عين الفنّان ولا يدركه إلّا الحسّ المرهف.
ومن أبرز هؤلاء «الأدباء المصوّرون»، البرازيلي سيباستياو سالغادو الذي تحظى تحقيقاته التصويرية بشهرة عالمية وتخصّص لها معارض ودراسات، وتلقي نظرة عميقة على أحداث وحالات اجتماعية يمرّ بها المسافر أو السائح مرور الكرام وغالباً لا يتوقف عندها أو يلتفت إليها.
«الصورة الشمسية كتابة عميقة لا تحتاج قراءتها إلى الترجمة. والصّور شذرات صغيرة تحكي قصصاً كاملة». هذا ما يقوله سالغادو في مذكراته التي يخبرنا فيها أنّه ولد في البرازيل حيث درس الاقتصاد ثمّ سافر إلى باريس في أواخر ستينات القرن الماضي، ليتابع تحصيله العلمي ويبدأ عمله موظّفاً في إحدى المنظمات الدّولية قبل أن يقرر الانصراف إلى التصوير والتفرّغ له في العام 1973. بعد عدة جولات قام بها في القارة الأفريقية، «حيث تفتّحت عيناي على نوع آخر من السفر والسياحة في عذابات الناس ومشقّاتهم اليومية». وقد لاقت تحقيقاته الأفريقية نجاحاً كبيراً لما نقلته من سحر الطبيعة ومآسي الحروب بتقنيّة فنية عالية.
انضمّ بعد ذلك لفترة وجيزة إلى وكالة «سيغما» لينتقل إلى وكالة «غامّا» التي وصفها بأنها أكبر مدرسة للتصوير الفوتوغرافي. وفي العام 1979 باشر عمله مع وكالة «ماغنوم» منصرفاً للتحقيقات السياحية المخصصة لمجلة «GEO» المعروفة طوال خمسة عشر عاماً قبل أن يقرّر وزوجته تأسيس وكالته الخاصة في باريس. من العاصمة الفرنسية نشر أوّل مجلّد لأعماله بعنوان «الأرض» مع نصوص للأديب البرتغالي الحائز على جائزة نوبل جوزيه ساراماغو، وهو كناية عن تحقيق صوّره في البرازيل عن حركة المزارعين المحرومين من ملكية الأراضي في منطقة الأمازون.
رافق في منتصف الثمانينات سالغادو منظمة «أطباء بلا حدود»، في عدد من البلدان الأفريقية، ونقل منها صور المجاعة ونزوح اللاجئين في المناطق المنكوبة بالحروب والصّراعات الأهلية في رواندا، ومن ثمّ انتقل إلى أميركا اللاتينية حيث وضع عدة تحقيقات عن السكان الأصليين والعمّال والفلاحين كان أبرزها تحقيقه المصوّر الشهير عن عمّال منجم الذهب البرازيلي في منطقة «سيرّا بيلادا» الذي نال عدداً من الجوائز العالمية.
يعرّف سالغادو عن نفسه بأنّه «مصوّر اجتماعي»، ويعتبر أعماله امتداداً لالتزامه السياسي ودفاعه عن قضايا العمّال والفقراء والمعذّبين. «لأنّ السفر لا يجب أن يكون مقصوراً على الترفيه والاستجمام واستكشاف الجمال في الأماكن البعيدة، بل هو أيضاً وسيلة للوقوف على مواطن الظّلم والمعاناة ونقلها إلى العالم». وفي مجموعة من التحقيقات بعنوان «عمّال» وضع سجلّاً تصويريّاً للأعمال اليدوية المحكومة قريباً بالانقراض، بسبب التطور التكنولوجي، وجال في أنحاء القارة الأوروبية يصوّر المصانع التي تقفل أبوابها وانتقل بعدها إلى البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقيا التي هجرت إليها تلك المصانع، سعياً وراء اليد العاملة الرّخيصة، وعاد بتحقيقات مصوّرة مذهلة عن الظروف التي يقاسيها العمّال هناك.
وفي مجموعته الأخيرة بعنوان «نزوح»، وضع ما يشبه الجداريّات التصويرية لتدفقات اللاجئين الهاربين من الحروب والاضطهاد، والمنفيين والمهاجرين الذين أُطلق عليهم «البشريّة العابرة»، مستبقاً ظاهرة الهجرة التي أصبحت اليوم أحد أهمّ التحديات التي تواجه العالم. ويقول في المقدّمة النصيّة لهذه المجموعة: «أشعر اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأنّ ثمّة جنساً بشريّاً واحداً له نفس المشاعر والانفعالات أياً كان اللون أو اللغة أو الثقافة أو الإمكانات».
أمّا الحلم الأخير الذي يتوق سالغادو إلى تحقيقه، فهو سلسلة من التحقيقات عن القبائل التي لم تتواصل بعد مع عالمنا، ويقول: «يوجد منها ما يزيد عنه المائة في منطقة الأمازون. يعرفون بوجودنا، لكنّهم يفضّلون الابتعاد عنه. لا أريد تصويرهم، بل تصوير الأماكن التي يعيشون ويعملون فيها. إنّهم الحامض النووي لتاريخنا. هم نحن منذ آلاف السنين ومن واجبنا أن نحميهم». ويضيف: «أنا لست صحافياً ولا نيّة عندي لتغيير آراء الآخرين. أنا إنسان فضولي يعشق السفر الذي اعتبره كتاب الحياة والجسر الواصل إلى رحم الطبيعة والأرض... والإنسان».



«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
TT

«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)

يستعيد الفيلم الوثائقي المصري «البحث عن رفاعة» سيرة أحد رواد النهضة الفكرية في مصر ببدايات القرن الـ19، رفاعة رافع الطهطاوي، الذي كان له دور مهم في التعليم والترجمة، ويستضيف الفيلم المركز الثقافي بيت السناري بحي السيدة زينب (وسط القاهرة)، التابع لمكتبة الإسكندرية، الأربعاء.

يتتبع الفيلم مسيرة رفاعة الطهطاوي عبر رؤية سينمائية تدمج المكان بالأحداث بالموسيقى، ويتناول شخصية وأفكار رفاعة الطهطاوي، أحد رواد النهضة الفكرية في مصر، ويُقدم رؤية سينمائية تجمع بين التاريخ والواقع، مسلّطاً الضوء على إسهاماته في تشكيل الوعي العربي الحديث، وفق بيان لمكتبة الإسكندرية.

ويُعدّ رفاعة الطهطاوي من قادة النهضة العلمية في مصر خلال عصر محمد علي، وقد ولد في 15 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1801، في محافظة سوهاج بصعيد مصر، والتحق بالأزهر ودرس على يد علمائه علوم الدين مثل الفقه والتفسير والنحو، ومن ثَمّ سافر إلى فرنسا في بعثة علمية وعاد ليضع خطة لإنشاء مدرسة الألسُن، ووضع كتباً عدّة من بينها «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، و«مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية»، و«المرشد الأمين في تربية البنات والبنين»، وتوفي رفاعة الطهطاوي عام 1873، وفق الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

بيت السناري في القاهرة (بيت السناري)

جدير بالذكر أن الفيلم وثائقي طويل، تبلغ مدته 61 دقيقة، وأخرجه صلاح هاشم، وقام بالتصوير والمونتاج المصور اللبناني سامي لمع، والمنتج المنفذ نجاح كرم، والموسيقي يحيى خليل، وهو من إنتاج شركة سينما إيزيس.

وأوضحت «سينما إيزيس» المنتجة للفيلم أنه عُرض لأول مرة في 2008 بجامعة لندن، قسم الدراسات الشرقية. وشارك في مهرجانات عربية وعالمية عدّة، من بينها «كارافان السينما العربية والأوروبية» في عمّان بالأردن، و«متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية» في مارسيليا بفرنسا، تحت عنوان «الطهطاوي... مونتسكيو العرب».

وكان مخرج الفيلم قد تحدّث في ندوة بجامعة لندن عقب العرض الأول له، عن تصوير أكثر من 20 ساعة بين القاهرة وأسيوط وطهطا (بلد رفاعة)، وأن مونتاج الفيلم استغرق نحو 6 أشهر بين مدن أوروبية، موضحاً أن الهدف من صنع الفيلم هو التحفيز على التفكير في فكر رفاعة ومعتقداته بخصوص مفاهيم ومعاني النهضة والتقدم.

ولفت إلى أنه أراد تقديم رؤية لرفاعة بأسلوب موسيقى الجاز، وهو ما ظهر في إيقاع الفيلم، موضحاً أن الفيلم أيضاً أراد أن يبعث برسالة مفادها بأن السينما ليست مجالاً للتسلية أو الترفيه فقط، بل يمكن أن تكون أداة للتفكير في الواقع ومشاكل مجتمعاتنا، كما يمكن أن تكون وسيلة للمحافظة على ذاكرتنا.

ويُعدّ بيت السناري الذي يستضيف عرضاً جديداً للفيلم من المراكز الثقافية التي تعتمد على تقديم الأنشطة المتنوعة، والمركز التابع لمكتبة الإسكندرية، هو بيت أثري يعود لنهايات القرن الـ18، وكان مقراً لعلماء وفناني الحملة الفرنسية على مصر بين 1798 و1801م.