«مفاجأة ترمب» تطلق سباقاً لملء الفراغ شرق سوريا

قوات أميركية شرق سوريا (أ.ف.ب)
قوات أميركية شرق سوريا (أ.ف.ب)
TT

«مفاجأة ترمب» تطلق سباقاً لملء الفراغ شرق سوريا

قوات أميركية شرق سوريا (أ.ف.ب)
قوات أميركية شرق سوريا (أ.ف.ب)

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانسحاب من سوريا، شكل مفاجأة لحلفائه السوريين والإقليميين والدوليين والمسؤولين في الإدارة الأميركية من جهة، وخصوم واشنطن في سوريا والشرق الأوسط والعالم من جهة أخرى.
غالباً ما كان المسؤولون الأميركيون يتركون هامشا في قراراتهم المتعلقة ببقاء القوات الأميركية شرق نهر الفرات ومنبج شمال شرقي حلب وفي قاعدة التنف في زاوية الحدود السورية - العراقية - الأردنية، لاحتمال حصول مفاجأة من الرئيس ترمب باعتباره صاحب القرار الأخير. لكن قرار أمس لم يخل من عامل المفاجأة لأنه تحدث عن «انسحاب كامل وسريع» من دون أي تنسيق مع المؤسسات العسكرية الأميركية والشركاء في التحالف الدولي ضد «داعش» والحلفاء المحليين في «قوات سوريا الديمقراطية» والإقليميين والدوليين.
في أبريل (نيسان)، ظهر أن ترمب اتخذ قرار الانسحاب، لكن حلفاءه ومستشاريه تمكنوا من إقناعه بعدم تحديد جدول زمني لذلك لأن هزيمة تنظيم داعش لم تكتمل بعد. وعليه، زاد الانخراط الأميركي وجرى توسيع القواعد العسكرية وأرسلت دول غربية مثل فرنسا وإيطاليا قوات خاصة إضافية لتنضم إلى الوحدات الخاصة الأميركية وتضم ألفي عنصر.
كما زادت في تسليح وتدريب «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية وشكلت قوات «حدود»، إضافة إلى إقناع دول حليفة بزيادة التمويل والمساهمة في سياسة الاستقرار في المناطق المحررة من «داعش» وتدريب 35 - 40 ألف عنصر من القوات المحلية.
بل إن المسؤولين الأميركيين قدموا ثلاثة أهداف للوجود الأميركي شرق سوريا، هي: هزيمة «داعش» ومنع ظهوره، واحتواء إيران، ودعم سياسة وزير الخارجية مايك بومبيو لتحقيق حل سياسي في سوريا بموجب القرار 2254.
لكن ترمب أعلن أمس أن التنظيم «هزم»، بعد ساعات من إعلان المبعوث الأميركي في التحالف الدولي بريت ماكغورك أن «داعش» لا يزال قائماً ورغم اعتبار خبراء أن التنظيم لا يزال يشكل تهديدا وقد شن هجمات ضد حلفاء أميركا.
وقال الخبير البريطاني في مكافحة الإرهاب تشارلز ليستر: «الهدف الأساسي الذي ذكرته إدارة ترمب مراراً وتكراراً للبقاء في سوريا هو الهزيمة الدائمة لـ(داعش) وهذا يتطلب سنوات لجعل هذه الحقيقة واضحة، كما أن التنظيم أعلن المسؤولية عن هجوم في الرقة قبل 10 دقائق فقط قبل تغريدة ترمب»، إضافة إلى الإعلان عن قتل التنظيم لـ700 مقاتل من حلفاء أميركا خلال فترة وجيزة في معارك الجيب الأخير شرق الفرات.
هذه هي المدينة التي حررها حلفاء أميركا من «داعش» قبل سنة، ويتم فيها نشر القوات الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية ودبلوماسيين أميركيين. وفي أغسطس (آب)، أعلنت وزارة الدفاع (بنتاغون) وجود 14500 من عناصر «داعش». ولا شك أن هذه المعلومات موجودة على مكتب ترمب.
وكان ترمب قال في حملته الانتخابية إن سلفه باراك أوباما «أسس» تنظيم داعش لأنه انسحب مبكرا من العراق في 2011 واستخدم حلفاء واشنطن هذه المعادلة لإقناع الرئيس ترمب بالتراجع عن قراره في أبريل الماضي. وقال ليستر: «خطوة ترمب هي انسحاب وليست نصرا ضد (داعش)».
كما أن «الهدفين» الآخرين اللذين كانا يستخدمان لوجود أميركا في سوريا، لم يتغيرا: الوجود الإيراني لا يزال قائما، بل إن طهران سعت إلى تجنيد عناصر سورية ضمن ميليشيات جنوب نهر الفرات، إضافة إلى أن التسوية السياسية مجمدة في وقت لم يعلن المبعوث الدولي الجديد تشكيل اللجنة الدستورية السورية لتنفيذ القرار 2254.
وبحسب المعلومات لـ«الشرق الأوسط» فإن شرارة قرار ترمب ولدت في اتصاله الأخير مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي كان حشد قواته وفصائل سورية للتوغل شرق نهر الفرات، إذ سأل الأخير عن موعد الانسحاب من سوريا، فاستغرب ترمب وجود القوات الأميركية إلى الآن. وعليه، غرد الرئيس ترمب ثم أبلغ مساعديه بقراره. وصباح أمس، تم تبليغ قادة «وحدات حماية الشعب» الكردية و«قوات سوريا الديمقراطية» بقرار أميركي بتفكيك نقاط المراقبة على حدود سوريا مع تركيا وتسريع الانسحاب الكردي من منبج.
كان الاعتقاد أن ذلك ضمن خطوات لبناء الثقة بين أنقرة وواشنطن، وضمن برنامج أكبر لتطوير العلاقات شمل: إقرار بيع أمس منظومة «باتريوت» الأميركية بقيمة 3.5 مليار دولار إلى أنقرة التي أقرت شراء منظومة «إس 400» من موسكو، وإقرار صفقة مقاتلات «إف 35» الأميركية للجيش التركي، وبحث تسليم المعارض التركي عبد الله غولن.
وإذ بدا أن أنقرة مرتاحة لقرار ترمب، فإن حلفاء واشنطن من الأكراد السوريين شعروا بـ«خيانة وطعنة في الظهر» وإن حلفاء دوليين بدأوا سلسلة اتصالات مكثفة مع المسؤولين الأميركيين للتريث بالتنفيذ بإقرار جدول زمني لخروج القوات الأميركية بحيث يصل إلى أربعة أشهر (120 يوما) لبحث ترتيبات ملء الفراغ للانسحاب الأميركي واحتمال ابقاء الحظر الجوي، لكن لا شك أن القرار أطلق سباقا على منطقة شرق نهر الفرات (تشكل 30 في المائة من مساحة سوريا وتضم 90 في المائة من النفط ونصف الغاز السوري) بين تركيا وروسيا وإيران وقوات الحكومة السورية (تسيطر على 60 في المائة من البلاد).
من بين الاحتمالات حصول تركيا على شريط أمني على طول الحدود السورية - التركية لضرب الأكراد وابعادهم عن الحدود وتنفيذ خطة منبج، وإقامة منطقة عازلة مقابل استعادة دمشق السيطرة بترتيبات إدارية وأمنية على قلب شرق نهر الفرات، وجدولة لـ«تحديد» الدور الإيراني في سوريا مقابل «تعمق الدور العربي».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.