قلق بين المشرّعين الأميركيين من تداعيات رحيل ماتيس

دعوات لعقد جلسات استماع في الكونغرس حول قرار الانسحاب من سوريا

ترمب بعد توقيعه قانونا لإصلاح قضاء الأحداث في المكتب البيضاوي أمس (إ.ب.أ)
ترمب بعد توقيعه قانونا لإصلاح قضاء الأحداث في المكتب البيضاوي أمس (إ.ب.أ)
TT

قلق بين المشرّعين الأميركيين من تداعيات رحيل ماتيس

ترمب بعد توقيعه قانونا لإصلاح قضاء الأحداث في المكتب البيضاوي أمس (إ.ب.أ)
ترمب بعد توقيعه قانونا لإصلاح قضاء الأحداث في المكتب البيضاوي أمس (إ.ب.أ)

أثارت استقالة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، مساء أول من أمس، قلقاً داخل الكونغرس الأميركي المنشغل بخلافات داخلية تهدد بإغلاق الحكومة الفيدرالية.
وعبّر قادة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي عن القلق من تداعيات استقالة وزير الدفاع، الذي كان يعد قوة استقرار في إدارة الرئيس دونالد ترمب، وما تعنيه في إطار توجهات البيت الأبيض المقبلة وسياسته الخارجية ومكانته في المجتمع الدولي.
وبعد اجتماع في البيت الأبيض مساء الخميس بين الرئيس ترمب ووزير الدفاع استمر لمدة 45 دقيقة، وشابه الكثير من الخلافات حول قرار ترمب المفاجئ بالانسحاب من سوريا رغم توصيات قادته العسكريين، سلّم ماتيس استقالته.
ودافع ستيفن ميللر، كبير مستشاري ترمب بالبيت الأبيض، في تصريحات لشبكة «سي إن إن» عن قرارات ترمب بسحب القوات الأميركية، مشيراً إلى أنه يفي بوعوده الانتخابية التي أعلنها مراراً. وقال: «لقد انتخب الشعب الأميركي الرئيس ترمب وهو رئيس قوي للغاية وقوي ضد الإرهاب، فدعونا ندافع عن أمننا القومي ونضع أميركا أولاً. دعونا لا نسفك الدم الأميركي لمحاربة أعداء الدول الأخرى».
وغرّد ترمب مساء الخميس، قائلاً: إن ماتيس سيتقاعد في فبراير (شباط) المقبل، في حين اعتبره محللون تخفيفاً لقرار ماتيس بالاستقالة احتجاجاً على سياسات الرئيس. ولم يترك وزير الدفاع أي شك حول قراره في رسالة استقالته قوية اللهجة.
وأشارت مصادر بالبنتاغون، إلى أن الخلافات بين ماتيس والرئيس ترمب ليست جديدة، وأنها استمرت لأشهر عدة، لافتة في تصريحات للإعلام الأميركي، إلى أن وزير الدفاع عبّر عن رغبته في ترك منصبه في وقت ما بعد الانتخابات النصفية للكونغرس. ولطالما كان الجمهوريون يدافعون عن توجّهات إدارة ترمب وقراراته المفاجئة في أحيان كثيرة، وبخاصة مع وجود قادة عسكريين وخبراء في مجلس الأمن القومي يقدّمون له النصائح، ويمنعونه من القيام بخطوات وقرارات غير محسوبة. إلا أن قرار الانسحاب الكامل من سوريا والجزئي من أفغانستان، فضلاً عن استقالة وزير الدفاع الذي يحظى باحترام الحزبين، أثار غضب الكثير من الجمهوريين.
وفي العام الماضي، وصف أحد كبار قادة الحزب الجمهوري رئاسة ترمب بأنها محاطة بثلاثة «جنرالات» يحمون البلاد من الفوضى، هم وزير الدفاع جيم ماتيس، وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، وإيتش آر ماكماستر، مستشار الأمن القومي السابق. وأطلق على هذا الثلاثي في واشنطن أسماء مثل «محور الكبار» و«لجنة إنقاذ أميركا».
وفي الفترة الأولى لولاية ترمب، كانت الاجتماعات بينه وقادته العسكريين عبارة عن «جلسات إقناع» مدروسة بعناية تهدف إلى دفع الرئيس إلى التخلي عن بعض خطاباته المثيرة للجدل، وتقبل نصائح كبار مستشاري الأمن القومي.
أما اليوم، فإن جميع هؤلاء انسحبوا من الإدارة، مستقيلين أو مُقالين، وانتهت بذلك مرحلة «الحماية والتوجيه» التي كافح خلالها الجنرالات العسكريون والجمهوريون لكبح جماح ترمب وقراراته المربكة أحياناً كثيرة.
وباستقالة ماتيس، ومن قبله إعلان الجنرال جون كيلي، كبير موظفي البيت الأبيض، ترك منصبه بحلول نهاية العام على خلفية خلافات داخلية وصراع نفوذ داخل البيت الأبيض، ومن قبلهما الجنرال ماكماستر، فإن ترمب يتخلى عن كبار القادة العسكريين الذين لطالما تفاخر بوجودهم حوله.
وزادت مخاوف الجمهوريين خلال الأيام الماضية، مع رفض ترمب إبرام صفقة لإبقاء الحكومة مفتوحة، وانتقاده العلني مجلس الاتحادي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة، فضلاً عن إعلانيه المفاجئين حول سوريا وأفغانستان دون إبلاغ الكونغرس أو استشارة حلفائه.
وانتقد السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي يعدّ صديقاً مقرباً للرئيس، بشدة قرار الأخير سحب القوات الأميركية من سوريا، كما أبدى «حزناً شديداً» لرحيل ماتيس عن منصبه. ودعا في سلسلة تغريدات إلى تنظيم جلسات استماع في الكونغرس حول القرار المتعلق بسوريا، «وربما أفغانستان كذلك». كما عبّر غراهام عن قلقه من تداعيات القرار الأميركي على «حلفائنا الأكراد في سوريا». وتساءل: «هل هناك خطة لحماية حلفائنا بعد الانسحاب؟ نحن في حاجة إلى أجوبة الآن».
من جانبه، اعتبر السيناتور الجمهوري بوب كروكر، أن استقالة ماتيس «ليست مجرد تغيير في الموظفين في الإدارة الأميركية»؛ إذ إنه كان «آخر المسؤولين الذين يساعدون في إبعاد الولايات المتحدة عن الفوضى».
أما السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، فرأى أن «استقالة ماتيس توضح أننا نتجه نحو سلسلة من الأخطاء السياسية الخطيرة، التي ستعرّض بلادنا للأضرار وتضر تحالفاتنا، وتُمكّن خصومنا».
ووصف السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي استقالة ماتيس بأنها «أزمة أمن قومي»، قائلاً: إن وزير الدفاع استقال «إثر خلاف مع الرئيس الذي يدير سياسة بلادنا الخارجية. وهذه أزمة أمن قومي». وأشار ميرفي إلى أنه يتوقع أن تعاني وزارة الدفاع من أزمة معنوية بعد رحيل ماتيس؛ إذ إنه يتمتع بشعبية كبيرة داخل صفوف الجيش الأميركي «لم يسبق أن حظي بها وزير دفاع آخر»، على حدّ قوله.
وقال النائب الجمهوري مايك ماكول، رئيس لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب، للصحافيين، إنه كان «ينام مطمئناً بالليل لعلمه أن الجنرال ماتيس مسؤول عن الجيش الأميركي»، في حين حذّر النائب الجمهوري آدم كينزينجر من تداعيات «تجاهل النصائح العسكرية السليمة التي كان يقدمها الجنرال ماتيس».
بدوره، قال السيناتور الجمهوري مارك وارنر، عضو لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ: إن رحيل ماتيس يثير المخاوف، معتبراً أنه «كان حجر استقرار وسط فوضى إدارة ترمب». ووصف السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال استقالة ماتيس بأنها «أسوأ كابوس للجميع، وأنها أمر يترك فوضى في القيادة، ويمكن أن تزعزع الاستقرار في جميع أنحاء العالم».
أما السيناتور الجمهوري بن ساس، فهاجم تصريحات الرئيس الأميركي حول «القضاء على تنظيم داعش». وقال: «إننا في حالة حرب مع الإرهابيين في جميع أنحاء العالم، وهم ما زالوا في حرب معنا. لا يا سيدي الرئيس لم يتم القضاء على (داعش). هذا ليس صحيحاً».
ونقلت تقارير إعلامية تعبير مشرّعين من الحزبين عن رغبتهم في عقد جلسة استماع في الكونغرس يلقي فيها ماتيس ومسؤولو الأمن القومي السابقون بشهاداتهم حول مخاوفهم من قرارات ترمب، وتهديداتها للأمن القومي الأميركي، فضلاً عن تأكيد سلطة الكونغرس في إعلان الحرب وتقييد قدرة الرئيس على شن ضربة عسكرية. وصعّد الديمقراطيون من التأكيد على ضرورة مساءلة ترمب، وتحديد ما كانت قراراته تمثل تهديداً للديمقراطية والأمن القومي الأميركي.
ويقول مقربون من الجنرال ماتيس داخل البنتاغون: إنه حاول اتباع استراتيجية هادئة في مقابل تصريحات ترمب المثيرة لقلق الحلفاء والشركاء في العالم، وقاد مبادرات عدة في حلف شمال الأطلسي، وخطة لتعبئة القوات العسكرية بشكل أسرع للدفاع عن دول البلطيق في حال وقوع عدوان روسي. كما أكد للحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط الدعم الأميركي القوي لهم، بغضّ النظر عن التصريحات التي قد تكون خرجت من جهات أخرى.
ويقول المحلل السياسي جيفري تووبين: إن قرار ماتيس بالاستقالة هو علامة على أن الرئيس ترمب لن يتراجع عن قراراته وسياساته، ولا يرغب في تقديم تنازلات. ووصف تووبين استقالة ماتيس بأنها رحيل آخر «الكبار» في غرفة المشاورات للرئيس ترمب، بعد رحيل الجنرال ماكماستر والجنرال جون كيلي.
في حين يرى انكيت باندا، الباحث في معهد اتحاد العلماء الأميركيين، أن استقالة ماتيس ستجعل الكثير من الشركاء والحلفاء للولايات المتحدة يشعرون بالقلق؛ «لأن رمزاً لاستقرار السياسة الخارجية الأميركية قد رحل عن إدارة ترمب».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».