«داعش» يناور بالخلايا العنقودية لاستعادة سيطرته في العراق

بعدما وسّع من نطاق عملياته الإرهابية

TT

«داعش» يناور بالخلايا العنقودية لاستعادة سيطرته في العراق

يناور تنظيم داعش الإرهابي بـ«حرب العصابات» و«الخلايا العنقودية» لاستعادة سيطرته مجدداً على العراق، بعدما وسّع من نطاق عملياته الإرهابية. وحذر تقرير مصري، أمس، من محاولات «داعش» المتزايدة لإعادة السيطرة على المناطق المحررة في العراق، بعد أشهر من الخسائر التي مُني بها التنظيم على يد التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، والقوات العراقية.
وذكر التقرير الذي أعده مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، التابع لدار الافتاء المصرية، أن التنظيم الإرهابي يسعى لعدد من الاستراتيجيات لضمان استعادة سيطرته المفقودة في العراق، منها: زرع الفتنة الطائفية، حيث يحاول الإيقاع بين الطوائف المكونة للنسيج الاجتماعي العراقي، ويضرب على وتر اضطهاد الميليشيات الشيعية للمواطنين السنة. كما يسعى لضرب الأقليات، وتنفيذ عمليات تهجير وقتل، كما فعل مع الإيزيديين. وكذا زيادة وتيرة العمليات التفجيرية، التي اعتمد التنظيم عليها في الفترة الأخيرة، لا سيما أنها تخلف عدداً كبيراً من الضحايا. هذا بالإضافة لتكوين المزيد من «الخلايا النائمة» و«الذئاب المنفردة» في المناطق التي تم دحره وطرده منها، بحيث يستمر تأثيره العنيف في تلك المناطق، خصوصاً أن هؤلاء الأفراد يظلون في الخفاء حتى يتم الاستدعاء لتنفيذ عملياتهم، فضلاً عن استخدام «الخلايا العنقودية»، حيث باتت هذه الخلايا أكثر فاعلية لأنها تعتمد على اللامركزية، وطرق تواصل معقدة لا تسمح بربط الخلايا بعضها ببعض، فإذا سقطت خلية لا تسقط باقي الخلايا.
وقال التقرير المصري إن «داعش» يلجأ أيضاً إلى «حرب العصابات»، حيث يتميز التنظيم بعدم الارتباط بقواعد محددة، فوجوده أكثر في الصحراء والمناطق النائية، مع خبرته السابقة بطبيعة البلاد الجغرافية والسكانية والقبائلية، التي تسمح له بشن هجمات سريعة مباغتة تحقق أهدافها بأقل خسائر ممكنة لأفراد التنظيم الذين يتم نقلهم سريعاً عقب التنفيذ إلى ملاذاتهم الآمنة في الصحراء.
وأضاف التقرير أن استمرارية هذه الهجمات الإرهابية - التي وصلت بحسب بعض الدراسات إلى 75 هجوماً في الشهر - تشير إلى أن التنظيم لم يفشل في استقطاب المزيد من العناصر الجديدة للانضواء تحت رايته الإرهابية، كما تزيد من احتمالية استعادة زخمه الذي لم يفقده تماماً، مما يشكل خطورة على أمن واستقرار المنطقة.
في سياق آخر، دشنت الافتاء المصرية، أمس، مقطع فيديو جديد لوحدة الرسوم المتحركة، ردت فيه على التنظيمات المتشددة. وأكد الفيديو أن دعاوى جماعات الإرهاب وتيارات التشدد، المتضمنة وصف مجتمعاتنا وحياتنا بالجاهلية والبعد عن الدين، تعكس المنهج الذي تسير عليه تلك التيارات، وهو منهج المارقين المعتدين الذين يهدرون حرمة الدين.
وشدد الفيديو على أن مجتمعاتنا وأوطاننا هي مجتمعات التوحيد والإيمان، وموطن الإسلام، ورفع شعائر الدين، وصور العبادات والصلوات، وظهور معالم الشريعة، والقيم والأخلاق الحسنة، وأعمال الخير والتكافل والتضامن والقلوب الطيبة، وهي المكان الذي تعيش فيه أمتنا الإسلامية التي هي خير أمة أخرجت للناس، بنص القرآن الكريم، مؤكداً أنه لا شرك في أمتنا، ولا جاهلية في مجتمعاتنا.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.