اتهامات لـ {هيئة الحقيقة والكرامة» بتقديم تعويضات مجزية لمؤيدي «النهضة»

على هامش مؤتمرها الختامي في تونس

أعضاء من الحزب الدستوري الحر يتظاهرون أمس أمام مقر {هيئة الحقيقة والكرامة» (أ.ف.ب)
أعضاء من الحزب الدستوري الحر يتظاهرون أمس أمام مقر {هيئة الحقيقة والكرامة» (أ.ف.ب)
TT

اتهامات لـ {هيئة الحقيقة والكرامة» بتقديم تعويضات مجزية لمؤيدي «النهضة»

أعضاء من الحزب الدستوري الحر يتظاهرون أمس أمام مقر {هيئة الحقيقة والكرامة» (أ.ف.ب)
أعضاء من الحزب الدستوري الحر يتظاهرون أمس أمام مقر {هيئة الحقيقة والكرامة» (أ.ف.ب)

شرعت، أمس، {هيئة الحقيقة والكرامة» في تونس، وهي الهيئة الدستورية المكلفة بمسار العدالة الانتقالية، في عقد مؤتمرها الختامي الذي يدوم يومين، وذلك في ظل خلافات وانتقادات لمواصلتها النشاط بعد أن صوّت البرلمان التونسي لصالح إنهاء مهامها منذ مايو (أيار) الماضي، وسط خشية من أحزاب معارضة من استعمال أموال تعويضات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، البالغ عددهم أكثر من 10 آلاف، لغايات انتخابية.
ووصفت سهام بن سدرين، رئيسة الهيئة، تنظيم هذا المؤتمر بـ«المعجزة» لأن «الهيئة تمكنت من إنهاء أشغالها رغم كل العداء والتعطيلات التي واجهتها طيلة فترة عملها»، مضيفة أن ذلك لم يمنع المناوئين لأنشطتها - على غرار «الحزب الحر الدستوري» الذي تقوده عبير موسى أحد رموز النظام السابق، والمؤيدين لمخرجات أعمالها، ومن بينهم ضحايا الانتهاكات - من تنظيم وقفتين احتجاجيتين لكل منهما حججه ومبرراته. وفي هذا الشأن، انتقدت عبير موسي خلال وقفة احتجاجية نظمتها أمس أمام صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية للمحامين، حيث مقر الاجتماع، إقرار تعويضات لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان خلال الفترة الممتدة بين عامي 1955 و2013. وقالت في تصريح إعلامي إن هيئة «الحقيقة والكرامة» تهدف من خلال هذا المؤتمر إلى «تبييض أعمالها وتبييض أطراف سياسية بعينها». واتهمت موسى هذه الهيئة بتزييف التاريخ وتحريف الذاكرة الوطنية وتشويه صورة الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة من خلال إثارة عدة ملفات سياسية على غرار ملف اغتيال الزعيم يوسف بن صالح سنة1961 في ألمانيا، وهو اغتيال وجهت فيه أصابع الاتهام إلى الرئيس الأول لتونس على خلفية خلاف حاد على السلطة.
وكانت {هيئة الحقيقة والكرامة» قد أحالت الأربعاء الماضي ملف اغتيال الزعيم الوطني صالح بن يوسف (من القوميين) على الدائرة القضائية المتخصصة بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة التونسية، وهو آخر ملف تحيله على القضاء قبل إنهاء مهامها.
وأشارت موسى إلى أن هذه الاتهامات وجهت إلى رموز تونس ومن خدموا الحركة الوطنية مقابل تبييض «الإخوان»، ودعت إلى رفض ما وصفته بـ«المحاكمات الجائرة والإحالات التعسفية على الدوائر القضائية المتخصصة». وأضافت أن هيئة «الحقيقة والكرامة» قدمت تعويضات مالية مجزية لمؤيدي حركة «النهضة»، وأضافت أن تلك التعويضات التي يأتي الكثير منها من خارج تونس ستوظف لتمويل الحملة الانتخابية الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها خلال السنة المقبلة.
في السياق ذاته، انتقد المئات ممن كانوا ضحية انتهاكات حقوق الإنسان في وقفة احتجاجية بالمكان نفسه وفي التوقيت ذاته، عدم تسلم الضحايا قرارات التعويض بصفة فردية، عوضاً عن قرار إطاري يضم الآلاف ممن كانوا ضحايا في عهدي بورقيبة وبن علي، ومعظمهم من المساجين السياسيين. وفي مقابل هذه الاتهامات، اعتبرت بن سدرين في كلمة ألقتها في افتتاح المؤتمر أن المشكلات التي واجهتها الهيئة طبيعية لأنه لا توجد أي «لجنة حقيقة» في العالم لم تواجه تعطيلات، مشددة على أنها «أوفت بعهدتها تجاه تونس». وأكدت على أن الهيئة نجحت في «تفكيك منظومة الفساد والاستبداد، وهو ما يفسر تشنج بعض الذين حاولوا عرقلة مسارها». واتهمت من حكموا تونس منذ عهد الاستقلال بعدم الوفاء دائماً للوطن، كما اتهمتهم بالانفراد بالحكم «والسيطرة على موارد الدولة العمومية وتوظيفها من أجل بلوغ أهدافهم، وأسكتوا الأصوات التي حاولت أن ترتفع لكشف مراميهم ولم يتوانوا في الاعتماد على القتل والقمع والاستبداد».
وفي حديثها عن أعمال الهيئة ومساهماتها في كشف الحقائق، قالت بن سدرين إن الهيئة تلقت ملفات كثيرة من أفراد وأقليات، من بينهم يهود وأحزاب وجمعيات، وهدفها الأساسي ضمان عدم تكرار الانتهاكات.
يذكر أن هيئة «الحقيقة والكرامة» شرعت في النشاط الفعلي منذ 2014 بهدف تحديد مسؤولية أجهزة الدولة التونسية ومساءلة المسؤولين عنها، وجبر الضرر، ورد الاعتبار للضحايا. وتلقت طوال نحو خمس سنوات من العمل نحو 62 ألف ملف حول انتهاكات لحقوق الإنسان، ونظرت في 42 ألفاً من هذه الملفات. وتقدم هيئة «الحقيقة والكرامة»، خلال مؤتمرها الختامي، تقريرها النهائي والتوصيات الواجب اتباعها لضمان عدم تكرار مثل تلك الانتهاكات الحادة لحقوق الإنسان في تونس.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.