السياسة المصرية «تبحر جنوباً»

القاهرة تسعى إلى استعادة تأثيرها الأفريقي عبر «دبلوماسية القمة»

السياسة المصرية «تبحر جنوباً»
TT

السياسة المصرية «تبحر جنوباً»

السياسة المصرية «تبحر جنوباً»

شكّلت محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، خلال مشاركته في القمة الأفريقية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1995، نقطة فارقة في تاريخ العلاقات المصرية - الأفريقية. ووفق دبلوماسيين مصريين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن «الحادث تسبب في إحجام مبارك، ومن حوله، عن حضور أي فعاليات بالقارة، الأمر الذي تراجع معه الاهتمام المصري بأفريقيا بشكل عام».
ويشرح السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية الأسبق، قائلاً إنه «عقب الحادث، الذي نفذه مسلحون ينتمون لجماعات متشددة، نشأ فراغ كبير في العلاقات المصرية - الأفريقية، لانقطاع ما يُطلق عليه (دبلوماسية القمة)، فحدثت فجوة في التواصل مع قادة الدول الأفريقية». ويتابع: «خشية الرئيس الأسبق من تكرار الحادث، وشكوكه في مستويات التأمين بالدول الأفريقية، جعلته يعزف عن حضور القمم والمناسبات المهمة، وهو ما جعل قادة تلك الدول يديرون وجوههم عن القاهرة بالمثل... فالدول الأفريقية أشبه بمجالس الحكماء، التواصل فيها يكون على مستوى القيادات».

استمر حكم الرئيس المصري حسني مبارك نحو 30 سنة، حتى أسقطته ما عُرِفت بـ«ثورة يناير» عام 2011. والآن، وبعد مرور أكثر من عشرين سنة على محاولة اغتياله الفاشلة في أديس أبابا، بدا لافتاً الاهتمام الذي توليه السياسة الخارجية المصرية للقارة السمراء، الذي تجسد بشكل رئيسي في الحضور القوي للرئيس عبد الفتاح السيسي، معظم القمم الأفريقية، منذ وصوله إلى الحكم عام 2014، فضلاً عن تكثيف القاهرة للفعاليات المرتبطة بأفريقيا، وآخرها «منتدى الاستثمار - أفريقيا 2018» في شرم الشيخ، الأسبوع الماضي، إذ شهد حضور 10 زعماء أفارقة، ونحو 3 آلاف شخص من رواد الأعمال الأفارقة.
يقول السفير محمد حجازي مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية الأسبق، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاهتمام بأفريقيا أخذ شكلاً متزايداً في السنوات الأخيرة، بدأ بعودة (دبلوماسية القمة) لممارسة دورها على الساحة الأفريقية، في ظل إدراك سياسي لأهمية أفريقيا لمصر، ووعي للتكالب الدولي الخارجي الحاصل على القارة ومواردها باعتبارها بيئة واعدة للاستثمار».
وأردف: «الرئيس السيسي شارك بنفسه في معظم الفعاليات والقمم، ووضع أفريقيا على سلّم أولويات السياسة المصرية، الأمر الذي أهّل مصر لتولي العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي ممثلةً عن القارة الأفريقية عامي 2016 - 2017، ثم انتخبت عضواً بمجلس السلم والأمن الأفريقي عن دول الشمال، وهي الآن رئيسة مجلس السلم والأمن الأفريقي، في حين تستعد لتولي مقعد القيادة رئيساً للاتحاد الأفريقي مع انطلاق عام 2019».

- أفريقيا أولوية مصرية
وتشير زيارات الرئيس السيسي الخارجية منذ عام 2014، إلى الأولوية التي تحتلها علاقات مصر مع دول أفريقيا في السياسة الخارجية، إذ قام بزيارة 21 دولة أفريقية من إجمالي 69 زيارة خارجية قام بها، بما يمثّل أكثر من 30 في المائة. كما عقد السيسي 112 اجتماعاً مع قادة ومسؤولين أفارقة زاروا مصر خلال السنوات الثلاث الماضية من إجمالي 543 اجتماعاً، وفقاً لتقرير أصدرته «الهيئة العامة للاستعلامات»، وهي مؤسسة رسمية تتبع الرئاسة المصرية.
أيضاً امتد الحضور السياسي المصري ليشمل مختلف المشاركات والمنتديات الاستراتيجية الإقليمية والدولية مع قارة أفريقيا، في إطار مساعي القاهرة لترسيخ حضورها وتأثيرها داخل القارة. وهنا يقول ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، إن «حركة السياسة الخارجية في المحافل الإقليمية والدولية تكشف الأهمية التي توليها مصر لأفريقيا، انطلاقاً من أن انتماءها لمحيطها الأفريقي يُعد مكوّناً رئيسياً من مكوّنات الهوية المصرية، كما أن الخطاب السياسي للرئيس السيسي داخلياً وخارجياً يشير إلى الأهمية الاستراتيجية لعلاقات مصر الأفريقية، واعتزازها بانتمائها».
وترى السفيرة منى عمر، مقررة اللجنة الدائمة للشؤون الأفريقية بالمجلس المصري للشؤون الخارجية، من جهتها، أن «الرئيس السيسي أظهر بالفعل اهتماماً كبيراً بأفريقيا ووضعها كأولوية على سُلَّم أولويات الخارجية المصرية، باعتبارها تشكّل أمناً قومياً مصرياً وأمناً غذائياً واقتصادياً». غير أن عمر أشارت لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الإدراك المصري لأهمية القارة الأفريقية لم يغب أبداً عن الدبلوماسية المصرية، لكنه شهد بعض الأفول في السنوات السابقة؛ جزء منه متعلق بحادث محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا، وجزء آخر بسبب غياب التنسيق بين الأجهزة المختلفة بالدولة ومؤسساتها، وهو ما تم تداركه في الوقت الراهن، والبناء على ما تقدم، الذي لا يمكن إغفاله».
وحقاً، تحوّلت مصر في السنوات الأخيرة إلى ملتقى لكثير من المؤتمرات المتعلقة بالأوضاع الأفريقية، آخرها منتدى «أفريقيا 2018»، في دورته الثالثة، وسبقه في أغسطس (آب) الماضي في شرم الشيخ أيضاً اجتماع مجلس محافظي رؤساء البنوك المركزية الأفريقية (52 دولة أفريقية) في دورته الـ41. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي عقد المؤتمر الإقليمي للنواب العموميين في أفريقيا، بمشاركة عدد من الدول الأوروبية.
ويشير السفير حجازي، في هذا الإطار، إلى أن «التظاهرة الأخيرة (منتدى أفريقيا 2018) دليل على أن مصر مدركة لأهم التحديات التي تواجه القارة الأفريقية، ومنها التحدي الاقتصادي والتنموي، فضلاً عن التحدي الأمني، حيث تزامن المنتدى مع مناورات عسكرية مصرية - أفريقية في قاعدة محمد نجيب المصرية، في ظل رؤية مصرية تركز على البعدين التنموي والأمني، باعتبارهما مساراً واحداً».
ونوّه حجازي بدور مصر البارز حالياً في تسوية النزاعات وتحقيق السلم داخل القارة، قائلاً إن «دورها في حل النزاعات داخل دولة جنوب السودان ومنطقة القرن الأفريقي يُعتبر مثالاً على ذلك». كما أشار إلى مفاوضات تجري الآن في القاهرة لتوقيع اتفاقية قارية تقضي بتحرير السلع والخدمات في أفريقيا، وأيضاً حرية الانتقال. ولفت إلى تقرير أصدره الاتحاد الأوروبي أخيراً تحدث فيه إيجابياً عن دور مصر في تسوية النزاعات في أفريقيا، واعتبر أن ترؤسها الاتحاد عام 2019 يفتح آفاقاً جديدة للعلاقات الأوروبية - الأفريقية.

- حزمة إجراءات لحضور فعال
رؤية مصر الجديدة نحو أفريقيا عبّر عنها الرئيس السيسي، حين أكد، في ختام منتدى أفريقيا، الأحد الماضي، أن بلاده «عادت للوجود المؤثر والفعال على الساحة الأفريقية بهدف التعاون والتعمير والبناء لصالح الأشقاء الأفارقة انطلاقاً من الثوابت الرئيسية لسياسة مصر تجاه الدول الأفريقية»، معلناً عن حزمة إجراءات تضمن وجوداً فعالاً لمصر بين أبناء القارة، بما في ذلك إنشاء «صندوق ضمان مخاطر الاستثمار في أفريقيا»، لتشجيع المستثمرين المصريين لتوجيه استثماراتهم، والتفاوض مع مؤسسات دولية لدعم البنية الأساسية في أفريقيا، ومن ضمن ذلك الإسراع في الانتهاء من طريق القاهرة - كيب تاون، لدمج أقطار القارة وتوسيع حركة التجارة.
كما أعلن عن توفير 100 منحة تدريبية عسكرية لمختلف دول القارة خلال العام المقبل، للرفع من كفاءات وخبرات الضباط وقادة الجيوش في كلية القادة والأركان المصرية وأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية. وبدورها، شرعت الحكومة المصرية في اتخاذ قرارات تتيح «معاملة تفضيلية» للأفارقة في مصر، وتعزز التوجه المصري نحو أفريقيا.
وشملت هذه القرارات مبادرة لتدريب الشباب الأفريقي (في معهد التخطيط القومي المصري) في مجال الإصلاح الإداري والتخطيط الاستراتيجي، ورفع قدرات الجهاز الإداري، وبرامج خاصة بالتأهيل السياسي للمرأة، والدراسات الاستراتيجية والأمنية، مع بحث تقديم برامج خاصة بريادة الأعمال في المدارس والجامعات. وهناك أيضاً مبادرة أخرى هي «أفريقيا لإبداع الألعاب والتطبيقات الرقمية»، لتأهيل وتنمية قدرات 10 آلاف شاب مصري وأفريقي، وتحفيز تأسيس 100 شركة مصرية وأفريقية ناشئة في هذا المجال، تتولى تنظيمها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمصر.
وفي إطار التوجه المصري أيضاً نحو «معاملة مميزة» للأفارقة، وضعت وزارة الخارجية لافتات خاصة بمواطني دول الاتحاد الأفريقي في مطار القاهرة، وخصصت ممراً للجوازات لهم، لتسهيل إجراءات دخولهم تعبيراً عن حرص مصر على تعزيز عملية الاندماج مع الأفارقة على مختلف المستويات. وعزز هذا التوجه كذلك موافقة الحكومة على الترخيص لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بالاشتراك مع عدد من الجهات الوطنية في تأسيس شركة مساهمة، وهي «الشركة الوطنية المصرية للاستثمار الأفريقي»، وإعلان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تخطيطه لإنشاء «أول قناة فضائية أفريقية»، ومن المتوقَّع إطلاقها خلال العام المقبل.
كذلك، في إطار خطة الدولة نحو أفريقيا، أعلنت وزارة الشباب والرياضة المصرية التجهيز لعقد المؤتمر الأول للطب الرياضي التخصصي، والمعسكر الأفريقي لرائدات الأعمال الأفريقيات، وغيرهما من الفعاليات. كما قرر الأزهر تشكيل لجنة مختصة لوضع برامج وأنشطة لتدعيم أبناء القارة الأفريقية، من خلال زيادة عدد المنح المقدَّمة للطلاب الدارسين بالأزهر، وزيادة أعداد المبعوثين من المدرسين في أفريقيا.

- طريق غير مفروش بالورود
غير أن التوجه نحو أفريقيا ليس طريقاً مفروشاً بالورود، وفق السفير حجازي. فهناك كثير من التحديات التي ستواجه مصر في إطار مساعيها لتطوير علاقتها بالدول الأفريقية. فخلال عام كامل ستقضيه مصر في مقعد القيادة الأفريقية، مطلع 2019، عندما تترأس الاتحاد الأفريقي «ستتطلع أفريقيا لما ستقدمه القاهرة بكل ما لها من معارف وقدرات وإمكانيات... وعلى مصر الاعتناء بتحديين، هما الأهم على صعيد القارة حالياً: الإرهاب والهجرة غير الشرعية. وهذا يوجب على مصر أخذ زمام مبادرة تسهم في دعم قدرات القارة على مواجهة هذه المشكلة التي تهدد أوروبا».
وطرح حجازي مجموعة من الأفكار يمكن أن تجعل عام الرئاسة المصري للاتحاد الأفريقي عاماً للإنجازات، منها إنشاء صندوق تمويلي لمشاريع الشركات المصرية بالقارة الأفريقية يُدار على أسس بنكية، ويرصد لهذا البنك - الصندوق ميزانية استثمارية لا تقل عن 500 مليون دولار أو تزيد، من أجل تقديم قروض ميسّرة لتمويل المشاريع بالدول الأفريقية. كما طرح إنشاء صندوق للمقايضة الأفريقي يتم من خلاله تبادل السلع من خلال عملية تقييم للمنتج وفقاً لسعره في السوق العالمية، مما سيخفف الضغط على سوق العملات.
من جهته، قال طارق رضوان، رئيس لجنة الشؤون الأفريقية بالبرلمان المصري، لـ«الشرق الأوسط» إن «التحرك نحو أفريقيا يجب أن يكون مدروساً وفي إطار رؤية استراتيجية لدول أفريقيا المختلفة واحتياجاتها الاستثمارية والاقتصادية والاجتماعية، لرسم معالم تحرك مصري فعال، باعتبار أن أي تحرك عشوائي هو إهدار للوقت والجهود، وأن هناك منافسة دولية تنتظر مصر». وأكد أن «اللجنة البرلمانية تسعى، من جهتها، إلى تعزيز التحرك على المستوى الأفريقي، لإعادة مصر إلى قلب القارة، بجانب الجهود التي تبذلها السلطة التنفيذية»، داعياً إلى «توعية الشعب المصري حول (أهمية) أفريقيا».

- «سد النهضة»
إن التوجه المصري نحو أفريقيا، خصوصاً دول حوض النيل فيها، فرضته، كما يبدو، عدة أحداث، من بينها أزمة «سد النهضة» الإثيوبي. فبالتوازي مع مفاوضات «متعثرة» تجريها القاهرة مع أديس أبابا منذ سنوات، لإيجاد حل لتأثير سلبي على حصتها من مياه النيل نتيجة تشييد السد، قررت مصر أخيراً التوسع في تنفيذ مشاريع تنموية في دول حوض النيل، مثل أوغندا وجنوب السودان وتنزانيا وغيرها، وفق رؤية تقضي بتبني منهج أكثر شمولية يضمن المنافع المشتركة والتعاون في إدارة الموارد المائية، مع الحفاظ على حصة مصر من النهر. وتقول مصادر دبلوماسية مصرية لـ«الشرق الأوسط» إن «اهتمام مصر فقط بالحفاظ على حصتها في نهر النيل، الذي تشترك فيه 10 دول أفريقية أخرى، كان مثار شكوى دائمة على مدار السنوات الماضية، غير أنها في الوقت الراهن تسعى إلى تجاوز ذلك، من خلال توسيع مجالات التعاون مع الدول الأفريقية عامة، ودول حوض النيل على وجه الخصوص».
وجاء تدشين سد «ستيغلر غورج» (خانق ستيغلر) في تنزانيا، كأحدث المشاريع التنموية المصرية مع دول حوض النيل بالقارة الأفريقية، إذ وقَّع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الثلاثاء الماضي، عقد إنشاء السد لتوليد الطاقة الكهرومائية، الذي فاز به تحالف شركات مصرية. وعلى هامش التوقيع، أشار مدبولي إلى أهمية التعاون مع الدول الأفريقية باعتبارها سوقاً مفتوحة وشريكاً استراتيجياً وتملك القدرة الفنية والخبرة العملية، مؤكداً أن هناك «ثقة أفريقية في قدرات مصر». واعتبر مدبولي «المشروع الذي وُقّع عقده بين مصر وتنزانيا يُعد عودة حميدة لقوة مصر الناعمة في أفريقيا، وذلك بأن يكون لمصر بصمة واضحة في كل دولة بأفريقيا، وقد تكون هذه البصمة عبر مشاريع ووجود لوزارات بعينها، مثل مجالي الصحة والتعليم وغيرهما».
وكان الرئيس السيسي قد أكد أنه حريص جداً على «أن ننتهز فترة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، وأن تقود مصر عملاً أفريقياً مشتركاً لصالح أفريقيا بوجه عام».
وفي السياق أيضاً، تسعى مصر إلى إنشاء خط ملاحي نهري للربط بين نهر النيل والبحر المتوسط ليمر بجميع دول حوض النيل، وينتهي عند بحيرة فيكتوريا. وسبق أن أكد السيسي اهتمام مصر بسرعة استكمال مراحل هذا المشروع، باعتباره نافذة للدول الأفريقية على البحر المتوسط وأحد أهم شرايين الربط بين الدول الأعضاء في التجمُّع، فضلاً عما سيوفره المشروع من فرص لتعزيز التجارة البينية ونقل السلع والخدمات وزيادة فرص الاستثمار.

- أرقام حول مصر وأفريقيا
* بلغ حجم الاستثمارات المصرية في أفريقيا حتى عام 2017 نحو 7.9 مليار دولار أميركي موزعة على 62 مشروعاً، وارتفع لنحو 10.2 مليار دولار عام 2018. وتشمل هذه الاستثمارات قطاعات البناء والتشييد والمواد الكيميائية والتعدين والمستحضرات الطبية والدوائية والاتصالات والمكوّنات الإلكترونية والخدمات المالية، في حين يبلغ حجم الاستثمارات الأفريقية في مصر 2.8 مليار دولار.
وتتمثل أهم الصادرات المصرية إلى دول أفريقيا في السكر والمخاليط العطرية وأجهزة الاستقبال، وترابيع البلاط والمكعبات، ومنتجات شمع البارفين، وغيرها، في حين تتمثل أهم الواردات المصرية من الدول الأفريقية في الشاي، وغاز البوتان، والأقطاب السالبة من النحاس، والقطن.
* تعد كل من الجزائر، والسودان، وليبيا، ونيجيريا، والمغرب، وإثيوبيا، وسوازيلاند، وتنزانيا، وكينيا، وكوت ديفوار (ساحل العاج)، من أهم الوجهات المصرية للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا.
* تمتلك دول القارة موارد اقتصاديّة ضخمة، إذ توجد فيها نحو 30 في المائة من الثروة المعدنية بالكامل في العالَم، و8 في المائة من الاحتياطيات النفطيّة، و7 في المائة من احتياطي الغاز.

- أفريقيا... وفرصها الواعدة
ترى الدكتورة سالي فريد، مديرة مركز البحوث الأفريقية بجامعة القاهرة، أن مصر حرصت، بعد «ثورة يناير» 2011، على إعادة ترتيب أولويات سياستها الخارجية، بما يعيد التوازن في علاقاتها التي كانت سائدة على صعيد كثير من القضايا والملفات، وفي مقدمتها العلاقات مع أفريقيا، التي أتاح غياب مصر عنها لقوى أخرى فرصة التسلل إليها، وتهديد مصالحها بها.
وأضافت فريد في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «التحرك المصري لتدعيم علاقات التعاون مع الدول والتكتلات الأفريقية، لا بد أن يكون من خلال إبرام الاتفاقات التجارية معها، وزيادة حجم التبادل التجاري بينها وبين الدول الأفريقية، الذي يعد ضئيلاً مقارنة بحجم تجارة مصر مع العالم».
وأشارت الخبيرة في الشؤون الأفريقية إلى أن «الاستثمارات المصرية في القارة الأفريقية تواجه العديد من المنافسين على المستوى العالمي والإقليمي، ما يجعلها بحاجة إلى تعزيز استثماراتها في القارة، مما يساعد على تعزيز وزيادة قدرتها لاستعادة دورها الريادي مرة أخرى، ودفع العلاقات الاقتصادية المصرية مع دول القارة، فالتجارة والاستثمار يخلقان المصالح بين الدول، خصوصاً في ظل وجود نحو 32 اتفاقية استثمار ثنائية مع الدول الأفريقية، منها 11 اتفاقية سارية ستسهل ذلك التوجُّه».
وتابعت فريد أن «اختيار القارة الأفريقية كبوصلة للاستثمارات المصرية في الفترة المقبلة سيعود بالفائدة على الاقتصاد المصري، لما تمتلكه دول تلك القارة من موارد اقتصاديَّة ضخمة، كما تشكّل سوقاً استهلاكيَّة كبيرة تضمُّ نحو 1.2 مليار نسمة وموارد بشرية، بجانب موقعها الاستراتيجي المتميز عن بقية المناطق في العالم، وتتوافر العديد من الفرص لرجال الأعمال المصريين في أفريقيا في مجالات التجارة والاستثمار سواء في السلع أو الخدمات».
واقترحت الدكتورة فريد «بناء علاقات ثنائية قوية مع الدول الأفريقية على غرار تجارب دول أخرى، باعتبارها خطوة أولى يتعين البدء بها، ويمكن التركيز على الدائرة الأولى المتمثلة في دول حوض النيل والشرق الأفريقي، ثم التوسع في المراحل المقبلة مع عدد أكبر من الدول الأفريقية». واعتبرت أن «هناك ضرورة لتحقيق التكامل بين مصر والدول الأفريقية على أرض الواقع... يمكن أن تحصل مصر على وارداتها من الدول الأفريقية، بدلاً من العالم الخارجي من خلال صادرات الدول الأفريقية المتخصصة في تصدير السلع الأولية والمواد الخام، وفي المقابل تحصل الدول الأفريقية على وارداتها من مصر بدل اللجوء إلى العالم الخارجي».
كذلك طالبت الخبيرة في الشؤون الأفريقية بإنشاء وحدة خاصة بالسوق الأفريقية وتخصيص خط تمويلي للصادرات المصرية للسوق الأفريقية لتغطية مخاطر الائتمان، وإنشاء مخازن مصرية في الدول الأفريقية حتى تكون البضائع حاضرة في تلك الأسواق، ولتصبح تلك المخازن قاعدة انطلاق للصادرات المصرية، وإعداد قاعدة بيانات لتوفير البيانات اللازمة عن المنتجات المطلوبة وتحديد المنتجات المصرية التي تناسب أذواق المستهلكين. بالإضافة إلى أهمية الدعم الدبلوماسي للمصدرين إلى الدول التي لا توجد بها مكاتب تجارية، وإقامة معرض دائم للمنتجات المصرية لعرضها على المستهلكين والمستوردين لاستغلال الفرصة المهيأة حالياً.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.