وزير الخارجية الباكستاني يلتقي نظيره الإيراني لبحث السلام الأفغاني

وسط اتهامات لطهران بالتحالف مع الهند ضد إسلام آباد

TT

وزير الخارجية الباكستاني يلتقي نظيره الإيراني لبحث السلام الأفغاني

توجه وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي إلى طهران بعدما توقف لساعات في محطة كابل لإجراء مشاورات مع الرئيس الأفغاني أشرف غني ووزير خارجيته صلاح الدين رباني.
ومن المفترض أن يطلع قرشي المسؤولين الإيرانيين على نتائج جولة حوارات أبوظبي وما يمكن أن تساعد به الدول المجاورة لأفغانستان في عملية السلام الأفغانية.
الحكومة الباكستانية تصر رسميا على أن تكون عملية السلام في أفغانستان بين الأطراف الأفغانية نفسها، في حين ترفض طالبان أي حوار مع الحكومة الأفغانية الحالية معتبرة أن الحوار يجب أن يكون بين الإدارة الأميركية وممثلي طالبان، على اعتبار أن الحكومة الأفغانية لا تملك صلاحيات تقرير أي شيء دون الرجوع للطرف الأميركي.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الباكستاني إلى إيران بعد أيام من توتر العلاقات بين البلدين إثر مقتل ستة من حرس الحدود الباكستاني كانوا في دورية معتادة على الحدود مع إيران، استدعت بعدها الخارجية الباكستانية السفير الإيراني في إسلام آباد لتبلغه احتجاجها القوي على الحادث، مطالبة طهران بالتحقيق السريع، ووقف مثل هذه الأعمال من الأراضي الإيرانية.
وكان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان تلقى دعوتين لزيارة طهران بعد توليه منصبه في آب أغسطس (آب) الماضي، لكنه وإن قبل الدعوتين رسميا إلا أنه أحجم عن زيارة طهران في هذه الأوقات مكتفيا بإرسال وزير خارجيته شاه محمود قرشي لزيارة الجارة المحاذية لإقليم بلوشستان الباكستاني الذي شهد عمليات عنف خطيرة خلال السنوات الأخيرة، كما شهد محاولات إيرانية هندية مشتركة لإرسال خلايا تجسس ضد باكستان اعتقل عدد من أفرادها مثل ضابط البحرية الهندي كلبوشان ياداف والباكستاني عزير بلوش وآخرين.
وقال عضو في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الباكستاني مقابلة خاصة معه، طالبا عدم الإفصاح عن اسمه إن «إيران تعمل حاليا على عدة محاور للإساءة لباكستان ومنعها من الاستفادة من الممر التجاري الصيني الباكستاني وتطوير ميناء جوادور الباكستاني على بحر العرب». مضيفا أن «إيران أعطت الهند حق تطوير ميناء تشابهار القريب من ميناء جوادور الباكستاني وذلك لمنافسة جوادور والممر التجاري الصيني الباكستاني، لكنها مع هذا الاستثمار أعطت الهند وتشاركت معها في خطط استخبارية ضد باكستان ودعم الجماعات الانفصالية في إقليم بلوشستان»، وأشار إلى أن إيران ستخسر في النهاية لتحالفها مع الهند ولن تستطيع تسويق نفسها كقوة إسلامية وهي تتحالف مع الهند ضد دولة إسلامية مجاورة.
وأضاف السيناتور الباكستاني أن «الولايات المتحدة تشجع من طرف خفي تنامي العلاقات الهندية الإيرانية لأن الدول الثلاث أميركا والهند وإيران لا تريد بأي شكل أي تكامل أو تقارب باكستاني مع الدول العربية خاصة مع دول الخليج العربي التي تعتبر باكستان عمقها الاستراتيجي وكذلك باكستان تعتبر الخليج العربي عمقها الاستراتيجي لما تتشاطره هذه الدول مع باكستان من إرث تاريخي وحضاري وديني ومستقبل اقتصادي وأمني».
واتهم القيادة الإيرانية بأنها «أنها ليست سوى قيادة فارسية قومية إيرانية تتدثر بدثار الثورة الإسلامية، وتتخذ من مبدأ ولاية الفقيه وسيلة لفرض رؤيتها باسم الدين على الشيعة في كل مكان». وأشار إلى أن «القيادة الإيرانية عملت على عزل القيادات الشيعية العربية وتحجيمها، مقابل هيمنة كاملة للقيادات الدينية المرتبطة بطهران».
ولفت إلى تدخل طهران في شؤون العديد من دول المنطقة «وتجنيد الآلاف مثل لواء زينبيون الباكستاني ولواء فاطميون الأفغاني». ورأى أن «إيران عامل زعزعة للأمن والاستقرار، ليس في الخليج فحسب، بل وحتى داخل باكستان وأفغانستان».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟