«سانا» تفسد مفاجأة البشير

محللون سودانيون اعتبروها قفزة في الظلام

TT

«سانا» تفسد مفاجأة البشير

في وقت متأخر من مساء الأحد، وزع إعلام الرئاسة السودانية دعوة عاجلة للصحافيين، بأن الرئيس عمر البشير سيعود للبلاد بعد أن قام بـ«زيارة سرية» لدولة لم تسمها الدعوة، وأن هناك «تصريحات مهمة» سيتم الإدلاء بها في مطار الخرطوم.
عادة ما تثير مثل هذه الدعوات شهية الصحافيين، وتفتح الباب أمام تكهناتهم وتوقعاتهم؛ حاول بعضهم وهو مثقلون بالأزمة الاقتصادية في البلاد، معرفة الدولة التي زارها الرئيس، فجاءت معظم تكهنات أنه كان في زيارة لدولة صديقة، ربما قدمت دعماً لحل الضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
لكن وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قطعت سيل التكهنات ونشرت الخبر، بأن البشير كان في زيارة لدمشق عقد خلالها جولة مباحثات مع الرئيس بشار الأسد، فأفسدت على المتحدث باسم الخارجية السودانية المفاجأة التي كان قد أعدها للصحافيين، ولم تعد الزيارة سرية.
ورجح البعض أن هناك اتفاقاً بين الطرفين على كشف السرية عن الزيارة بالتزامن، لكن شيئاً ما جعل «سانا» تسبق «سونا»، لأن طائرة الرئيس البشير العائدة من دمشق تأخرت عن الموعد المضروب، ما جعل «سانا» تكشف السر منفردة.
الزيارة غير المعلنة فتحت الباب على مصراعيه لأسئلة لم يجب عنها تصريح وزير الدولة بالخارجية مثل: «دواعي الزيارة»، وحديث الرئيسين، وأثرها على الأوضاع الداخلية في السودان، أو أنها كانت تحمل أكثر من رسالة لأكثر من جهة، أو حتى مجرد «مغامرة» سودانية لتسليط الأضواء بعيداً عن الوضع الداخلي المتأزم بسبب أزمة شح السيولة والوقود والخبز، و«انهيار» سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، وهل سيكون حصاد الزيارة «مفيداً» للسودانيين في محنتهم، أو حتى أن البشير في طريقه للدخول في «حلف جديد»، أو «حتى يحمل رسائل عربية جديدة لسوريا».
بعد وصوله بقليل، تلى وزير الدولة بوزارة الخارجية أسامة فيصل على الصحافيين، أقصر البيانات التي قدمها مسؤول سوداني، جاء «طبق الأصل» للنص الذي نشرته وكالة الأنباء السورية، وقال «إنهما اتفقا على إيجاد مقاربات جديدة للعمل العربي تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، استناداً إلى الظروف والأزمات التي تمر بها الكثير من الدول العربية»، دون أن يتيح أي سؤال أو تعليق.
أما القيادي في حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر، فقد وصف الزيارة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «قفزة في الظلام»، وقال: «للزيارة علاقة بحلف روسيا - إيران، وهو حلف لا يخدم علاقات السودان الخارجية»، وتابع: «إنها تجسيد لحالة عدم الاستقرار في منهج محدد، وتؤكد أن النظام السوداني تائه في علاقاته الخارجية».
وأكد أن الزيارة «محاولة يائسة» تمت بترتيب يرجح أن يكون «روسياً»، استغل أزمة نظام الحكم الاقتصادية الطاحنة، وربما قدم له وعوداً بالدعم وتقديم قروض واستثمارات روسية، لـ«فك زنقته»، وأضاف: «مثل هذه الوعود قد تنجح على المدى القريب، لكنها على المدى الطويل تصرف في العلاقات الخارجية ليس له فائدة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم