إصابة الأطفال بالفيروسات والبكتيريا قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية

لا شك في أن العدوى والإصابة بالأمراض العضوية المختلفة تؤثر بالسلب على صحة الطفل أو المراهق من الناحية الجسدية والفسيولوجية، وربما يشعر ببعض القلق أو الضيق أثناء فترة إصابته، لكن هل من الممكن أن تكون الإصابة بالأمراض العضوية سبباً يمهد ويزيد من فرص الإصابة لاحقاً بالأمراض النفسية؟
للإجابة عن هذا السؤال، قام علماء من «مستشفى أرهوس الجامعي» الدنماركي (Aarhus University Hospital) بإجراء دراسة نشرت في شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي في «مجلة الجمعية الأميركية لأطباء الطب النفسي»، (journal JAMA Psychiatry) عن الصلة بين إصابة الأطفال والمراهقين بأنواع العدوى المختلفة سواء الفيروسية والبكتيرية، واحتمالية إصابتهم لاحقاً بالأمراض النفسية.

عدوى شديدة

أشار الباحثون إلى أنه رغم أن خطورة الإصابة شملت العدوى البسيطة التي يتم علاجها في المنزل بالعقاقير وكذلك العدوى القوية، فإنه كلما كانت العدوى شديدة وتحتاج إلى الحجز في المستشفيات، زادت فرص الإصابة لاحقاً بالاضطرابات النفسية. ولم يتمكنوا من معرفة ما إذا كانت العدوى نفسها هي التي تسبب المرض النفسي أو تحدث نتيجة للأثر الجانبي للعلاج الدوائي المستخدم. ووجد الباحثون أن الأطفال الذين تم حجزهم في المستشفيات جراء الإصابة بالعدوى المختلفة لديهم فرصة أكبر للإصابة بالاضطرابات النفسية بنسبة 84 في المائة وكذلك نسبة 42 في المائة أكثر لتعاطى علاج نفسي. وكانت النسبة أقل لدى الأطفال الذين يمرضون بعدوى بسيطة تستلزم علاجهم بالمنزل وتناولهم مضادا حيويا، وبلغت نسبة حجزهم في المستشفيات 40 في المائة، بينما كانت بلغت نسبة علاجهم بعلاج نفسي 22 في المائة فقط.
حاول الباحثون تفسير نتيجة الدراسة من خلال نظريتين؛ الأولى تشير إلى أن الالتهاب الناتج عن العدوى يؤثر على المخ الذي ما زال في مرحلة التكوين بشكل عضوي، بطريقة سلبية عن طريق مواد معينة يتم إفرازها في حالات الالتهاب بشكل عام في رد فعل من الجسم لمقاومة العدوى، وهذه المواد تسمى «سيتوكين»، (inflammatory cytokines) وكلما زادت كميتها في الدم، زادت فرص التأثير على المخ، وهو ما يمكن أن يمهد لاحقا للإصابة بالمرض النفسي. وتشير النظرية الثانية إلى أن علاج العدوى بالعقاقير ربما يغير من خواص البكتيريا الطبيعية الموجودة في الأمعاء، ويسبب خللا في مناعة الجسم بشكل عام، ويمكن أن يصل هذا التأثير إلى المخ، وأشاروا إلى أنهم لا يستبعدون وجود جانب جيني أيضا يجعل بعض الأشخاص مهيئين لحدوث ذلك الربط بين المرض العضوي والنفسي، وربما يكون هذا هو السبب في أن هناك بعض الأشخاص يحدث لهم المرض النفسي والتلف الدائم للمخ، والغالبية العظمى من الأشخاص لا يحدث لهم ذلك.

دور الأدوية

قام الباحثون بتتبع بيانات أكثر من مليون شخص ولدوا في الدنمارك في الفترة بين عامي 1995 و2012، ومن هؤلاء كانت هناك نسبة نحو 5 في المائة تم حجزهم في المستشفيات جراء الإصابة بأمراض نفسية، وكانت هناك نسبة بلغت 4 في المائة يتناولون علاجا نفسيا بالفعل. ووجد الفريق أن معدل الخطورة يزداد في العدوى التي يتم علاجها بالعقاقير والمضادات الحيوية على وجه الخصوص، كما أن معدل الخطورة يختلف باختلاف الاضطراب النفسي، وأيضا كلما كانت العدوى بكتيرية، زادت الخطورة.
وكانت الأمراض النفسية المرتبطة بالحجز في المستشفيات تشمل قائمة، مثل الوسواس القهري، والفصام، والتغير في الشخصية والسلوك، والتأخر العقلي، والتوحد، وفرط النشاط، ونقص الانتباه، والخلل في التفاعل الاجتماعي، وأيضا شملت القائمة أمراضا أخرى غير العدوى ومرتبطة بالمرض النفسي، مثل الروماتيزم، وأمراض القلب، والإصابة بالأورام المختلفة.
وأشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تمهد للوصول إلى طرق جديدة لعلاج الأمراض النفسية المستعصية عن طريق فهم دور العدوى والمضادات الحيوية في حدوثها، ويكون من الممكن تفادي أدوية معينة بحد ذاتها من شأنها زيادة معدلات الخطورة. وشددت الدراسة على أن هذه النتائج تشمل العدوى بشكل عام ولا تشمل كل عدوى ميكروبية على حدة، وأنه لا داعي لقلق الآباء من إصابة أولادهم بالعدوى، وليس بالضرورة أن تؤدي إلى التأثير على الصحة النفسية؛ بل على العكس تماما، فإن الإصابة بأنواع العدوى المختلفة ضرورية لنمو جهاز المناعة، وتعد بمثابة الحافز لتطوره وجعله قادرا على مقاومة كثير من الأمراض.
وأضافت الدراسة أن الباحثين في العقود الأخيرة ربطوا بين سلامة المخ والجهاز المناعي وسلامته، حتى إن هذا الربط شمل أمراض الجهاز الهضمي وارتباطها بحدوث نوع من الاكتئاب والإحباط، وهو الأمر الذي غير من بروتوكول العلاج بحيث يشمل علاج القولون والمعدة وصف مضادات للقلق على سبيل المثال للدلالة على ارتباط العامل الجسدي بالعامل النفسي.
أكد العلماء أنه رغم أن هناك كثيرا من النظريات التي تحاول تفسير هذا الارتباط، مثل «النظرية الجينية» التي تعتمد على التهيئة الجينية لبعض الأشخاص لحدوث أمراض نفسية لهم بعد إصابتهم بأمراض عضوية، فإن الكيفية الأكيدة التي يحدث بها هذا الارتباط ما زالت غير واضحة حتى الآن، وأن نسبة خطورة حدوث الأمراض النفسية تكون في أقصى معدلات حدوثها بعد مرور 3 أشهر على التعافي من الإصابة بالعدوى. وهذا الأمر يجب أن يوضع في الحسبان لتنفيذ المتابعة الجيدة للطفل ومعرفة ما إذا كان تعرض لأي من الاضطرابات النفسية بعد شفائه من عدمه. ويجب أيضا أن يتم لفت نظر الأمهات لمتابعة حالة الطفل النفسية في الأشهر الثلاثة الأولى سواء في المنزل أو المدرسة، وإلى أي مدى تغيرت عاداته اليومية. وفي حال الشك، فيجب إبلاغ الطبيب النفسي.
* استشاري طب الأطفال