مقايضات في الحقائب الوزارية تسبق ولادة الحكومة اللبنانية

بينها حقيبة الإعلام المعروضة على «الوطني الحر»

رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري متحدثاً في مؤتمر اقتصادي في بيروت أمس (رويترز)
رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري متحدثاً في مؤتمر اقتصادي في بيروت أمس (رويترز)
TT

مقايضات في الحقائب الوزارية تسبق ولادة الحكومة اللبنانية

رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري متحدثاً في مؤتمر اقتصادي في بيروت أمس (رويترز)
رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري متحدثاً في مؤتمر اقتصادي في بيروت أمس (رويترز)

أرجأت المطالب بتعديلات على الحقائب الوزارية في اللحظات الأخيرة، موعد إعلان تشكيل الحكومة الذي كان متوقعاً أمس، قبل أن تستجد عقدة صغيرة «تجري حلحلتها»، وتمثلت بالمطالبة بإجراء تعديلات على حقائب «البيئة» و«الإعلام» و«الصناعة» و«الزراعة»، وهو ما تعذر، وفتح أبواب الاتصالات لمفاوضات جديدة لتذليل عقدة مستجدة أخّرت تقديم الرئيس المكلف سعد الحريري التشكيلة الحكومية كاملة للرئيس اللبناني العماد ميشال عون، وبالتالي إصدار مراسيم التأليف.
وأكدت مصادر القصر الجمهوري لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك «حلحلة على صعيد توزيع الحقائب» بعد حصول بعض التعديلات عليها، مشددة على أنه «يجري العمل على حل هذا التفصيل أخيراً»، مؤكدة أن «الجو جيد، وهناك تعاون بالموضوع من قبل الأطراف»، مرجحة الوصول إلى نتيجة سريعة.
وأكد الرئيس عون أمس أن تشكيل الحكومة بات أسرع من المتوقع، موضحاً أن «هذا التشكيل يتطلب في لبنان بعض الوقت، لأن النظام اللبناني توافقي ويوجب إشراك الجميع في حكومة الوحدة الوطنية العتيدة»، فيما قال الرئيس المكلف سعد الحريري إنه كان يأمل أن يتم الانتهاء من تشكيل الحكومة أمس، بعد أكثر من 7 أشهر من الخلافات السياسية بشأن الحقائب الوزارية.
لكن خلافاً للتوقعات، مرّ أمس (الجمعة) من غير التوصل إلى حل نهائي رغم حل عقدة تمثيل «السنة المستقلين»، وذلك عندما استجدت قضية المطالبة بتبادل في الحقائب بين الأطراف والقوى السياسية. وقالت مصادر لبنانية مواكبة لعملية التأليف إن «مبادلة الحقائب أخرت تقديم التشكيلة النهائية»، معتبرة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «التأخر في إعلان الحكومة بعد الاتفاق الأخير في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دفع البعض إلى مراجعة حساباته»، لكنها جزمت أن الحل «سيتحقق في أسرع وقت، وقد يكون مساء اليوم (أمس)». وقالت: «لا ندري الأسباب الكامنة وراء ظهور هذه العقدة، لكن الأمر سيصل إلى حل بالتأكيد».
وتحدثت معلومات عن أن «حقائب البيئة والزراعة والصناعة والإعلام لا تزال قيد التفاوض بين الفرقاء السياسيين»، وأشارت إلى أنه «عند قبول أحد الفرقاء حقيبة الإعلام سينعكس ذلك على حقائب الصناعة والزراعة والبيئة».
وظهرت المشكلة عندما عُرضت حقيبة الإعلام التي ستكون من حصة «الوطني الحر» للمقايضة مع وزارة «البيئة» التي ستكون من حصة «حركة أمل» في الحكومة العتيدة، مقابل أن تُعطى الصناعة التي تعد من حصة «الاشتراكي» إلى «حركة أمل»، وهو ما رفضه رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما رفضه رئيس «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. وبرزت مقترحات كثيرة لتبادل الحقائب، لم تسفر عن أي تطور حتى مساء أمس.
وعقد الرئيس الحريري لقاءً مع وزير الخارجية جبران باسيل في «بيت الوسط» الذي رجحت أوساطه ألا يتم تشكيل الحكومة أمس، بانتظار توزيع الحقائب التي لا يزال بعضها قيد الأخذ والرد، لا سيما البيئة والزراعة والصناعة والإعلام.
وتعثرت جهود تشكيل الحكومة بسبب المطالب المتصارعة للفصائل والتيارات المتنافسة بالحصول على مقاعد في مجلس وزراء ينبغي تأليفه وفق نظام سياسي قائم على توازن طائفي دقيق. وبرزت في الآونة الأخيرة عقدة تمثيل «النواب السنّة المستقلين» التي أفضت إلى حل يقضي بتمثيلهم عبر «مدير الدولية للمعلومات» جواد عدرا، الذي قالت مصادر مواكبة لـ«الشرق الأوسط» إنه سيكون وزير دولة من دون حقيبة في الحكومة.
وأكد النائب فيصل كرامي عضو اللقاء التشاوري للنواب السنّة المستقلين أمس، أن اللقاء موحد بموقفه، خلافاً لما أشيع. وشدد كرامي بعد اجتماع اللقاء التشاوري على الالتزام بالمبادرة التي أطلقها الرئيس ميشال عون والتي تتضمن تمثيل اللقاء في الحكومة بوزير حصراً من حصته. ولفت كرامي إلى أن الحكومة يمكن أن تولد بعد ساعة واحدة إذا صفت نيات الجميع، مشيراً إلى أن اللقاء قدم 4 أسماء من بينهم اسم جواد عدرا، وإذا وافق الرئيس عون على عدرا فسيصبح ممثلاً للقاء التشاوري في الحكومة.
بدوره، أكد النائب قاسم هاشم أنّ من سيُمثل اللقاء التشاوري في الحكومة سيكون ممثلاً حصرياً للقاء في الظروف كافة. وقال إننا بانتظار كل التطورات، مشدّداً على أنّ اللقاء هو من عمل على تسهيل تشكيل الحكومة. وشدد قاسم على أن «الاسم الذي سيختاره رئيس الجمهورية ميشال عون نوافق عليه ويمثل اللقاء».
وبانتظار الحلحلة النهائية، أكد عضو تكتل «لبنان القوي» النائب إبراهيم كنعان أنه «سنكون يداً واحدة لنعطي النموذج أن هذا العهد سيكون استثنائياً بالفعل بالمحاسبة عند التقصير وبإعطاء الحقوق بلا منّة». ورأى كنعان أنه «مع ولادة الحكومة غداً على أبعد تقدير سنكون على مواعيد في ملفات عدة لتحمل الأمل والإمكانات لتحقيق الآمال فنستحق هذا الوطن ونعيش فيه مرفوعي الرأس».
بدوره، أكد وزير الدولة لشؤون التخطيط في حكومة تصريف الأعمال ميشال فرعون، ثقته بالرئيس المكلف سعد الحريري وعزمه على تطبيق القوانين والإصلاحات لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان، واعتبر أن «محطة تأليف الحكومة مهمة جداً نظراً للأزمات المتراكمة التي تواجهنا. إنما تأليف الحكومة لن يحل المشكلة ما لم يتم الاتفاق على إقرار الإصلاحات وتطبيقها بالسرعة المطلوبة». وأشار إلى أن «الإصلاحات ليست رفاهية، فالضرورة قصوى لإقرارها كي تعيد ثقة الخارج بلبنان وثقة المواطن اللبناني بالمؤسسات والدولة، لأن الأزمة باتت تصيب الدولة والقطاع الخاص والمواطن».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.