إفلاس منصات «داعش»

إعادة بث مشاهد لعمليات قديمة فضحت هزائمه

«داعش» يعيد بثَّ صور لعناصره بالأسلحة... من أحد المواقع الموالية للتنظيم (رويترز)
«داعش» يعيد بثَّ صور لعناصره بالأسلحة... من أحد المواقع الموالية للتنظيم (رويترز)
TT

إفلاس منصات «داعش»

«داعش» يعيد بثَّ صور لعناصره بالأسلحة... من أحد المواقع الموالية للتنظيم (رويترز)
«داعش» يعيد بثَّ صور لعناصره بالأسلحة... من أحد المواقع الموالية للتنظيم (رويترز)

على ما يبدو، فإن منصات «داعش» الإعلامية التي ظلَّت الذراع الأقوى للتنظيم الإرهابي طوال سنوات، تحولت إلى وسيلة جديدة لفضح هزائمه على الأرض، بعدما أعادت بث مشاهد لعمليات التنظيم القديمة، في دليل على إفلاس التنظيم، وحالة اليأس والإحباط التي يعاني منها.
خبراء أمنيون ومختصون في الحركات الأصولية أكدوا أن إعادة بث الإصدارات القديمة لـ«داعش» تحمل مجموعة من الدلالات الأساسية التي سوف تمثل مستقبل الأذرع الإعلامية للتنظيم، منها ضعف إمكانيات التنظيم المادية في إعداد وإنتاج إصدارات جديدة، وفقدان كثير من الكوادر البشرية التي كانت تعمل على إدارة وإنتاج المحتوى الإلكتروني، وتراجع حجم ونوعية العمليات التي كان ينفذها التنظيم، وسوء الحالة المعنوية للمقاتلين، ومن ثم تزايد حالات الهروب.
وقال الدكتور خالد الزعفراني، المتخصص في شؤون الحركات الأصولية، إن قيام «داعش» بإعادة بثِّ مواد إعلامية قديمة، دلالة على اليأس والإحباط الذي يعاني منه قيادات التنظيم، وعدم وجود عمليات إرهابية مؤثرة تستلزم بثها، ومن الممكن أن يُسهِم تحليل الإصدارات الإعلامية في فضح هزائم التنظيم على الأرض التي يحاول إخفاءها، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن انهيار إعلام التنظيم باعتباره ذراعه الأقوى، هو مقدمة لانهيار «داعش» وزواله رويداً.
من جانبه، قال ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الحركات الأصولية لـ«الشرق الأوسط» إن الخريطة الإعلامية لتنظيم «داعش» بدأت مرحلة الانهيار بسبب الهزائم المتلاحقة على الأرض، إذ كانت هذه الخريطة حتى وقت قريب تقوم على منظومة متكاملة تديرها اللجنة الإعلامية المركزية التي تقوم بالتنسيق مع لجان فرعية في كل ولاية مزعومة يسيطر عليها التنظيم، وهو أمر تغير في الشهور الأخيرة، حيث بدأ «داعش» في التخلّي عن فكرة الخلافة ومنظومة الولايات، ليتحول إلى سياسة جديدة تقوم على نظام الشبكة الإرهابية، حيث يترك لكل مجموعة فرعية في بلد أو منطقة ما، قدراً أكبر من الحرية في إدارة عملياتها للتغلب على تراجع القدرة على التواصل بين القيادات المركزية والمجموعات الفرعية نتيجة الهزائم العسكرية المتلاحقة.
ويشير فرغلي إلى أن «دراسة إصدارات (داعش) سواء المطبوعة أو الرسائل المرئية والمسموعة يجب أن تحظى بقدر أكبر من الاهتمام، فهي تشكل أحد مفاتيح مواجهة التنظيم... كما أن ربط المحتوى الإعلامي بالعمليات على أرض الواقع من شأنه أن يُسهِم في كشف المغالطات والأكاذيب التي يروِّج لها (داعش) عن نجاحات مزعومة».
يُشار إلى أن تنظيم «داعش» أعاد بث كثير من المواد الإعلامية القديمة خلال الأشهر الماضية، بينها مقاطع مرئية «فيديو» لعمليات قديمة، وتكرار نشر «هاشتاغ» يدعو إلى تجديد البيعة لزعيمه أبو بكر البغدادي، وكثير من المطويات المتعلِّقة بأحكام الخلافة والبيعة... إضافة إلى إعادة بث الإصدارات والرسائل الشهيرة التي تحث مقاتليه على مواصلة «الجهاد»، منها إصدارات «من يتوكل على الله فهو حسبه»، و«حرب الوكالة»، و«إن غداً لناظره قريب»، و«عزم الكماة»، و«صليل الصوارم»، و«رمضان... شهر الفتوحات»، و«القابضون على الجمر»، و«درع الصليب»، و«لهيب الحرب»، وجميعها إصدارات كلاسيكية قديمة معروفة.

إعادة بث المحتوى الإعلامي
في غضون ذلك، أشار مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، إلى أن «منصات تنظيم (داعش) الإرهابي الإلكترونية دأبت منذ عدة أشهر على إعادة بث المحتوى الإعلامي للتنظيم، سواء كان مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً، دون أي إصدارات جديدة تُذكر، في دلالة واضحة على الأزمات الميدانية والبشرية التي يمر بها التنظيم، وحالة الإفلاس وفقدان القدرة على إنتاج مواد إعلامية جديدة، الأمر الذي دفعه إلى إعادة نشر المحتوى القديم».
أكد المرصد في تقرير له أصدره أخيراً أن «تحليل مضمون المواد المعاد نشرها يقدم تصوراً عن الحالة التي بات عليها التنظيم، وطبيعة المشكلات التي يعاني منها، خصوصاً أن غالبية تلك المواد المعادة تستهدف الحث على البيعة والصبر والثبات، مما يؤكد أن التنظيم يعاني غياب بيعات جديدة، وندرة في المقاتلين، بعد هروب كثير من أفراد التنظيم، مما دفعه إلى حث فلوله التي لا تزال تؤمن بفكره المنحرف على الثبات».
وربط التقرير بين قيام «داعش» بإعادة نشر مواد إعلامية قديمة، والخسائر التي يعاني منها التنظيم على الأرض نتيجة الضربات العسكرية المتلاحقة، مؤكداً أن «منصات التنظيم أعادت بث كثير من المقاطع الصوتية للبغدادي تحث على الجهاد والثبات، فتمَّت إعادة بث كلمات من نوعية «ألا فليعلم العالم»، و«بشِّر الصابرين»، وهو ما يعكس الحالة السيئة التي أصابت مقاتلي التنظيم مما دفعهم لفقدان إيمانهم بجدوى القتال تحت لواء التنظيم ودفع كثيراً منهم للهروب، فجاءت كلمات البغدادي محاولةً لاستعادة هؤلاء.
وفي مارس (آذار) الماضي، قام التنظيم ببث مقطع مرئي تحت عنوان «المجابهة الفاشلة» زعم فيه أن «العملية العسكرية الشاملة» التي يشنها الجيش المصري ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء منذ فبراير (شباط) الماضي لم تحقق أهدافها، غير أن المقطع تضمن مشاهد لعمليات قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل بدء العملية العسكرية المصرية، أبرزها مشاهد هجوم التنظيم على نقطة تفتيش زقدان في وسط سيناء جنوب مدينة بئر العبد، وهو الهجوم الذي يعود تاريخه إلى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016، إضافة إلى مشاهد من الهجوم على نقطة كمين الغاز في جنوب العريش، التي تعود إلى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016، وأيضاً مشاهد الهجوم على نقطة كمين المطافي في حي المساعيد غرب العريش، وهي واقعة تعود إلى يناير (كانون الثاني) عام 2017.
ويضيف فرغلي في هذا الصدد أن الأزمة التي يمر بها إعلام «داعش» سوف تؤثر تأثيراً كبيراً خلال الفترة المقبلة على تماسك التنظيم؛ فمنصاته المختلفة لها دور كبير في تجنيد عناصر جديدة، وحث العناصر الموجودة فعلياً على التماسك والاستمرار في القتال، وهو ما يعني أن فقدان تأثير الوسائط الإعلامية المختلفة سيؤثِّر حتماً على تماسك التنظيم وقدرته على الصمود أمام قوات التحالف الدولي، وقوات الدول، من خلال فقدانه أحد أهم أسلحته، وهو الإعلام... وقد شهدت الشهور الأخيرة انشقاق وانسحاب أعداد كبيرة من أعضائه لأسباب متنوعة، أبرزها تراجع قدرة القيادات المركزية على التواصل مع المجموعات المختلفة، موضحاً أن انتقال «داعش» من مفهوم الولايات ودولة «الخلافة المزعومة» إلى شكل الشبكة الإرهابية التقليدية، يُعزز فرضية فقدان القدرة على التواصل مع المجموعات المختلفة، ويؤكد أن كثيراً من أعضائه الذين يشكل إعلام التنظيم وسيلة مهمة لإبقائهم متعلقين بفكرة الولاء، من خلال التركيز على مشاعر الغضب والإحباط وتوجيهها إلى العنف، سوف يكونون عرضة لمراجعة مواقفهم ووضعهم نتيجة التخلص من تأثير الرسالة الإعلامية التي تحثهم دائماً على الصمود، ومن الطبيعي أن يجري كثير من الأعضاء حساباتهم في ظل الخسائر التي يشهدونها وفقدان السيطرة على مناطق كاملة... ويوجد في أي تنظيم أعضاء يكونون دائماً عرضة للتراجع ومراجعة أفكارهم، وهؤلاء هم أول من ينسحبون عندما تتوافر الظروف المناسبة، نتيجة عدم اقتناعهم الكامل بما يُساق لهم من حجج وبراهين.
من جهته، قال اللواء رضا يعقوب خبير مكافحة الإرهاب الدولي لـ«الشرق الأوسط» إن «دراسة الإصدارات الإعلامية لتنظيم (داعش) تفتح آفاقاً جديدة لتطوير استراتيجية مكافحة الإرهاب، وتُسهِم في فضح أكاذيب التنظيم، ويجب على المجتمع الدولي تركيز جهوده لاستثمار التقدم ونجاح المواجهة الذي يتحقق على الأرض من خلال تكثيف حصار التنظيم عسكرياً ومادياً لقطع وسائل تمويله، والقضاء على معسكرات التدريب، لأن قيادات (داعش) تحاول جمع شتات عناصرها الهاربة نتيجة الهزائم المتلاحقة».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».