هدوء حذر في الحديدة بعد اشتباكات عنيفة سبقت سريان اتفاق الهدنة

اللجنة المشتركة لمراقبة وقف النار تبدأ عملها خلال 24 ساعة

مقاتلون موالون للشرعية في الخوخة بالحديدة أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون موالون للشرعية في الخوخة بالحديدة أمس (أ.ف.ب)
TT

هدوء حذر في الحديدة بعد اشتباكات عنيفة سبقت سريان اتفاق الهدنة

مقاتلون موالون للشرعية في الخوخة بالحديدة أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون موالون للشرعية في الخوخة بالحديدة أمس (أ.ف.ب)

يسود هدوء حذر شوارع مدينة الحديدة في غرب اليمن منذ صباح أمس، بعد اشتباكات عنيفة اندلعت إثر دخول اتفاق وقف إطلاق النار الذي ترعاه الأمم المتحدة حيز التنفيذ، واستمرت لنحو 3 ساعات.
وكانت الأمم المتحدة حدّدت منتصف ليل الاثنين (الثلاثاء)، موعداً لبدء سريان الهدنة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، المعترف بها دولياً، والمتمردين الحوثيين، رغم أنّ اتفاق الهدنة الذي تمّ التوصل إليه الخميس في السويد نصّ على وقف فوري لإطلاق النار. لكن بعيد حلول منتصف الليل، اندلعت اشتباكات عنيفة في شرق الحديدة، بحسب مسؤول في القوات الحكومية وسكان في الحديدة.
وقبل وقت قصير من بدء سريان الهدنة، طلبت وزارة الدفاع في الحكومة اليمنية، من قواتها «إيقاف إطلاق النار في محافظة الحديدة ومدينة الحديدة»، حسب قرار وكالة الصحافة الفرنسية. بدورهم، تعهد المتمرّدون وقف إطلاق النار. وكتب المسؤول السياسي في صفوف المتمرّدين محمد عبد السلام على حسابه على «تويتر»: «نؤكّد الالتزام بالاتفاق... ووقف العمليات العسكرية في محافظة الحديدة منتصف هذه الليلة». وكان مصدر في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، أكّد يوم الاثنين أن التحالف «لا نيّة لديه لخرق الاتفاق، وسيقوم بكل ما بوسعه لاحترامه».
وتوصّلت الحكومة اليمنية والانقلابيون في محادثات بالسويد استمرت لأسبوع، واختتمت الخميس، إلى اتفاق لسحب القوات المقاتلة من مدينة الحديدة ومينائها الحيوي الذي يعتمد عليه ملايين اليمنيين للتزوّد بالمؤن، ووقف إطلاق النار في المحافظة. كما اتفق الجانبان على التفاهم حيال الوضع في مدينة تعز (جنوب غرب)، وعلى تبادل نحو 15 ألف أسير، وكذلك أيضاً على عقد جولة محادثات جديدة الشهر المقبل لوضع الأطر لاتفاق سلام ينهي الحرب.
من جهة ثانية، أكّد مصدر في الأمم المتحدة، أن «لجنة تنسيق إعادة الانتشار» المؤلفة من ممثلين عن طرفي النزاع اليمني، ستبدأ عملها في مراقبة وقف إطلاق النار في الحديدة (غرب) خلال 24 ساعة. وقال المصدر: «يُتوقع أن تبدأ لجنة تنسيق إعادة الانتشار عملها في غضون الـ24 ساعة المقبلة». وينص الاتفاق الذي تم توصل إليه في السويد الأسبوع الماضي على إنشاء لجنة مشتركة برئاسة الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار في الحديدة وعملية الانسحاب من المدينة وموانئها.
وبموجب الاتفاق، ستشرف اللجنة على «عمليات إعادة الانتشار والمراقبة. وستشرف أيضاً على عملية إزالة الألغام من مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى» في المحافظة الواقعة في غرب اليمن. ومن المفترض أن يقوم رئيس اللجنة بتقديم تقارير أسبوعية حول امتثال الأطراف بالتزاماتها.
أكدت مصادر أممية لـ«الشرق الأوسط» أن الجانب الحكومي والجماعة الحوثية قدما أسماء ممثليهم في اللجنة المشتركة الخاصة بمراقبة وقف إطلاق النار وتنفيذ اتفاق السويد، بواقع 3 أشخاص من كل طرف. وذكرت مصادر الجماعة الحوثية أنها اختارت لتمثيلها في اللجنة، 3 من القيادات الموالية لها. هم علي الموشكي وعلي سعيد الرزامي ومنصور السعادي. وذكرت المصادر الأممية لـ«الشرق الأوسط» أن أول اجتماع لأعضاء اللجنة سيكون بواسطة دائرة تلفزيونية، قبل الوصول المتوقع مع نهاية الأسبوع لرئيس الفريق الأممي الجنرال باتريك كامرت إلى الحديدة رفقة أعضاء الفريق.
وأفادت المصادر المحلية في الحديدة بأن الجماعة الحوثية واصلت أمس إطلاق قذائف المدفعية والهاون من وقت لآخر مستهدفة القرى والأحياء الجنوبية والشرقية لمدينة الحديدة، على الرغم من سريان وقف إطلاق النار. وأكدت المصادر أن الجماعة الحوثية في غضون ذلك واصلت إقامة التحصينات وإغلاق الشوارع وحفر الخنادق في بعض أحياء المدينة، بالتوازي مع حملات اختطاف واعتقالات طالت العشرات من سكان المدينة الذين تتهمهم الجماعة بعدم الخضوع لسلطاتها الانقلابية وموالاة الحكومة الشرعية.
وبحسب مصادر حقوقية وشهود تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، قامت الجماعة الحوثية أمس بنقل العشرات من المختطفين في سجون الحديدة إلى معتقلات خاصة خاضعة للجماعة في مدينة حجة بتعليمات من القيادي المقرب من زعيم الجماعة نايف أبو خرشفة.
وذكرت المصادر أن الجماعة اقتادت المخطوفين على متن حافلتين من سجن الأمن السياسي الخاضع للجماعة في مدينة الحديدة، رفقة حراسات أمنية، قبل أن تتوجه بهم إلى مدينة حجة التي يشرف عليها القيادي أبو خرشفة، المتهم بارتكاب مئات الانتهاكات بحق المختطفين.
ومن المقرر، بحسب الرواية الحكومية، أن يقود اتفاق السويد بشأن الحديدة في نهايته إلى انسحاب الميليشيات الحوثية من المدينة ومينائها الرئيسي، إضافة إلى مينائي رأس عيسى والصليف، قبل أن تخضع جميع المناطق في المحافظة للسلطات المحلية وموظفي الدولة الحكوميين قبل اقتحام الجماعة للمدينة في 2014.
ويقضي الاتفاق في مرحلته الأولى بإعادة انتشار القوات الحكومية إلى جنوب الخط الرابط بين صنعاء والحديدة، فيما تنسحب الميليشيات الحوثية إلى شمال الخط نفسه، قبل أن تبدأ خطوات انسحاب القوات إلى أماكن خارج المدينة، من المقرر أن تحددها اللجنة التي يقودها الجنرال الهولندي باتريك كامرت.
وكانت الجماعة الموالية لإيران استبقت دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وقامت بنهب العربات والحاويات الموجودة في ميناء الحديدة، إضافة إلى نهب كثير من المؤسسات الحكومية في المدينة ونقلت المنهوبات إلى صنعاء وصعدة، طبقاً لاتهامات مسؤولين في الحكومة الشرعية وشهادات موظفين محليين في المدينة.
وذكر شهود يوم أمس أنهم سمعوا دوي إطلاق المدافع الحوثية والرشاشات المتوسطة شرقي المدينة وفي قرية منظر في جنوبها الغربي، كما أكدوا سقوط قذائف حوثية بالقرب من سوق شعبية في مديرية «حيس».
وفي تصريحات سابقة لقيادات في الجيش اليمني في الحديدة، حذرت القوات الحكومية الميليشيات الحوثية من مغبة استمرارها في خرق وقف إطلاق النار وتوعدت بأن صبرها لن يطول وأن ردها سيكون مزلزلاً، بحسب ما ورد في التصريحات.
في غضون ذلك، واصل الدبلوماسيون الغريبون لقاءاتهم في الرياض مع قيادات الحكومة الشرعية، في سياق الجهد الدولي المساند لتحركات المبعوث الأممي مارتن غريفيث من أجل تنفيذ اتفاق السويد والتهيئة لاستئناف المشاورات في الشهر المقبل. وأفادت المصادر الرسمية بأن نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، التقى أمس سفير الولايات المتحدة الأميركية ماثيو تولر لمناقشة المستجدات وسبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين.
وبحسب ما أفادت به وكالة «سبأ»، عبّر الأحمر عن تقديره للمواقف الأميركية الداعمة للشرعية ولإحلال السلام الدائم المبني على المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن الدولي 2216. وجدد نائب الرئيس اليمني التأكيد على الحرص المستمر للشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية على إحلال السلام واحترام مخرجات جولات المشاورات والتأكيد على أهمية تنفيذ القرار 2216، بما يؤدي إلى إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة اليمنية.
وقال الأحمر، خلال حديثه مع السفير الأميركي: «إن نجاح المشاورات مرهونٌ بمدى جدية ومصداقية الانقلابيين الحوثيين في تنفيذ الاتفاقيات، وفي مقدمتها اتفاقية الحديدة».
وكانت الشرعية اليمنية ووفدها المفاوض في مشاورات الكويت تحفظت على الإطار العام المقترح من قبل غريفيث بخصوص جوانب الحل السياسي والأمني والعسكري الشامل، مفضلة تأجيله إلى جولة المشاورات المقبلة.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.