اتحاد الشغل التونسي يدرس المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة

«نداء تونس» ينظر في وضعية رئيس الحكومة داخل الحزب

عملية فرز الأصوات خلال انتخابات سابقة وسط تونس العاصمة (غيتي)
عملية فرز الأصوات خلال انتخابات سابقة وسط تونس العاصمة (غيتي)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدرس المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة

عملية فرز الأصوات خلال انتخابات سابقة وسط تونس العاصمة (غيتي)
عملية فرز الأصوات خلال انتخابات سابقة وسط تونس العاصمة (غيتي)

فاجأ «اتحاد الشغل»، كبرى نقابات العمال في تونس، الساحة السياسية بإعلانه عن إمكانية تقدم النقابة بمرشح للمنافسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ودخول الانتخابات البرلمانية ببرنامج سياسي متكامل، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها نقابة العمال صراحة عن إمكانية خوضها الانتخابات، والترشح بقائمات انتخابية نقابية.
وقال بوعلي المباركي، الرئيس المساعد للاتحاد، في تصريح إعلامي، إن «من حق أي قيادي من الاتحاد قانونياً الترشح. هذا من حيث المبدأ، لكن القرار يبقى بيد مؤسسات الاتحاد وهيئته الإدارية الوطنية (أعلى سلطة في نقابة العمال)»، على حد تعبيره.
وأضاف المباركي موضحاً أن «الترشح مطروح لدى الهيئة الإدارية الوطنية، ونحن معنيون بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. غير أننا ما زلنا نتناقش حول كيفية المشاركة».
ورداً على إعلان المباركي عن نوايا الاتحاد السياسية، أكد عبد اللطيف المكي، القيادي في حركة النهضة، أنه من حق الاتحاد أن يترشح مثل باقي الأطياف والأحزاب السياسية، وتوقع أن «تجعل مشاركته في الحكم الجميع واقعيين»، في إشارة إلى بعض مطالب النقابة، التي تعرضها الهياكل النقابية على الحكومة، والتي يعتبرها «مجحفة».
ولئن لم يبتعد «اتحاد الشغل» عن عالم السياسة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن بعض قياداته، في مقدمتهم حسين العباسي رئيس الاتحاد السابق، عبروا صراحة عن زهدهم في السلطة، خصوصاً خلال جلسات الحوار الوطني التي التأمت نهاية سنة 2013، وأدت إلى خروج «تحالف الترويكا» بزعامة حركة النهضة من الحكم.
ورجح المباركي ألا يكون «اتحاد الشغل» منافساً مباشراً لحزبه في حال تقدمه بمرشحين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، معتبراً أن أغلبية ناخبي «النهضة» هم من الطبقة الوسطى، وهو ما يجعل مهمة «اتحاد الشغل» عسيرة، على حد قوله.
في غضون ذلك، أكد العجمي الوريمي، القيادي في حركة النهضة، أن حزبه سينظر بداية من اليوم (السبت) خلال اجتماع مجلس الشورى في تثبيت التوافق السياسي الجديد مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وحزبي «المبادرة» بزعامة كمال مرجان، و«مشروع تونس» الذي يترأسه محسن مرزوق، بغية إضفاء المزيد من النجاعة على مستوى العمل البرلماني والأداء الحكومي.
ومنذ ثورة 2011 اتهمت القيادات السياسية المشاركة في الائتلاف الحاكم، من بينها حركة النهضة، «اتحاد الشغل»، بالانغماس في ممارسة السياسة بدل التفرغ لمشكلات العمال، واعتبرت مجموعة المواقف التي يتخذها من ميزانيات الدولة، أو المفاوضات الاجتماعية التي يخوضها، أو الاحتجاجات التي ينظمها ذات طابع سياسي، وبعيدة عن الدفاع عن مطالب العمال المهنية. لكن «اتحاد الشغل» ظل ينفي اهتمامه بالسياسة، مؤكداً أن عمله والمواقف التي يتخذها «ليست سوى مجرد اهتمام بالشأن الوطني». وشاركت قيادات نقابية تونسية سابقة في حكومات ما بعد الثورة، مثل عبيد البريكي الذي تولى وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، قبل أن تتم إقالته سنة 2017 من حكومة يوسف الشاهد، ومحمد الطرابلسي، الذي ما زال يتولى حالياً وزارة الشؤون الاجتماعية.
من ناحية أخرى، تستعد لجنة النظام الداخلي في حزب النداء (شق حافظ قائد السبسي) للنظر في وضعية رئيس الحكومة داخل الحزب، بعد أن أعلنت الحركة في سبتمبر (أيلول) الماضي تجميد عضويته، وذلك قبل عقد مؤتمرها الأول بداية السنة المقبلة. ورجحت مصادر من حزب النداء اتخاذ قرار باستبعاد الشاهد، بعد فشل جهود المصالحة بينه وبين نجل الرئيس التونسي، علاوة على استبعاد الوزراء الممثلين للحزب في حكومة الشاهد بعد رفضهم الاستقالة.
من جهة ثانية، أكد محمد التليلي المنصري، الرئيس المستقيل من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أن الحديث عن تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة السنة المقبلة، أمرٌ غير مطروح بالمرة بالنسبة لهيئة الانتخابات، واعتبر أن المواعيد «أصبحت معروفة، والروزنامة باتت محددة، ولا يمكن تأجيلها لأن ذلك خرق للدستور».



مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
TT

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

وصلت سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخُّل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن، عقب مشاركته في متابعة انتخابات الإقليم الرئاسية، والتي أُجريت قبل أيام، وسط ترقب إثيوبي تداعيات الاقتراع، خصوصاً مع نتائج أولية تشير إلى فوز مرشح المعارضة عبد الرحمن عبد الله.

الاستدعاء الدبلوماسي الصومالي، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يُعد امتداداً لسلسلة إجراءات تبنّتها مقديشو، منذ بداية العام، عقب رفضها توقيع إثيوبيا اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال»؛ بهدف «تأكيد سيادتها وتضييق الخناق دولياً عليه»، مع توقعات بإمكانية استئناف المفاوضات للذهاب إلى حلول قد تكون سبباً في سحب البساط من تحت أقدام أديس أبابا، وخفض التصعيد بمنطقة القرن الأفريقي.

واستدعت وزارة الخارجية الصومالية السفير الدنماركي ستين أندرسن؛ على خلفية «انتهاكه سيادة وحدة البلاد»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية بالبلاد، الأحد، عن وزير الخارجية أحمد معلم فقي، عقب «توجّهه ضمن بعض السفراء لدى البلاد إلى مدينة هرجيسا للمشاركة في الانتخابات التي جرت مؤخراً دون أن يعلنوا، في خطابهم، عن الدولة التي جرى تعيينهم سفراء لها، واخترقوا البروتوكول الدبلوماسي»، مؤكداً أن «موقف الحكومة واضح تجاه الانتخابات في أرض الصومال، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من البلاد».

وحذّر وزير الخارجية الصومالي «بعض السفراء لدى البلاد بكتابة مقال يتعارض مع وحدة وسيادة البلاد عند الإعلان عن نتائج الانتخابات في أرض الصومال، والتي تعد شأناً داخلياً».

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (رويترز)

خطوط حمراء

ولم تكن تلك الخطوة الأولى ضمن الخطوط الحمراء التي رسمتها مقديشو في رفضها المساس بسيادتها، حيث وقَّع الرئيس حسن شيخ محمود قانوناً يُلغي اتفاقاً مبدئياً وقّعته إثيوبيا، في يناير (كانون الثاني) 2024، مع إقليم «أرض الصومال»، والذي تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة.

وتوجهت مقديشو إلى الجامعة العربية، وحصلت على دعم إضافي باجتماع طارئ ذهب، في يناير (كانون الثاني) 2024، إلى أن المذكرة باطلة. وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة المتوترة علاقاتها مع أديس أبابا، ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وسط قلق إثيوبي، ومدّ مصر الصومال بأسلحة ومُعدات لمواجهة «الشباب» الإرهابية، وصولاً إلى إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، رسمياً، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029. وأرجع ذلك إلى «انتهاكها الصارخ سيادة واستقلال الصومال».

وباعتقاد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «قرار استدعاء السفير قد يُفهم بأنه تحرك دبلوماسي، في جزء من استراتيجية الصومال لتضييق الخناق على أرض الصومال، قبل العودة إلى أي مفاوضات مرتقبة، إذ تسعى الحكومة إلى تعزيز موقفها في مواجهة أي محاولات لانفصال أو استقلال أرض الصومال، مما قد يؤثر على استقرار المنطقة».

ويَعد المحلل الصومالي «قرار استدعاء سفير الدنمارك أيضاً خطوة تُظهر رغبة الحكومة في الحفاظ على سيادتها، ورفض أي تدخلات خارجية»، لافتاً إلى أن «تحرك بعض السفراء قد يُفسَّر بأنه في إطار ضغوط على الحكومة الصومالية لإحداث تغييرات معينة، أو قد يكون مجرد مراقبة روتينية للانتخابات والأوضاع السياسية، أو محاولة لتوسيع النفوذ الخارجي في منطقة تُعد ذات أهمية استراتيجية».

في المقابل، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، أن «تحركات السفراء الغربيين، احتفاء بالممارسة الديمقراطية التي تجري هناك لعدة دورات، وليست للتأثير على مقديشو»، موضحة أن «الدولة الغربية التي لديها تأثير كبير هي الولايات المتحدة، من خلال حلفها التاريخي مع إثيوبيا وتعاونهما في مكافحة الإرهاب».

أمل في استئناف المفاوضات

ورغم تلك الإجراءات فإن الصومال لم تقطع شعرة معاوية في التوصل لحلول. وأعرب وزير الخارجية أحمد معلم فقي، في كلمته، عن «أمله في استئناف المفاوضات مع إدارة أرض الصومال»، مؤكداً أن «الحكومة عازمة على إيجاد الحلول للشؤون الداخلية»، دون توضيح ماهية تلك الحلول.

وجاءت تلك الآمال الصومالية الرسمية، قبل أيام من إعلان نتائج الانتخابات في أرض الصومال المقررة في 21 نوفمبر الحالي، والتي تنافس فيها 3 مرشحين؛ بينهم الرئيس الحالي للإقليم موسى بيحي عبدي، والمعارض عبد الرحمن عبد الله، ومرشح حزب «العدالة والتنمية» فيصل ورابي، وجميعهم داعمون لمذكرة التفاهم، وتختلف رؤيتهم حول كيفية إدارة الأزمة مع الصومال. وتشير نتائج أولية إلى «تقدم كبير» للمعارض عبد الرحمن عبد الله، وفق وسائل إعلام صومالية.

وفي المقابل، استمرت إثيوبيا على موقفها الداعم لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وهنأته وزارة الخارجية الإثيوبية، الجمعة، على «النجاح في إجراء انتخابات سلمية وديمقراطية تعكس نضج الحكم». وسبقها، الخميس، تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية نبيات غيتاتشو أن «أديس أبابا ستواصل عملياتها الحاسمة لإضعاف حركة (الشباب الإرهابية)؛ بهدف ضمان عدم تشكيلها تهديداً للأمن القومي الإثيوبي»؛ في إشارة لعدم الخروج من مقديشو.

ولا يعتقد الخبير في الشؤون الأفريقية عبد المنعم أبو إدريس أن «يكون لنتيجة الانتخابات في أرض الصومال تأثير على علاقة مقديشو مع الإقليم، خاصة أن المرشح عبد الرحمن عبد الله لم يُظهر معارضة لمذكرة التفاهم مع إثيوبيا». ويستدرك: «لكن يمكن أن تعود المفاوضات بين مقديشو وأرض الصومال في حال كان هناك طرح لشكل فيدرالي يعطي الأقاليم المختلفة في الصومال الكبير قدراً من الاستقلالية».

ويعتقد المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري أن «تقارب مقديشو مع أرض الصومال قد يثير قلق أديس أبابا، وإذا كانت هناك رغبة في تعزيز العلاقات بين مقديشو وأرض الصومال، فقد تسعى إثيوبيا إلى عرقلة هذا المسار، ومن المحتمل أن تتدخل لإعادة تأكيد نفوذها في المنطقة، خاصةً في إطار مذكرة التفاهم القائمة».

ويؤكد أن «أي حل محتمل في هذه الأزمة سيكون له تأثير كبير على الأوضاع في القرن الأفريقي، واستقرار مقديشو وأرض الصومال، ويمكن أن يُفضي إلى تعزيز التعاون الإقليمي، بينما أي تصعيد قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة».