الأزمة الليبية تعمق مشاكل صندوق الدعم في تونس

الدينار التونسي في أدنى مستوياته مقابل الدولار الأميركي

تضاعفت نفقات صندوق الدعم بين عامي 2010 و2014 ست مرات دفعة واحدة نتيجة اضطراب منظومة الإنتاج (تصوير: ماهر يحيى)
تضاعفت نفقات صندوق الدعم بين عامي 2010 و2014 ست مرات دفعة واحدة نتيجة اضطراب منظومة الإنتاج (تصوير: ماهر يحيى)
TT

الأزمة الليبية تعمق مشاكل صندوق الدعم في تونس

تضاعفت نفقات صندوق الدعم بين عامي 2010 و2014 ست مرات دفعة واحدة نتيجة اضطراب منظومة الإنتاج (تصوير: ماهر يحيى)
تضاعفت نفقات صندوق الدعم بين عامي 2010 و2014 ست مرات دفعة واحدة نتيجة اضطراب منظومة الإنتاج (تصوير: ماهر يحيى)

بتوافد أكثر من 20 ألف ليبي على تونس خلال الأيام الأخيرة، تعالت الأصوات بشأن انعكاس استقرار الآلاف من الليبيين على الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تونس، خاصة مسائل المنتجات المدعومة من قبل الحكومة على غرار المواد الغذائية والمحروقات. وذكر خبراء اقتصاديون تونسيون أن الأزمة الاقتصادية ستصبح خانقة، وأنها قد تتجاوز كل الخطوط الحمراء، في حال عدم اتخاذ إجراءات فورية لتوجيه الدعم لمستحقيه.
وبإضافة الوافدين الليبيين الجدد على تونس، إلى أكثر من مليوني ليبي استقروا منذ سنة 2011 في البلاد، تكون الأزمة الاقتصادية قد تعمقت، وآثارها ستكون منعكسة على القدرة الشرائية للتونسيين وعلى مجمل مناحي الحياة على غرار المساكن وأسعار العقارات ومختلف مؤشرات الأسعار.
وتضاعفت نفقات صندوق الدعم بين عامي 2010 و2014 ست مرات دفعة واحدة نتيجة اضطراب منظومة الإنتاج، وضعف إمكانيات الدولة في ظل تنامي الاستهلاك وارتفاع الطلبات على مختلف المواد الاستهلاكية. وكانت ميزانية صندوق الدعم في حدود 950 مليون دينار تونسي (نحو 600 مليون دولار) سنة 2010، لتقدر خلال هذه السنة بنحو ستة آلاف مليون دينار (نحو 4 مليارات دولار أميركي)، وهو ما يمثل نحو 20 في المائة من إجمالي ميزانية تونس.
ولمح خبراء في الاقتصاد إلى تنامي عدم توازن ميزان المحروقات خلال الفترة المقبلة، وذلك نتيجة ارتفاع الاستهلاك وانتفاع الآلاف من العائلات الليبية بالمحروقات التونسية المدعومة من الدولة. وأضافوا أن السيارات الليبية الفارهة معروفة بارتفاع استهلاكها للمحروقات من النوع الرفيع، وهو ما سيعجل بظهور أزمة محروقات تونسية.
وقال أحد العاملين في محطة للمحروقات بتونس العاصمة إن الإقبال كان كبيرا خلال الأيام الأخيرة على المحروقات خشية ظهور أزمة في الوقود. وتساءل إن كان من حق السياح واللاجئين من مختلف الجنسيات التمتع بالمنتجات المدعومة في تونس خاصة أن ليبيا على سبيل المثال من البلدان المنتجة للنفط خلافا لتونس. وقال إن «الليبيين تركوا النفط في ليبيا بأسعار بخسة وحلوا بيننا ليتمتعوا بالمحروقات المدعمة من قبل الحكومة، وتلك من بين العجائب»، على حد قوله.
وتوجه نسبة 70 في المائة من الاعتمادات المالية المخصصة للدعم نحو المحروقات، وتحظى المنتجات الغذائية (الحبوب ومشتقاتها والسكر والمصبرات الغذائية على الخصوص) ببقية الاعتمادات. ولا يتمتع التونسيون من الفئات الفقيرة إلا بنحو 12 في المائة من مبالغ الدعم، ويتمتع ببقية الاعتمادات بعض المؤسسات العمومية والمطاعم والمحلات العاملة في مجال المرطبات والمخابز.
واقترح بعض الخبراء في المجال الاقتصادي فرض إتاوة على الليبيين المقيمين في تونس لتعديل نفقات صندوق الدعم، وقدروها بما بين 20 و30 دولارا أميركيا في الشهر حتى تتمكن تونس من تجنب الارتفاع المشط في أسعار المواد الغذائية الأساسية وكذلك أسعار المحروقات، وتفادي أزمة اقتصادية فادحة.
لكن المواقف الرسمية للحكومة التونسية لم تذهب في هذا الاتجاه. وكان المنجي الحامدي، وزير الشؤون الخارجية التونسي، قد عبر عن صعوبات جمة من قبل تونس في تحمل أعداد إضافية من اللاجئين، وقال إن الوضع الاقتصادي التونسي غير مناسب لاستقبال المزيد من الفارين من المواجهات المسلحة في ليبيا. ولمحت الحكومة التونسية إلى ضرورة التزام القادمين الجدد إلى تونس بمغادرتها واعتبار دخول تونس مرحلة عبور وليس لجوءا متواصلا، وعملت على تطبيق هذه الخطة على اللاجئين المصريين الذين أجلتهم عبر مطار جربة القريب من الحدود التونسية الليبية إلى مصر في رحلات جوية مباشرة.
في غضون ذلك، ونتيجة للوضع الأمني غير المستقر على الحدود بين تونس وليبيا، فقد سجل الدينار التونسي أدنى مستوياته مقابل الدولار الأميركي.
ووفق بيانات البنك المركزي التونسي ليوم الجمعة، فإن الدولار الأميركي يعادل 1.7173 دينار تونسي، وهو أرفع مستوى له خلال النصف الأول من السنة الحالية. وفسر فتحي النوري، الخبير الاقتصادي التونسي، هذا التراجع بالعجز المتنامي لميزان الدفوعات والنقص الفادح على مستوى مداخيل القطاع السياحي من العملات الأجنبية. واقترح النوري الضغط على الواردات في ظل ضعف الإنتاج وتراجع الصادرات، للحد من تفاقم مشاكل الميزان التجاري الذي يؤثر على قيمة الدينار التونسي.



السعودية... نظام جديد للبتروكيماويات لتعزيز كفاءة قطاع الطاقة وتحقيق الاستدامة

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
TT

السعودية... نظام جديد للبتروكيماويات لتعزيز كفاءة قطاع الطاقة وتحقيق الاستدامة

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)

يمثل إقرار مجلس الوزراء السعودي «نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية» خطوة استراتيجية على طريق تعزيز المنظومة التشريعية لقطاع الطاقة في البلاد، وتنفيذ مستهدفاتها الوطنية، وتحقيق أمن الطاقة، وضمان استدامة وموثوقية الإمدادات، ودعم توطين سلسلة القيمة في القطاع، وخلق فرص عمل جديدة، وفق ما صرح به مختصون لـ«الشرق الأوسط».

والسعودية من بين أكبر منتجي البتروكيماويات في العالم، وهو القطاع الذي توليه أهمية في إطار عملية التنويع الاقتصادي. من هنا، فإنه يمثل حصة كبيرة من صادراتها غير النفطية. ويبلغ الإنتاج السنوي من البتروكيماويات في السعودية نحو 118 مليون طن.

وكان الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة، قال إن «نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية يأتي ليحقق عدداً من المستهدفات، في مقدمتها؛ تنظيم العمليات البترولية والبتروكيماوية، بما يسهم في النمو الاقتصادي، ودعم جهود استقطاب الاستثمارات، وزيادة معدلات التوظيف، ورفع مستويات كفاءة استخدام الطاقة، ويُسهم في حماية المستهلكين والمرخص لهم، ويضمن جودة المنتجات، وإيجاد بيئة تنافسية تحقق العائد الاقتصادي العادل للمستثمرين».

زيادة التنافسية

يقول كبير مستشاري وزارة الطاقة السعودية سابقاً، الدكتور محمد سرور الصبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «(نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية) سيلعب دوراً كبيراً في إعادة هيكلة وبناء المنظومة التشريعية لقطاع الطاقة، والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة وأفضل الممارسات الدولية، بما يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية في تطوير هذا القطاع الحيوي وتعظيم الاستفادة منه»، مضيفاً أنه «سيزيد من القدرة التنافسية بين شركات البتروكيماويات وسيدعم جهود السعودية لتعزيز أمن الطاقة؛ سواء للاستخدام المحلي ولتصدير بعض المنتجات والنفط الخام إلى الأسواق العالمية».

وأشار الصبان إلى أن النظام الجديد سيساهم في استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى السوق السعودية؛ «مما سيعزز معدلات التوظيف، ويرفع كفاءة استخدام الطاقة، ويساعد في ترشيد استهلاك الطاقة ومنتجات البتروكيماويات واقترابها من المعدل الفردي العالمي»، لافتاً إلى أن «تنظيم العمليات النفطية والبتروكيماوية يساهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق المستهدفات السعودية في أمن الطاقة».

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)

تنظيم العمليات التشغيلية

من جهته، قال محمد حمدي عمر، الرئيس التنفيذي لشركة «جي وورلد» المختصة في تحليل بيانات قطاعات الاستثمارات البديلة، لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام «يُسهم في تحقيق أهداف متعددة، تشمل رفع كفاءة الأداء في القطاع، وتحقيق المستهدفات الوطنية، وتنظيم العمليات النفطية والبتروكيماوية. كما تكمن أهمية النظام في تلبية احتياجات القطاع عبر تطوير الإطار القانوني بما يواكب أفضل الممارسات العالمية».

وأضاف أن النظام «يمثل نقلة نوعية، ويحل محل نظام التجارة بالمنتجات النفطية السابق، ويهدف إلى تنظيم العمليات التشغيلية، بما في ذلك أنشطة البيع، والشراء، والنقل، والتخزين، والاستيراد، والتصدير، كما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد النفطية والبتروكيماوية، مما يعزز من حماية المستهلكين والمستثمرين، ويدعم توفير بيئة تنافسية عادلة».

وأشار حمدي إلى أن النظام يضمن حماية المستهلكين والمرخص لهم؛ «مما يعزز من ثقة السوق ويضمن جودة المنتجات، بالإضافة إلى دعم استقطاب الاستثمارات من خلال توفير بيئة تنظيمية واضحة وشفافة، تعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، كما يُسهم في تحقيق أمن الطاقة عبر ضمان استدامة وموثوقية الإمدادات، فضلاً عن دعم توطين سلسلة القيمة في القطاع، وخلق فرص عمل جديدة».

ويرى حمدي أن النظام يعكس التزام السعودية بتحقيق أهداف «رؤية 2030»، عبر «تعزيز كفاءة قطاع الطاقة، وتنظيم عملياته، وحماية حقوق المستهلكين والمستثمرين، مما يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني»، مشيراً إلى «أننا سنرى تحولاً كبيراً في القطاع بعد العمل بهذا النظام، ودخول استثمارات أجنبية جديدة أكثر مع وضوح الرؤية المستقبلية للاستثمار في هذا القطاع الحيوي».

مواكبة التحولات الكبيرة

أما المحلل الاقتصادي طارق العتيق، فقال لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا النظام «خطوة استراتيجية في مواكبة التحولات الكبيرة التي يشهدها قطاعا الطاقة والبتروكيماويات عالمياً والقطاعات المرتبطة بهما. كما يسهم في دعم الصناعات التحويلية وتعزيز قيمتها وإضافتها إلى الاقتصاد المحلي والمنتج الوطني، بما يخدم مصلحة تعزيز الصناعات ذات القيمة المضافة والتنويع الاقتصادي وتحقيق أهداف (رؤية 2030) في هذا السياق».

وأشار العتيق إلى أن النظام ستكون له مساهمات مهمة في تحفيز وتنمية الصناعات المحلية بقطاع البتروكيماويات، «مثل صناعات البلاستيك والمطاط وقطع الغيار... وغيرها، وفي الاستفادة من الميزة التنافسية التي تمتلكها السعودية في إنتاج المواد الأولية، وأهمية استغلالها في تصنيع منتجات نهائية تلبي الطلب المحلي والإقليمي. كما أنه سيسهم في رفع التنافسية بالقطاع ويزيد مساهمته في خلق الوظائف والتوطين، ونقل المعرفة والخبرات إلى سوق العمل السعودية».