رحيل أيقونة «تلفزيون لبنان» الممثلة والمذيعة نهى الخطيب سعادة

تركت لابنتيها رسالة أوصتهما فيها بحب الحياة

نهى الخطيب سعادة
نهى الخطيب سعادة
TT

رحيل أيقونة «تلفزيون لبنان» الممثلة والمذيعة نهى الخطيب سعادة

نهى الخطيب سعادة
نهى الخطيب سعادة

عن عمر ناهز الـ74 سنة، رحلت الممثلة والمذيعة المخضرمة نهى الخطيب سعادة. وبعد معاناة مع الألم تسبب به حادث سير تعرضت له في أوائل التسعينات، غادرتنا سعادة الإعلامية والممثلة التي ساهمت في صناعة الحقبة الذهبية لتلفزيون لبنان. ابنتاها ندى ورنا بقيتا إلى جانبها طيلة أيام معاناتها، وقبيل أسبوع نُقلت إلى مستشفى رزق في الأشرفية، بعد أن عانت من ضيق في التنفس (التهاب رئوي)، وبقيت على آلات الأوكسيجين تتنفس اصطناعياً طيلة هذه المدة.
وكأن سعادة كانت تعلم برحيلها القريب، فتركت رسالة بخط يدها سلّمتها إلى أحد الأشخاص المقربين من العائلة، طالبة منه تسليمها لابنتيها عندما يحين الوداع.
«لقد تأثّرنا كثيراً بما أوصتنا به في هذه الرسالة التي خطّتها منذ فترة، وكنّا نجهل وجودها». تقول ابنتها ندى في حديث لـ«الشرق الأوسط». وعن محتوى هذه الوصية تقول: «لقد أخبرتنا عن حبها الكبير لنا. وطالبتنا بأن نحب الحياة على الرغم من كل مصاعبها؛ لأن الحياة حلوة وتستأهل الصراع من أجلها». يتهدّج صوت ندى وهي تخبرنا عن محتوى الرسالة لتختم كلامها: «كما طلبت منّا أيضاً أن نحترم الناس من أكبرهم إلى أصغرهم...». وأضافت: «اعذريني لن أستطيع التحدث معكِ أكثر...».
وفور إعلان خبر وفاة الإعلامية والممثلة المخضرمة، انهمرت التعليقات من زملاء لها ينعونها على وسائل التواصل الاجتماعي. وبينهم من راح ينشر ذكرياته معها في حين آثر آخرون أمثال الممثل سمير شمص الذي شاركها في عدد من مسلسلاتها، أن يقول لها «زهرة تلفزيون لبنان وداعاً» وكتب: «وداعاً يا حبيبة جاد في مسلسل النهر نهى الخطيب سعادة... وداعاً يا زهرة تلفزيون لبنان... إلى جنات الخلد أيتها الحبيبة الغالية». أما الإعلامية غابي لطيف التي عملت إلى جانبها في تلفزيون لبنان قبل هجرتها إلى باريس، فقد كتبت عنها تقول: «سيدة الشاشة الفضية صديقتي وملهمتي وزميلتي مبدعة راقية مثقفة ومتواضعة هي فاتن حمامة لبنان. كبيرة سيدات الشاشة اللبنانية... وجه ذهبي في الزمن الجميل إن رحل ولكنّه يبقى محفورا في الذاكرة... وداعاً حبيبتي كل الوفاء إلى الأبد».
حلمت سعادة بالتمثيل منذ نعومة أظافرها، وكانت تهوى مشاهدة الأفلام السينمائية. في مدرسة الليسيه، كانت من الأوائل وكانت السباقة إلى ميدان التلفزيون في بداية عهده، ونالت شهادة الفلسفة ودخلت الجامعة، إلا أن الأضواء نادتها لتنضم إلى عائلة تلفزيون لبنان في أوائل الستينات. ونجحت كمذيعة ربط برامج وكممثلة تجيد أداء الأدوار الصعبة. وكانت تجربتها الأولى مع ظريف لبنان نجيب حنكش.
أول مسلسل تلفزيوني اشتركت فيه كان «الخديعة» إلى جانب محمود سعيد، وإخراج إيلي سعادة. بلغ أجرها عنه في تلك الحقبة 200 ليرة، وكان ذلك في عام 1970.
بعدها اشتركت في بطولة مسلسلات كثيرة، أهمها: «الجوال»، و«حتى نلتقي»، و«النهر»، و«لمن تغني الطيور»، و«غرباء»، كما مثلت حلقة من سلسلة «قصص حب»، وهي كناية عن أربع قصص مع المخرج ألبير كيلو، إضافة إلى ست حلقات منفردة مع زوجها إيلي سعادة، وخمس حلقات كوميدية للجاحظ، وكانت ترتاح للتمثيل إلى جانب أنطوان كرباج.
من أبرز محطات سعادة في دنيا التمثيل مسلسل «شهران في الحب». وقد مثلت الكثير من الأدوار التي أحبتها، مثل «البخلاء»، و«الهاجس» مع شكيب خوري و«مياسة». واختارها يوماً الموسيقار فريد الأطرش لتشاركه بطولة فيلم «زمان يا حب»، لكنها رفضت.
أجيال كثيرة تربّت على أداء نهى الخطيب سعادة في مسلسلات بالأبيض والأسود، ومن ثمّ بالألوان. ومن بين الأعمال التي رسخت في ذاكرة المشاهد اللبناني في تلك الحقبة «النهر» و«ديالا» و«نسرين»، حتى أن بعض اللبنانيين ولإعجابهم الكبير بموهبتها وتيمناً باسميها في المسلسلين الأخيرين أطلقاه على بناتهن.
وعما اكتسبته من والدتها الراحلة، تقول ندى في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تعلمنا منها كل ما هو جميل... تعلمنا منها اللطف والأخلاق الدمثة، وحسن التعامل مع الآخر. فهي كانت مسامحة إلى أبعد حدّ. وفي آخر أيامها كانت هادئة وحنونة، ولطالما تمنّت بألا يصاب أي شخص بالألم والوجع، وحتى لو كان من أعدائها».



من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
TT

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

في الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، تنافست أعمال استثنائية نقلت قصصاً إنسانية مؤثّرة عن واقع المرأة في إيران وأفغانستان. وسط أجواء الاحتفاء بالفنّ السينمائي بوصفه وسيلةً للتعبير والتغيير، قدَّم فيلما «السادسة صباحاً» للإيراني مهران مديري، و«أغنية سيما» للأفغانية رؤيا سادات، شهادتين بارزتين على تحدّيات النساء في بيئاتهن الاجتماعية والسياسية.

«السادسة صباحاً»... دراما الصراع مع السلطة

يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة الإيرانية التي تتأهّب لمغادرة طهران لإكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهةً مفاجئةً مع «شرطة الأخلاق»؛ إذ يقتحم أفرادها حفلاً صغيراً في منزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تعيشه النساء الإيرانيات في ظلّ نظام تحكمه الرقابة الصارمة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يطاردهن حتى في أكثر اللحظات بساطة.

الفيلم، الذي أخرجه مهران مديري، المعروف بسخريته اللاذعة، يجمع بين التوتّر النفسي والإسقاطات الاجتماعية. وتُشارك في بطولته سميرة حسنبور ومهران مديري نفسه الذي يظهر بدور مفاوض شرطة يضيف أبعاداً مرعبة ومعقَّدة إلى المشهد، فيقدّم دراما تشويقية.

لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي)

«أغنية سيما»... شهادة على شجاعة الأفغانيات

أما فيلم «أغنية سيما»، فهو رحلة ملحمية في زمن مضطرب من تاريخ أفغانستان. تدور الأحداث في سبعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد صراعات سياسية وآيديولوجية بين الشيوعيين والإسلاميين. يتبع العمل حياة «ثريا»، الشابة الشيوعية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وصديقتها «سيما»، الموسيقية الحالمة التي تبتعد عن السياسة.

الفيلم، الذي أخرجته رؤيا سادات، يستعرض العلاقة المعقَّدة بين الصديقتين في ظلّ انقسام آيديولوجي حاد، ويُظهر كيف حاولت النساء الأفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكرامتهن وسط دوامة الحرب والاضطهاد. بأداء باهر من موزداح جمال زاده ونيلوفر كوخاني، تتراءى تعقيدات الهوية الأنثوية في مواجهة المتغيّرات الاجتماعية والسياسية.

من خلال هذين الفيلمين، يقدّم مهرجان «البحر الأحمر» فرصة فريدة لفهم قضايا المرأة في المجتمعات المحافظة والمضطربة سياسياً. فـ«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة، مع الإضاءة على دور الفنّ الحاسم في رفع الصوت ضدّ الظلم.

في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فيلم «السادسة صباحاً» ينساب ضمن وحدة زمانية ومكانية لنقد التسلُّط الديني لا السلطة الدينية، واقتحام النيات والمنازل، وممارسة النفوذ بمحاكمة الناس، وما تُسبّبه تلك الممارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «سارة»، أو تعريض أخيها للانتحار. فهذه المآلات القاسية، مرَّرها المخرج بذكاء، وبأداء رائع من البطلة سميرة حسنبور، علماً بأنّ معظم الأحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر المُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الكون، واستنساخ المكان وإسقاطه على آخر يمكن أن يعاني أبناؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها.

على الصعيد الفنّي، يقول البشير: «أجاد المخرج بتأثيث المكان، واختيار لوحات لها رمزيتها، مثل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للهولندي يوهانس فيرمير، ورسومات مايكل أنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان، وغيرها من الرموز والاختيارات المونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة».

يأتي ذلك تأكيداً على انفتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومراهنته على مكانته المرتقبة في قائمة المهرجانات العالمية، وترحيبه دائماً بكل القضايا المشروعة.

ونَيل «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً» وغيرهما من أفلام هذه الدورة، التقدير، وتتويج «الذراري الحمر» للتونسي لطفي عاشور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خلايا إرهابية شخصاً بريئاً... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصبحت أهم وسيلة عصرية لمناصرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون.

وأظهر المهرجان الذي حمل شعار «للسينما بيت جديد» التزامه بدعم الأفلام التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصةً حيويةً للأصوات المبدعة والمهمَّشة من مختلف أنحاء العالم.