خطة ترميم عاجلة لانقاذ الحمامات الأثرية في القاهرة التاريخية

شرعت وزارة الآثار المصرية أخيراً في تنفيذ مشروع متكامل لإنقاذ 100 مبنى أثري عبر خطة عاجلة، لدرء المخاطر التي تحيط بها ولتنظيفها بعدما تحولت عشرات المباني الأثرية في القاهرة الإسلامية إلى مقالب رئيسية للقمامة ما تسبب في انهيار أجزاء كبيرة منها، وبخاصة الحمامات الأثرية بمنطقة الغورية والدرب الأحمر. ويستهدف مشروع حماية الآثار إنقاذ عدد من الحمامات الأثرية التي تعاني من تراكم المخلفات ومخاطر الانهيار بسبب سوء الحالة الإنشائية.
وفي إطار المشروع انتهت الوزارة أول من أمس، من أعمال تأهيل حمام «الشرايبي» العريق بمنطقة الغورية في القاهرة، في إطار مشروع مشترك مع المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث.
وقال المدير العام لمشروع القاهرة التاريخية محمد عبد العزيز، في بيان صحافي، أول من أمس: إن «الأعمال بدأت منذ 6 أشهر لتنفيذ خطة شاملة تهدف إلى درء المخاطر عن الموقع الأثري، بمنحة من مؤسسة الأمير كلاوس بهولندا، دون تحمّل وزارة الآثار أي أعباء مالية».
وأضاف عبد العزيز: «فريق العمل انتهى أيضاً من أعمال التوثيق الأثري والمعماري والفوتوغرافي الكامل للحمام، ورصد كل مظاهر التلف ومصادر الخطر ونقاط الضعف، حتى يتم البدء في أعمال التدعيم والصلب الإنشائي للحمام من الداخل خصوصاً بمنطقة الفرن، بالإضافة إلى أعمال ترميم الحمام معمارياً وإنشائياً».
ويرجع تاريخ إنشاء «حمام الشرايبي» إلى أواخر العصر المملوكي الجركسي عام 906 هجري و1500 ميلادي. وفي العصر العثماني عام 1732م، جدده التاجر المغربي محمد الداده الشرايبي «شهبندر التجار»، ليُعرف الحمام لاحقاً باسم «حمام الشرايبي».
من جهته قال رئيس مجلس أمناء مؤسسة إنقاذ التراث في مصر، عبد الحميد الشريف: «إن الأعمال تضمنت إزالة جميع المخلفات الموجودة بالموقع، والتي بلغت 235 طناً من المخلفات المنزلية والإنشائية، فضلاً عن التدعيم الإنشائي لخمسة عناصر معمارية».
ويقع «حمام الشرايبي» في شارع الحمزاوي بالغورية، وسط القاهرة، وله بابان أحدهما بجوار الحمزاوي بالقرب من كنيسة الأروام، والثاني من جهة الفحامين بالقرب من جامع قنصوة الغوري. فيما يقع الباب الثاني على مقربة من وكالة الشرايبي، التي كان تباع فيها المنسوجات الهندية والخزف الصيني خلال الدولة العثمانية.
وتشتهر منطقتا الغورية والدرب الأحمر بالقاهرة بوجود عدد كبير من الحمامات الأثرية التي يعاني الكثير منها من إهمال شديد على مدار العقود الماضية لعدم تطويرها وترميمها بما يتناسب مع أهميتها التاريخية والأثرية وقيمتها المعمارية النادرة.
وقال مدير عام مشروع القاهرة التاريخية في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «انتهينا من تأهيل وإنقاذ أكثر من 42 مبنى أثرياً في نطاق القاهرة التاريخية في إطار مشروع إنقاذ 100 مبنى أثري».
وأوضح أن «حالة بعض الحمامات الأثرية بمنطقة القاهرة التاريخية سيئة جداً، وبخاصة (حمام الدود)، بمنطقة الدرب الأحمر، ويجري حالياً وضع خطة عاجلة لإنقاذه مثل (حمام الشرايبي)، من خلال رفع المخلفات والتنظيف وتدعيم جدرانه بقوائم معدنية لتفادي انهياره».
ولفت عبد العزيز إلى أن «مشروع إنقاذ المباني الأثرية بمنطقة القاهرة التاريخية بدأ في عام 2015، وهي منطقة أثرية مهمة بعد انضمامها إلى قائمة التراث العالمي في عام 1979 بناءً على توصية المجلس الدولي للآثار والمواقع (الإيكومس)، حيث اعتبرت المدينة تراثاً إنسانياً، يجب إحياؤه والحفاظ عليه في ضوء القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية».
وتشير ملامح «مشروع إنقاذ 100 مبنى أثري». الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة لملخصه، إلى حجم المشكلات المتراكمة الكبيرة التي تعاني منها المباني الأثرية في نطاق القاهرة التاريخية، بسبب العوامل الطبيعية والبيئية، أو البشرية مثل الضغوط الاجتماعية، والاقتصادية، وفقر البنية التحتية، والاستيطان غير القانوني، والتعدي الجائر ومشكلات المرور والمواصلات.
وأوضح القائمون على المشروع أن عدم توافر الإمكانيات المالية، يعد سبباً رئيسياً لعدم وجود مشروع متكامل لترميم كل الآثار بشكل تام، إذ تقضي الخطة بالتدخل الانتقائي لـ100 مبنى أثري في نطاق القاهرة التاريخية لتحديد عوامل التلف التي تستلزم سرعة التدخل، وهو إطار عمل يسمح بترميم أكبر عدد مستهدف من المنشآت الأثرية بتكلفة أقل وتوقيت أسرع مع تحديد قائمة وخطة عمل لكل أثر يتم العمل بها في إطار مشروع صيانة وترميم واحد يمكن من خلاله استغلال الطاقات البشرية الموجودة حالياً بوزارة الآثار من أثريين ومرممين ومهندسين، والتي تتخطى عشرة آلاف متخصص في مجال ترميم الآثار.
جدير بالذكر أن المدينة التاريخية للقاهرة تغطي نحو 32 كيلومتراً مربعاً تقريباً على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتحيط بها من كل الاتجاهات أحياء معاصرة من القاهرة الكبرى، وتضم عدداً كبيراً من أبرز الآثار الإسلامية النادرة الموجودة في العالم، أبرزها: منطقة الفسطاط، وجامع عمرو بن العاص، وقلعة صلاح الدين الأيوبي، وجامع أحمد بن طولون، بالإضافة إلى منطقة القاهرة الفاطمية وما تضمه من آثار فريدة مثل: باب زويلة، وباب الفتوح، وباب النصر، وشارع المعز لدين الله الفاطمي. وتهدف الحملة إلى إنقاذ العديد من المباني الأثرية صغيرة الحجم، كبيرة الأهمية، والتي تم إهمالها وتحتاج إلى درء خطورة وتدخل بسيط لإظهارها وإعادتها لدورها في المجتمع من خلال إزالة الأنقاض والمخلفات التي تقع في نطاق الآثار وجعلها قابلة للزيارة والاستخدام.