اقتصاد العالم يودِّع «عام الحرباء» ويستعد لـ2019 بتوقعات ركود

الأسواق المحمومة شهدت أكثر من تصحيح ولم تهدأ بعد

متعاملون في بورصة «وول ستريت» الأميركية بولاية نيويورك (رويترز)
متعاملون في بورصة «وول ستريت» الأميركية بولاية نيويورك (رويترز)
TT

اقتصاد العالم يودِّع «عام الحرباء» ويستعد لـ2019 بتوقعات ركود

متعاملون في بورصة «وول ستريت» الأميركية بولاية نيويورك (رويترز)
متعاملون في بورصة «وول ستريت» الأميركية بولاية نيويورك (رويترز)

بعد عِقد من الهدوء ومؤشرات الرخاء، جاء عام 2018 مليئاً بتقلبات الأسواق والاضطرابات السياسية وعدم اليقين الاقتصادي، ومع قرب دخول العام الجديد لا تزال هناك ملفات مفتوحة يمكن أن تتسبب في امتداد الاضطرابات خلال 2019.
وخلال العام الجاري فقد الاقتصاد العالمي بعض زخمه، فيما تبدو التهديدات الجيوسياسية أكثر إلحاحاً، حيث تباطأ النشاط في كل مكان تقريباً، مع كون الأسواق «محمومة». وحذرت كرستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي، قادة العالم من التوقعات بأن النمو السريع لعام 2017 لن يعود قريباً، قائلة: «بدأت المخاطر تتحقق في جميع أنحاء العالم».
وينبع القلق المتزايد في الصندوق ولدى العديد من خبراء الاقتصاد، من فشلهم هذا العام في التنبؤ بالأرقام الاقتصادية الضعيفة في الاقتصادات الناشئة والكبيرة.
وخفّضت الاقتصادات المتقدمة توقعاتها للنمو رغم البداية القوية للعام الجاري، التي بدت كأنها امتداد لزخم العام الماضي... لكن هذه البداية الخادعة سرعان ما انقلبت كالحرباء إلى حالة من التقلب الشديد والعوامل السلبية.
وانخفضت الأسواق الأميركية الرئيسية خلال الفترة الأخيرة من أعلى مستوياتها القياسية في سبتمبر (أيلول) الماضي بأكثر من 10%، فيما يعد تصحيحاً للأسواق. ومن المتوقع أن تستمر موجات التصحيح خلال العام المقبل بكثرة بسبب تضخم أسعار الأصول على مدار العامين الماضي والجاري.
ومنذ أن بلغت الأسواق ذروتها في سبتمبر، كان هناك حديث متصاعد حول علامات حدوث ركود اقتصادي «محتمل»، حيث انخفض الفرق بين عائدات السندات الحكومية طويلة الأجل وقصيرة الأجل، وبين أسعار سندات الخزانة التي تتراوح آجالها بين ثلاث وخمس سنوات، فيما يعرف بـ«منحنى العائد المقلوب» وهو مؤشر للركود الاقتصادي عندما يكون معدل الفائدة على أدوات الدين طويلة الأجل أقل من أدوات الدين قصيرة الأجل ذات نفس النوعية الائتمانية.
كما انخفضت أسعار المساكن والاستثمارات العقارية، وتباطأ النمو العالمي، وأصبحت أسواق الأسهم حول العالم متراجعة بشكل متزايد، في غضون ذلك يفكر «الاحتياطي الفيدرالي» في رفع أسعار الفائدة العام المقبل، مما قد يؤدي إلى تفاقم تدهور الاقتصاد وفقاً لما يراه المحللون.
ومن المرجح أن تضيف هذه العوامل وغيرها مزيداً من القلق إلى المخاوف من أن عام 2019 سيشهد تحول الاقتصاد العالمي إلى الركود.
ويعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي أكبر قصة للاقتصاد العالمي خلال العام المقبل، حيث لعبت المفاوضات المحيطة بـ«بريكست» دوراً رئيسياً في السياسة الأوروبية طوال العام الجاري، وستزداد أهمية في العام المقبل، حيث تستهدف بريطانيا الخروج في 29 من مارس (آذار) المقبل.
ومع اقتراب موعد هذا التاريخ، لا يزال من غير الواضح ما هي طبيعة عملية الانسحاب، وما الذي سينعكس من الحدث على الأسواق المحلية والعالمية، وكيف سيؤثر «بريكست» على المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولا يزال هناك احتمال ضئيل بأن الانفصال لن يحدث على الإطلاق، وفقاً لبعض الخبراء المتفائلين.
وأظهر الربع الثالث، الذي نُشرت بياناته مؤخراً، أرقاماً أسوأ مما كان متوقعاً في كل مكان تقريباً، فتراجع الاقتصاد الألماني بنسبة 0.2% بين شهري يونيو (حزيران) وسبتمبر، وهو أول انكماش في أكبر اقتصاد في أوروبا منذ عام 2015، كما انخفض الناتج المحلي الياباني بنسبة 0.3%، وعلى الرغم من نمو الاقتصادات الناشئة الأخرى فإن معظم معدلات النشاط كانت أسوأ من المتوقع.
وكان معدل النمو في منطقة اليورو بنسبة 0.2% في الربع الثالث، وهو الأبطأ منذ عام 2014، كما انخفض معدل النمو الصيني إلى أدنى مستوى له منذ عشر سنوات، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة بنسبة 0.9% بفضل التخفيضات الضريبية، وكان أبطأ من معدل الربع الثاني 1%.
وقال غافن ديفنز رئيس إدارة الأصول في «فولكروم» البريطانية، في تصريحات: «من الواضح أن معدل النمو العالمي بلغ ذروته في أواخر عام 2017، حيث كان هناك ارتداد ملحوظ إلى المتوسط».
وتشير البيانات العالمية الناشئة إلى أن معدل النمو قد انخفض من ذروة قريبة من 5% في نهاية العام الماضي إلى نحو 3% في تقديرات السنة الجارية، أي أقل بقليل مما يمكن اعتباره معدلاً طبيعياً يبلغ 3.7%، وفقاً لديفنز. وقد انعكس كل هذا على تقلبات أسعار الأسهم، ليتراجع مؤشر الأسواق الناشئة العالمي بأكثر من 9% في أكتوبر (تشرين الأول)، مع الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط، ليصل سعر برنت من 86 دولاراً إلى 67 دولاراً في أقل من شهر، فضلاً عن إشارات تباطؤ الإنفاق.
وكان تضرر صناعة السيارات حول العالم «مفاجئاً» للجميع، فكانت الصناعة الألمانية القوية عاجزة عن الوفاء باللوائح الجديدة، مما أدى إلى إغلاق المصانع في سبتمبر، مع ارتفاع الديون على قروض السيارات، وكذلك تعد الديون المتأخرة مقابل تلك القروض معدلاً ينذر «بالخطر».
ووفقا لـ«الاحتياطي الفيدرالي» (المركزي الأميركي) فإن إصدار قروض السيارات الجديدة والمستعملة كان في أعلى مستوياته في عدة سنوات، وكانت حالات التخلف عن السداد بين المقترضين ذوي الائتمان المنخفض أو المرتفع هي الأعلى منذ عام 2008. ومع ارتفاع أسعار الفائدة، فإن تلك القروض تصبح أكثر تكلفة بالنسبة إلى الأميركيين الذين يجدون صعوبة أكبر في تغطية نفقاتهم، فيما يأمل الاقتصاديون ألا يزداد الأمر سوءاً.
ويبرز السؤال المحيّر بين الاقتصاديين وسط كل هذه البيانات المخيبة للآمال، وهو عمّا إذا كان هذا التباطؤ مؤقتاً أو طويل الأجل؟
واعتبر الاقتصاديون أن أحد أسباب زيادة التوترات التجارية نابع من الموقف العدوني للإدارة الأميركية هذا العام، بجانب الخلاف الأوروبي مع الحكومة الإيطالية وسياستها المالية.
وانخفض مؤشر مديري المشتريات لـ«جيه بي مورغان» العالمي المركّب للنشاط التجاري، إلى أدنى مستوى له في عامين في سبتمبر، وسجل ارتفاعاً طفيفاً في أكتوبر.
وعلى الرغم من الحديث عن الثورات الصناعية الرابعة والاختراقات التكنولوجية اليومية «تقريباً» في مجال الذكاء الاصطناعي والمركبات ذاتية التحكم، فإن نمو الإنتاجية في كل الاقتصادات الناشئة تقريباً فشل في الانتعاش إلى المعدلات التي شوهدت قبل الأزمة المالية العالمية.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»