عنف وفوضى في بانغي رغم الانتشار العسكري الفرنسي المكثف

واشنطن تدعو لوقف أعمال القتل وتشدد على الحل السياسي لأزمة أفريقيا الوسطى

مسلحون من ميليشيا «ضد السواطير» يهددون بآلات حادة سكانا مسلمين فارين في ضاحية غوبونغو بالعاصمة بانغي أمس (أ.ب)
مسلحون من ميليشيا «ضد السواطير» يهددون بآلات حادة سكانا مسلمين فارين في ضاحية غوبونغو بالعاصمة بانغي أمس (أ.ب)
TT

عنف وفوضى في بانغي رغم الانتشار العسكري الفرنسي المكثف

مسلحون من ميليشيا «ضد السواطير» يهددون بآلات حادة سكانا مسلمين فارين في ضاحية غوبونغو بالعاصمة بانغي أمس (أ.ب)
مسلحون من ميليشيا «ضد السواطير» يهددون بآلات حادة سكانا مسلمين فارين في ضاحية غوبونغو بالعاصمة بانغي أمس (أ.ب)

شهدت بانغي عاصمة أفريقيا الوسطى أعمال عنف يوم أمس رغم الانتشار العسكري الفرنسي الكثيف فيها. وفيما تزداد حدة الفوضى في بانغي، دعا وزير الخارجية الأميركي جون كيري السلطات في أفريقيا الوسطى إلى بذل كل ما في وسعها لوقف العنف فورا.
وفي ظل غياب إحصاءات رسمية، تفيد التقديرات بأن نحو ألف شخص لقوا حتفهم بالرصاص أو بالسلاح الأبيض في البلاد منذ الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وتعددت أعمال العنف الطائفية منذ بداية التدخل الفرنسي، بين ميليشيات الدفاع الذاتي المسيحية وعناصر سيليكا، حركة التمرد السابقة ذات الأكثرية المسلمة، التي أطاحت بالرئيس فرنسوا بوزيزي في مارس (آذار) 2013. ويسعى الكثير من المسيحيين الذين تعرضوا لتجاوزات سيليكا، إلى الانتقام من المتمردين السابقين والمدنيين المسلمين الذين أصبحوا محسوبين عليهم. وتنشر الكتيبة التشادية (850 عنصرا) في بانغي وتلعب دور الحامي للأقلية المسلمة فيها، وفي الوقت نفسه تحمي سلطة الرئيس دجوتوديا الرئيس السابق للمتمردين.
وتحدثت وكالة الصحافة الفرنسية عن مقتل مدني واحد على الأقل وإصابة عدد من الأطفال بجروح يوم أمس نتيجة قيام جنود تشاديين من القوة الأفريقية بإلقاء قنابل يدوية على حشد تجمع على الطريق كان يوجه الشتائم لقافلة تنقل مدنيين تشاديين خلال إخراجهم من بانغي. وانتشرت الآليات المدرعة وناقلات الجنود الفرنسيين المنتشرين في إطار عملية سنغاريس في شوارع العاصمة التي فتحت محلاتها التجارية واغتنم سكانها فرصة الهدوء المؤقت للخروج من منازلهم، وفقا للمصدر ذاته. وسمعت ليلا عيارات نارية كثيفة قرب القصر الرئاسي ومعسكر رو المجاور حيث يقيم الرئيس الانتقالي ميشال دجوتوديا تحت حماية حرسه. وأوضح الناطق باسم رئاسة أفريقيا الوسطى غي سامبليس كودنغي أن العيارات النارية أطلقت عن طريق الخطأ بين وحدة من الشرطة تابعة للقوة الأفريقية لمساعدة جمهورية أفريقيا الوسطى (ميسكا) المتمركزة قرب القصر، وقوات سيليكا. لكن القوة الأفريقية لم تؤكد هذه الرواية. وأفاد مصدر دبلوماسي أن تشاديين لاجئين أمام مقر سفارة بلديهما أصيبا أيضا برصاص طائش.
ويدل إطلاق النار هذا على الفوضى السائدة في العاصمة منذ تجدد أعمال العنف الأخيرة الأربعاء الماضي.
ونقلت أربعون جثة في المدينة منذ الأربعاء وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في حين عثر على ستين جثة الاثنين في العاصمة وفق الناطق باسم هذه الهيئة، بينهم 30 جثة قرب معسكر رو.
وقال النائب العام في بانغي غيسلان غريسنغيه «لا يمكن الكلام عن مقبرة جماعية لأن الجثث لم تكن مدفونة بل موزعة على مسافة تصل إلى نحو مائتي متر»، مضيفا أنه سيكون من الصعب التعرف على هويات أصحابها بسبب تحلل الجثث، ولم يستبعد أن يكون الضحايا تعرضوا للتعذيب قبل قتلهم.
في غضون ذلك، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في بيان صدر أول من أمس «إن الولايات المتحدة قلقة للهجمات التي وقعت في 24 و25 ديسمبر (كانون الأول) في جمهورية أفريقيا الوسطى وشنها في آن مقاتلو (التمرد السابق) سيليكا والحركة المناهضة للسواطير (ميليشيات مسيحية للدفاع الذاتي) ضد المدنيين في العاصمة بانغي». وتابع كيري أن هذه الهجمات أدت إلى مقتل عشرات الأشخاص بينهم عناصر في القوة الأفريقية لدعم أفريقيا الوسطى ونزوح سكان من شمال العاصمة. وأعرب أيضا عن «القلق الكبير» للعثور الخميس في بانغي على أكثر من عشرين جثة في مقبرة جماعية، داعيا «السلطات الانتقالية في جمهورية أفريقيا الوسطى إلى وضع حد فوري للعنف ووقف اللجوء إلى التعذيب والتحقيق ومحاكمة كافة الأشخاص المتورطين في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان». وأضاف «هذه المعارك الطائفية المستمرة تزيد من جروح البلاد وتجعل عملية المصالحة أصعب». وأكد كيري أن هذه الأزمة «لن تتم تسويتها إلا بعملية سياسية تفضي إلى انتخابات عادلة في أسرع وقت ممكن وليس أبعد من فبراير (شباط) 2015». وقال إن واشنطن «واثقة في أن القوات الفرنسية ستتحرك والقوة الأفريقية على الأرض لحماية كل المدنيين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية»، حاثا السلطات في أفريقيا الوسطى على تقديم الدعم اللازم لنزع أسلحة الميليشيات المسيحية وسيليكا والسماح بوصول المساعدات الإنسانية.
وتسببت أعمال العنف في نزوح أعداد كبيرة من السكان في البلاد وفق الأمم المتحدة التي أحصت نحو 710 آلاف في مجمل أنحاء البلاد منهم 214 ألفا في بانغي (من أصل 800 ألف ساكن) وأربعون ألفا في بوسنغوا وفق أرقام نشرتها المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة الثلاثاء الماضي.



كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
TT

كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)

قال تقرير لوكالة «بلومبرغ» للأنباء إن الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا يُهدد قاعدة «حميميم» الجوية، التي اعتمدت عليها روسيا لفرض نفوذها في مختلف أنحاء أفريقيا.

وبحسب التقرير، تستخدم موسكو القاعدة لإرسال أفراد وإمدادات عسكرية إلى مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وكل هذه الدول شهدت انقلابات مؤخراً، وقطعت علاقاتها مع الغرب، في حين تقترب من موسكو التي مكّنها هذا الجسر الجوي من إعادة بناء بعض نفوذها الذي اكتسبته في حقبة الحرب الباردة في القارة، خصوصاً في أماكن، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.

وسمحت قاعدتا «حميميم» الجوية و«طرطوس» البحرية، اللتان تستقبلان الوقود والإمدادات الروسية بتنفيذ توسع رخيص وفعال لنفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي في أفريقيا، والآن قد تحتاج الشبكة التي تدعم عمليات روسيا في القارة، والتي تملأ الفراغ الذي خلفته القوات الغربية المغادرة، إلى إصلاح شامل.

استقبال جندي روسي لبشار الأسد خلال زيارته قاعدة «حميميم» العسكرية في اللاذقية 27 يونيو 2017 (أ.ف.ب)

قال أنس القماطي، مدير معهد صادق، وهو مركز أبحاث مقره ليبيا: «من دون جسر جوي موثوق، تنهار قدرة روسيا على فرض قوتها في أفريقيا، والاستراتيجية العملياتية الروسية بأكملها في البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا مُعلقة بخيط رفيع».

وقال القماطي إنه وفي حين أن روسيا، التي دعمت السلطات في شرق ليبيا، لديها قدرات تشغيلية في 4 قواعد جوية ليبية (الخادم والجفرة والقرضابية وبراك الشاطئ) فإن هذه القواعد ستكون بعيدة جداً، بحيث لا يمكن استخدامها في جسر مجدد من موسكو بسبب قيود المجال الجوي في أوروبا.

وقال رسلان بوخوف، رئيس مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات ومقره موسكو، إن القاعدة الجوية السورية ستكون «خسارة كبيرة» للعمليات الأفريقية؛ حيث «كانت جميع الإمدادات تمر عبر (حميميم)، وهذا مهم بشكل خاص لبلد من دون ميناء، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى».

وبدأت جهود موسكو لإعادة بناء النفوذ في أفريقيا فعلياً عام 2018، عندما تم نشر مرتزقة من مجموعة «فاغنر» المرتبطة بالكرملين في جمهورية أفريقيا الوسطى غير الساحلية، للدفاع عن رئيسها المحاصر ضد هجوم المتمردين.

وفي عام 2019، لعب المقاتلون دوراً رئيساً في محاولة من قِبَل الزعيم الليبي الشرقي خليفة حفتر للاستيلاء على العاصمة طرابلس.

ومنذ ذلك الحين، أرسلت مقاتلين إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو، جنباً إلى جنب مع الأسلحة، ما أدّى إلى زيادة أكبر لبصمتها العالمية خارج الكتلة السوفياتية السابقة.

الرئيس الروسي يلقي كلمة في قاعدة «حميميم» في اللاذقية على الساحل السوري يوم 12 ديسمبر 2017 (سبوتنيك - أ.ب)

وهذا الدعم في خطر؛ لكن المقربين من تلك الحكومات يزعمون أن روسيا ستجد طريقة لمواصلة مساعدتهم.

وقال فيديل غوانجيكا، مستشار رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، إن روسيا «ستكون لديها خطة بديلة»، حتى تظل طرق إمدادها إلى أفريقيا سليمة، سواء باستخدام ليبيا نقطة انطلاق أكثر قوة، أو الوصول إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عبر المواني في الكاميرون أو الكونغو، و«لن تكون هناك عواقب على جمهورية أفريقيا الوسطى».

وأضاف غوانجيكا أن أفريقيا الوسطى مستعدة لمساعدة الكرملين في إرسال الإمدادات والجنود من روسيا إلى الحكومات في منطقة الساحل إذا لزم الأمر.

وأعرب إبراهيم حميدو، رئيس إدارة الاتصالات لرئيس الوزراء علي الأمين زين، الذي عيّنه المجلس العسكري في النيجر عام 2023، عن الأفكار نفسها، وقال: «سقوط الأسد لن يُغير علاقاتنا، ويمكن لروسيا أن تجد طرقاً أخرى، من خلال تركيا على سبيل المثال، لدعم النيجر».

وفي حال سمحت تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، لبعض رحلات الشحن الروسية إلى ليبيا بالمرور عبر مجالها الجوي، فلا يوجد اقتراح فوري بأنها ستعمل بديلاً للجسر الجوي السوري لموسكو، خصوصاً أن مصالح الثنائي في أفريقيا غالباً ما تتباعد.

واقترحت مونيك يلي كام، وهي سياسية في بوركينا فاسو، تدعم المجلس العسكري وعلاقاته القوية مع روسيا، ليبيا خياراً لمساعدة موسكو على «الحفاظ على نفوذها في القارة».

كما لعبت روسيا دوراً رئيساً في الحرب الأهلية السودانية التي استمرت 20 شهراً؛ حيث ألقت مؤخراً بثقلها خلف الجيش في قتاله ضد «قوات الدعم السريع»، كما تواصل الضغط من أجل إنشاء قاعدة على ساحل البحر الأحمر في البلاد، وهو حلم طويل الأمد، من شأنه نظرياً أن يوسع شبكتها اللوجستية.

مقاتلة روسية في قاعدة «حميميم» جنوب شرقي اللاذقية في سوريا أكتوبر 2015 (سبوتنيك)

ومع ذلك، فإن الاحتفاظ بشبكة النفوذ الروسية مترامية الأطراف في أفريقيا لن يكون سهلاً، وفقاً لأولف ليسينغ، مدير برنامج الساحل في مؤسسة «كونراد أديناور»، وهي مؤسسة بحثية ألمانية.

وقال: «إن سقوط الأسد سيعيق بشكل كبير العمليات العسكرية الروسية في أفريقيا، وكانت جميع الرحلات الجوية لتوريد المرتزقة، وجلب الذخيرة والأسلحة الجديدة، تمر عبر سوريا. إنها مسافة بعيدة للغاية للطيران بطائرة نقل محملة بالكامل من روسيا إلى أفريقيا، وسيتعين على روسيا تقليص مشاركتها في أفريقيا وسيكون ذلك أكثر تكلفة بكثير».