باوليني... الربط بين فكر الفنان والحياة اليومية

معرض وكتاب عن رائد {المفاهيمية الإيطالية}

باوليني  -  من أعمال الرسام
باوليني - من أعمال الرسام
TT

باوليني... الربط بين فكر الفنان والحياة اليومية

باوليني  -  من أعمال الرسام
باوليني - من أعمال الرسام

بمناسبة عرض أبرز أعماله في «مؤسسة كاريرو» العريقة وسط مدينة ميلانو، وصدور كتاب فني كبير يضم مجموعة من الدراسات تقيّم تجربته الفنية لعدد من النقاد الأوروبيين، نظمت احتفالية كبيرة للفنان الإيطالي «جوليو باوليني» الذي يعتبر من وجهة نظر النقاد، امتداداً للفنان «مانزوني» الذي ارتبط اسمه باسم الواقعية الجديدة التي كان يرمز إليها بما يقف من حقائق خلف المظاهر اليومية، والفنان «مانزوني» يعتبر هو الآخر امتداداً للفنان الدادائي «مارسيل دوشامب» والاثنان سعيا لتفجير الأطر الضيقة للمفاهيم الفنية التي كانت سائدة، وعبرا في موقفيهما وأعمالهما عن الرفض والتشويه، وقطع الجسور مع كل ما يرتبط بالحركة الفنية التقليدية، وذلك من أجل نزع الأقنعة عنها وتطهيرها داخلياً.
وكان النصف الثاني من فترة السبعينات قد شهد ظهور تيارات جديدة في مجال الفنون التصويرية العالمية، وأبرزها تلك التيارات التي تقول بضرورة العودة إلى العوالم الموضوعية وربط الفن بالحياة اليومية المادية الملموسة على صعيد الإدراكات الحسية كالخداع البصري، والمفاهيم المتعلقة بالمحيط الحركي وتحول المواد الآلية والميكانيكية الموجودة في الحياة اليومية إلى طاقات فنية تعبيرية، والاهتمام بالأفكار الفنية بدلاً من الاهتمام بصناعة العمل الفني نفسه من أجل التعبير ومسايرة التيارات الحديثة للعلم والتكنولوجيا السائدة في الحياة الإنسانية.
وبعبارة أخرى، توجهت لهدم حصن فكرة الفن للفن، وسعت لدفع الفن في الدائرة الإنسانية التي بدأت تحرز يومياً تطورات عظيمة تركت آثارها على تطور هذه الظاهرة. وقد دفع ذلك الكثير من الفنانين المعاصرين إلى الوقوف ملياً لإعادة النظر فيما أنتجوه من أجل التواصل مع ما أعلنته الضرورات التأريخية الجديدة.
وأبرز هذه المدارس هي «حركة فلوكس» و«الشكلية الجديدة» و«الفن الاعتدالي» و«المفاهيمية» و«ما بعد المفاهيمية»... إلخ. ويعتبر الفنان الإيطالي «بييرو مانزوني» أبرز الفنانين الذين تابعوا أفكار الفنان الدادائي «مارسيل دو شان» في بدايات القرن الماضي والذي سعى لتحرر الفن من إيحاءاته ورموزه، والمطالبة بهبوطه من سلطته وادعاءاته وحواجزه ليظهر نفسه كنماذج وظيفة محددة لها، ولا رسالة سوى تحديد نفسه والاندماج الكامل بالحياة، وخلق رؤية جديدة تتخطى الفن التقليدي نفسه وتحوله إلى صياغات نموذجية ساخرة يمكن التعبير من خلالها عن الأفكار التي تتخطى السلطة المدعية للفن، وتختصر المسافات، لأجل وضعه بصورة مباشرة مع نفسه وإزاء العالم.
إن فن «باوليني» يطرح تساؤلاً كبيراً يتعلق بوظيفة الفن كطريق جديد للمعرفة، فهو يحاول أن يشرح التقابلات والتضادات ما بين المادة والشيء الحقيقي الذي يعيشه ويعتاده الإنسان في حياته اليومية، وبين تمثيله الفوتوغرافي واتجاهاته الفكرية، أي استقصاء الحضور المادي وانعكاساته على الإدراك الحسي للمتلقي.
فالعمل الفني هنا إلى جانب كونه كناية للانتقال من فكرة ما أو شعور ما، فهو يقف على مبدأ الفهم والإدراك، ويأخذ مكانته مما يحتفظ بالإدراك المفهومي للشيء. وأغلب أعمال «باوليني» تقتصر على وسائل التعبير التي يحددها الفنان بالصور الفوتوغرافية والأوراق واللوحات غير المرسومة والتماثيل الجبسية التي تعود إلى الفترة الرومانية القديمة، والنصوص المدونة... إلخ. فهو يتلاعب بهذه الأدوات لتحديد معنى «مفاهيمي» جديد للفن يعتمد على التوثيق ما بين صورة الشيء أو المادة، وتحولاتها وانعكاساتها إلى وسائل استعلامية تتطلب خلق لغة تحليلية جديدة تعتمد على الفكرة كأساس لبنية العمل الفني.
والعمل الفني حسب «المفاهيمية conceptual» لم يعد يرتبط أو يندمج بما تريده أساليب الرسم التقليدية، أو كما تريد أن يقوله العمل الفني، بل هي البحث عما هو خارج حدود طريقة العرض التقليدية المتمثلة بأشكاله وأساليبه وطرقه الاستهلاكية وأسواقه التصريفية للوقوف مع الرؤية الجديدة للواقع الاجتماعي المتغير، وهذه الرؤية كما عبر عنها «باوليني» نفسه تتحدد من الفكرة بالفن إلى الفكرة نفسها والتي تحتفظ بالإدراك المفهومي، وتمنح الفنان حرية خيالية كبيرة غير متملقة جمالياً يجد الفنان نفسه، وذلك من خلال ما يفعله ويعمله، ليس داخل صالات العرض التقليدية، وإنما داخل الإطار العام للوجود الإنساني. وقد لجأ الفنان «باوليني» إلى التماثيل الرومانية القديمة ليجعل منها قاعدة أساسية لعمله تحمل صنعة المتقابلات المتماثلة، فالزمن لديه لا يمكن أن يتجزأ، بل هو يحمل توثيقاً مرتبطاً ومندمجاً بالحاضر كما يعكس في أعماله محاولات أخرى في مجال الفوتوغراف، والذي أصبح عنده وسيلة يهدف من خلالها لامتلاك الواقع وفضحه، وبالتالي معايشته والبحث في ثناياه عن مظاهر الحياة الاعتيادية للناس واستخدم أيضاً مجموعة من الإشارات العرضية والمقتنيات المتنوعة المستخدمة في الحياة اليومية كالوسائد والإطارات والكتب، وشظايا التماثيل المرمرية المتكسرة، والملابس، والأحجار واللوحات غير المرسومة، من أجل التدليل على أنه يسعى لبلوغ الزمن الجديد، واكتشاف لحظاته التي توقظ الماضي من خلال تثبيت أفكاره وقراءة ذاته في مرآة العالم.
إن فاعلية العمل الفني الجديد تعزى إلى وسائل الاستلام والتوزيع التي يقوم بها جهاز فني متطور.
وفي مطلع السبعينات برز هذا الجهاز الفني، وصلب عوده بفضل التيارات التجريبية بفروعها المختلفة. لقد أراد هذا الفن (المفاهيمي) ولا يزال أن يلفت الانتباه نحو عالمنا اليوم، وما يشهده من تفكك واسع النطاق في البنى الآيديولوجية والمؤسسات التقليدية والفنون البصرية على اعتبار أن الممارسة (المفاهيمية) انتقادية، تنازعية، حيوية في تعاملها مع المؤسسات الجمالية للإنتاج الفني. وإن عطاء هذه الممارسة إنما هي وأكبر من مجرد تداول لحاجات جمالية فنية.



«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
TT

«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)

افتتح الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، أمير المنطقة الشرقية، اليوم الأحد، أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية، بحضور الأمير سلطان بن سلمان، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس الأمناء لجائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد.

وينظم المؤتمر مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» بالظهران، بالتعاون مع جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد، ويستمر حتى 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تحت شعار «في مديح الفنان الحِرفي».

ويحضر المؤتمر باحثون في الفن والتاريخ الإسلامي، ومثقفون وضيوف من مختلف دول العالم،

ويهدف إلى دعم وإحياء التقاليد الفنية الإسلامية بتسليط الضوء على أعمال الحِرفيين المعاصرين الذين يُبقون هذه التقاليد الفنية والحِرفية على قيد الحياة.

الحرف رحلة تعلّم

وفي كلمته، ثمن المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورئيس مجلس أمناء جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد الأمير سلطان بن سلمان آل سعود، جهود «أرامكو» في مجال الإرث والحضارة ودعم المشاريع التراثية في المنطقة الشرقية، مستعرضاً الأهمية التاريخية للحِرف بوصفها مليئة بالتراث الحضاري للمناطق، وذلك عطفاً على إنجازات المملكة في المحافل الدولية والعالمية بمشاركات متنوعة، سواء من مؤسسات ومعارض ومؤتمرات ذات بُعد تاريخي واجتماعي تصبّ في المنفعة المجتمعية.

وأكد «الأهمية التاريخية للحرف على أنها رحلة تعلم وليست إنجازات»، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى «دور المتاحف في تعزيز التاريخ بوصفها وجهة رئيسية لكل دولة». وأشار إلى جهود المملكة في تسجيل واحة الأحساء بصفتها موقعاً تراثياً عالمياً في منظمة اليونسكو.

الحرفي شاعر صامت

وفي كلمته ذكر مدير مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» عبد الله الراشد أن مدرسة الفنون الإسلامية يكاد يغيب عنها الصانع، قائلاً: «القطع الإسلامية لا تعرف من صنعها، أما القطع المعاصرة فيُحتفى بالصانع، وكأن الحرفي في الفنون الإسلامية يود أن يبقى في الظل والخفاء»، مشيراً إلى أن «الحرفي شاعر صامت»، فمن هذا المنطلق حرص «إثراء» على إقامة هذا المؤتمر «في مديح الفنان الحرفي»، والذي «يحوي أوراقاً بحثية وجلسات حوارية ومعارض مصاحبة من أنحاء العالم؛ لنستكشف جمال الحرف الإسلامية وتأثيرها العميق على الثقافة الإنسانية، ولنعبر بتقدير عالٍ لمن يبدعون بأيديهم تراثنا وهويتنا ويصنعونها في زمن جل ما يلمس ويستخدم يصنع بالآلة، لذا أتينا بهذه المعارض لنحتفي باليد البشرية».

ولفت الراشد إلى إطلاق ثلاثة معارض متزامنة مع أعمال المؤتمر في القطع الأثرية والفنون الإسلامية والأزياء التراثية من حول العالم، في حين يتزامن إطلاق المؤتمر مع تسمية عام 2025 عام الحرف اليدوية الذي أطلقته وزارة الثقافة، مما يضيف بعداً خاصاً لهذه المناسبة.

وأضاف: «جهودنا في (إثراء) للعام المقبل تتضمن تقديم عشرات البرامج الكبرى والمعارض والورش؛ كلها حول الحرف اليدوية نستهدف فيها آلاف الزوار».

كود المساجد

بدوره، أعلن رئيس مجلس أمناء الفوزان لخدمة المجتمع عبد الله بن عبد اللطيف الفوزان، اعتماد كود المساجد في المملكة، والذي عملت عليه الجائزة بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية واللجنة الوطنية لكود البناء، مشيراً إلى أنه سيجري تدشينه في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.

وأشار إلى أن المؤتمر ملهم لإحياء الإرث الحضاري والتاريخي للأجيال القادمة، منوهاً، في الوقت نفسه، بالمكانة التي يتمتع بها الفنان الحرفي عبر العصور، لذا جاءت الجائزة بوصفها مرجعاً ثقافياً وفكرياً ومظلة حاضنة للمبادرات، والتي تحافظ على الموروث بوصفه رؤية مستقبلية.