حكومات لبنان الموسّعة... تقاسم السلطة تحت عنوان «الميثاقية»

احتوت الأزمات السياسية وفشلت في الإصلاحات الاقتصادية

TT

حكومات لبنان الموسّعة... تقاسم السلطة تحت عنوان «الميثاقية»

منذ «اتفاق الطائف» إلى اليوم اعتاد لبنان على حكومات موسّعة معظمها من 30 وزيراً، تجمع بين مختلف الأطراف السياسية وفق منطق «المحاصصة» وتحت عنوان «الميثاقية». لكن هذه الميثاقية التي انعكست إلى حد ما استقراراً أمنياً وسياسياً بعد الحرب، أثبتت فشلها اقتصادياً واجتماعياً، وهو ما تثبته الشعارات نفسها التي لم تتحقق منذ عشرات السنين، والتي تتمحور حول الإصلاحات ومحاربة الفساد.
ويبدو واضحاً من سياق الأحداث والمشاورات التي يقوم بها الرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل الحكومة، أن مجلس الوزراء المقبل لن يكون مختلفا عن سابقيه للأسباب نفسها، رغم رفع بعض الأصوات المطالبة بحكومة مصغّرة تجمع اختصاصيين أو تكنوقراط أو الذهاب إلى حكومة أقطاب.
وفشل طرح رئيس الجمهورية ميشال عون الأخير بتأليف حكومة من 18 وزيرا يؤكّد هذا الواقع، ويزيد الأمور تعقيدا، في ظل تمترس كل الأطراف خلف مواقفها، في ظل المعلومات التي تشير إلى أن الرفض الأساسي لهذه الصيغة أتى من قبل الثنائي الشيعي «حزب الله» و«حركة أمل» إضافة إلى أطراف أخرى لأسباب مرتبطة بعدم القدرة على تمثيل الأقليات وتقليص حصص معظم الأطراف وهو ما سيؤدي إلى خلط أوراق الخريطة الوزارية التي باتت جاهزة.
وفي هذا الإطار، يتفق النائب في «حزب الكتائب» إلياس حنكش، والقيادي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش، ومدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» سامي نادر، على أن التوازنات السياسية الحالية في لبنان تمنع تشكيل حكومة مصغّرة رغم إثبات حكومة الوحدة الوطنية فشلها.
ومع دعوة «حزب الكتائب» لتأليف حكومة إنقاذ مصغّرة تضم اختصاصيين، وهو الاقتراح الذي قدّمته كتلته النيابية إلى عون والحريري، يرى حنكش في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الهدف الأساسي الذي يحول دون الذهاب إلى حكومة مصغّرة هو سعي الجميع إلى تقاسم السلطة واعتماد معيار واحد هو تقاسم المغانم بعد الانتخابات النيابية بغض النظر عن اختلاف البرامج والسياسات فيما بينها.
وفي ظل ما يرى أنه سباق نحو التوزير حيث بات كل من لا يحصل على مطلبه يعطّل الحكومة، يسأل حنكش: «لماذا لا يكون لدينا منطق الموالاة والمعارضة؟»، عادّاً أن الحكومات المتعاقبة التي تشكّلت تحت عنوان الوحدة الوطنية جامعة في معظمها بين أفرقاء مختلفين في السياسات، أثبتت فشلها.
وفي حين يلفت إلى أن الحريري لم يكن بعيدا عن خيار اقتراح «حكومة متخصّصين» تتوافق مع التوزيع الطائفي، عند لقائه وفد «الكتائب» قبل أيام، عدّ أن طرح الرئيس عون تشكيل حكومة من 18 وزيرا بداية التفكير الصحيح، خصوصاً في ظل ما يفترض أن تكون «سياسة تقشف» في ظل الوضع الاقتصادي المتردّي، عادّاً أن المشكلة تكمن في عدم قبول الفرقاء الآخرين بها بعدما لم يعد تأليف الحكومة مقتصرا على الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية؛ بل على موافقة أفرقاء آخرين، لا سيّما «حزب الله» الذي بات يلعب دورا أساسيا في هذا الإطار، وهو ما يعكسه أخيرا مطلب تمثيل «سنّة 8 آذار».
ومع إقراره بأنه لا جهة تقبل بها، يرى علوش أن المخرج من الأزمة اليوم هو تشكيل حكومة مصغرة من أقطاب أو تقنيين. ويعد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «نجاح حكومة مصغّرة يتطلّب وجود دولة قابضة على مفاصل الحكم، وهو ما ليس متوفّرا في لبنان؛ حيث الدولة ممزّقة على مختلف المستويات وبين الزعامات السياسية والطائفية، لا سيّما على المستويين الأمني والعسكري، بحيث يجعلها فاقدة القدرة على اتخاذ القرارات، بل الاتجاه للأسف إلى سياسة قوننة الفساد».
وبعدما فشل خيار الحلّ بتأليف حكومة من 30 وزيرا ومن ثم 32 و18 وزيرا، يرى علوش أن الحلّ قد يكون بتشكيلها من 24 وزيرا إذا لاقى هذا الطرح قبول الأطراف السياسية، مضيفا أن «التوازنات القائمة بين القوى السياسية وداخلها يجعل الفرقاء يرفضون خيار الحكومة المصغّرة التي ستجعلهم يغيّرون حساباتهم وخريطة توزيع الوزارات».
ومع تبدّل شكل الحكومات على امتداد تاريخ لبنان، التي كانت في معظمها ثلاثينية، منذ اتفاق الطائف، يعدّ الدكتور سامي نادر أن التحوّل الأساسي كان باتجاه الانتقال شيئا فشيئا من منطق السلطة التنفيذية المنتجة إلى المحاصصة تحت عنوان «الميثاقية»، بحيث تكاد تتحوّل إلى مجلس نواب مصغّر يمثل كل الأطراف بدل أن ينصب اهتمامها على الإصلاح وتلافي الأزمات.
ولا ينفي نادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن حكومة الوحدة الوطنية التي اتسمت بها حكومات ما بعد «اتفاق الطائف»، نجحت في احتواء الأزمات السياسية وتنفيس الاحتقان في الشارع، مؤكدا أنها أثبتت فشلها اقتصاديا واجتماعيا.
ويصف المحاصصة التي باتت تطغى على ما عداها في لبنان، بـ«الوجه الآخر للفساد الذي بات يعطّل المؤسسات ودور البرلمان وأجهزة الرقابة في ظل سياسة اتخاذ القرارات التوافقية بين الأطراف بما يتوافق مع مصالحها الخاصة»، بينما يعدّ أن «الميثاقية جعلت (حزب الله) قادرا على الإمساك بقرارات الدولة عبر (الفيتو) الذي أعطاه لنفسه حيناً في مواجهة القرارات، وأحيانا في تعطيل تأليف الحكومة... وغيرها، كما يحدث في الوقت الحالي».



15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.