العونيون منقسمون بين متعجّل ومتريث لإحياء العلاقات مع سوريا

دمشق لم تتجاوز موقف باسيل حول لوحة الانسحاب من لبنان

جبران باسيل مطالباً بلوحة الخروج السوري من لبنان في نوفمبر الماضي في كسروان («الشرق الأوسط»)
جبران باسيل مطالباً بلوحة الخروج السوري من لبنان في نوفمبر الماضي في كسروان («الشرق الأوسط»)
TT

العونيون منقسمون بين متعجّل ومتريث لإحياء العلاقات مع سوريا

جبران باسيل مطالباً بلوحة الخروج السوري من لبنان في نوفمبر الماضي في كسروان («الشرق الأوسط»)
جبران باسيل مطالباً بلوحة الخروج السوري من لبنان في نوفمبر الماضي في كسروان («الشرق الأوسط»)

تقارب قيادة «التيار الوطني الحر» ملف إعادة إحياء العلاقات مع دمشق وفق وجهتي نظر مختلفتين، وتتم الإحاطة بهذا الملف بتأنٍّ، وإن كان ممثل عنهم، هو وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية في حكومة تصريف الأعمال بيار رفول يزور بشكل دوري العاصمة السورية دمشق، ويلتقي مسؤولين فيها. وفي الوقت نفسه، لا يبدي النظام السوري حماسته السابقة تجاه الانفتاح اللبناني الرسمي عليه، ولا يزال إعلان رئيس التيار جبران باسيل حول وضع لوحة الانسحاب السوري من لبنان «يترك حتى الساعة، انعكاسات على علاقة قيادة التيار بدمشق»، كما قال مصدر في 8 آذار لـ«الشرق الأوسط».
ويبدو واضحاً وجود مقاربتين مختلفتين داخل «البيت العوني» لملف إعادة إحياء العلاقات مع دمشق. ففيما يعتبر مصدر قيادي أنه «قد آن أوان الانكباب لاستعادة العلاقات المميزة بين البلدين»، لافتاً إلى «أننا أصلاً تأخرنا بذلك باعتبارنا كنا نراعي باقي الفرقاء اللبنانيين الذين ما زال بعضهم يرفض الفكرة رفضاً قاطعاً»، يرى النائب في «لبنان القوي» ماريو عون أن «الوضع الداخلي لا يزال دقيقاً، وأن فتح هذا الملف من شأنه أن يؤدي لعرقلة عمل الحكومة الجديدة قبل انطلاقته»، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على الوحدة الداخلية التي هي أهم من أي شيء آخر، وعلى وجوب ربط الموقف اللبناني من هذا الملف بالموقف العربي الموحد. ويضيف: «في حال اتخذت الجامعة العربية قراراً بإعادة تفعيل عضوية سوريا، عندها سيساعدنا ذلك في اتخاذ قرارات مختلفة».
ويشير عون إلى أن «التواصل أصلاً مع دمشق غير مقطوع باعتبار أن هناك وزراء لبنانيين يتواصلون مع زملائهم السوريين، ولا خلاف بالنسبة لنا كتيار وطني حر مع دمشق، لكننا لا نزال نعتقد أن لا إمكانية في الظروف الراهنة للذهاب باتجاه انفتاح شامل، تجنباً لخلاف داخلي كبير».
في المقابل، يربط قيادي عوني (تحفَّظ على ذكر اسمه)، بين أهمية المسارعة فور تشكيل الحكومة لفتح ملف العلاقة مع دمشق، ووجوب تهيئة الظروف المناسبة لاستفادة لبنان من عملية إعادة الإعمار في سوريا، التي ستؤدي لنهضة في الاقتصاد اللبناني.
ويُعتبر القيادي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا إمكانية لنجاح أي خطة اقتصادية أو لضمان عودة كبيرة للنازحين في حال لم نطرق أبواب دمشق بشكل مباشر».
وأصيبت علاقة «التيار الوطني الحر» بدمشق بانتكاسة كبيرة مع طلب رئيس التيار ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، الشهر الماضي، من نواب كسروان، أخذ الإذن اللازم لوضع لوحة عن الانسحاب السوري من لبنان، وقد سارع مسؤولون سوريون ونواب لبنانيون مقربون من دمشق لانتقاد موقف باسيل.
وقال مصدر في قوى 8 آذار مطلع على موقف «حزب الله»، أن موقف باسيل هذا شكّل «خطأً استراتيجياً قاتلاً، وهو لا يزال يترك حتى الساعة انعكاسات على علاقة قيادة التيار بدمشق». وأشار المصدر لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن سوريا التي كانت تدفع باتجاه إعادة انفتاح لبنان الرسمي عليها وتترقب زيارة الرئيس عون، لم تعد كذلك اليوم، فالمستجدات الأخيرة، خصوصاً زيارة الرئيس السوداني وما سيليها من زيارات، جعلت القيادة السورية غير متحمسة لأي خطوة لبنانية تجاهها، وهو ما سينعكس لا شك على إمكانية استفادة لبنان من عملية إعادة الإعمار».
وفي مقابلة حديثة له، أكد السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم، على أن «العلاقة التي تجمع بين لبنان وسوريا، البلدين الشقيقين، ليست متوترة ولكن ليست بالمستوى التي تفرضه مصلحة البلدين وحاجة البلدين، والتحديات التي يواجهها البلدان».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.