تنازلات ماكرون لم ترضِ الجميع... وانقسام بين اليمين واليسار حولها

بداية تشقّق في صفوف «السترات الصفراء» والحكومة تراهن على الرأي العام

ماكرون يتوسط رئيس الوزراء إدوار فيليب ووزير المالية برونو لومير في الإليزيه أمس (رويترز)
ماكرون يتوسط رئيس الوزراء إدوار فيليب ووزير المالية برونو لومير في الإليزيه أمس (رويترز)
TT

تنازلات ماكرون لم ترضِ الجميع... وانقسام بين اليمين واليسار حولها

ماكرون يتوسط رئيس الوزراء إدوار فيليب ووزير المالية برونو لومير في الإليزيه أمس (رويترز)
ماكرون يتوسط رئيس الوزراء إدوار فيليب ووزير المالية برونو لومير في الإليزيه أمس (رويترز)

تتابع الحكومة عن كثب تحولات الرأي العام الفرنسي إزاء حركة «السترات الصفراء» الاحتجاجية بعد كلمة الرئيس الفرنسي مساء أول من أمس، التي أعلن فيها عن «حزمة» إجراءات، بغرض إطفاء الحريق المشتعل في البلاد منذ منتصف الشهر الماضي.
وتأمل الحكومة أن تكون «التنازلات» التي قدمها إيمانويل ماكرون كافية في هذه المرحلة لوضع حد للحركة الاحتجاجية، وتلافي عودة المحتجين ومعهم «المشاغبون» إلى شوارع باريس والمدن الرئيسية في «سبت أسود» جديد سيكون الخامس من نوعه. وكان ماكرون الذي على غير عادته بدا متواضعاً ومعترفاً بأخطائه، قرر الاستجابة ولو متأخراً لعدد من مطالب المحتجين.
ولذا، فقد قرر إعطاء 100 يورو لأصحاب رواتب الحد الأدنى وإعفاء المعاشات التقاعدية التي لا تتجاوز 2000 يورو من الضرائب الإضافية، وكذلك الأمر بالنسبة لساعات العمل الإضافية التي كانت تدفع عنها الضرائب سابقاً. وأخيراً، حثّ ماكرون أرباب العمل، على قاعدة اختيارية، أن يقدموا «علاوة» للموظفين بمناسبة نهاية العام.
وضع ماكرون توجهاته الضرائبية الجديدة في إطار إعلان «حالة الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية». بيد أن تدابيره لم تأتِ على ذكر إعادة العمل بضريبة الثروة التي كان يطالب بها المحتجون، والتي كانت توفر لخزينة الدولة 4.2 مليار يورو في العام.
وفي السياق عينه، امتنع الرئيس الفرنسي عن إيجاد شريحة ضرائبية جديدة للرواتب المرتفعة أو فرض على الشركات أن يكون لها دور في تمويل التدابير الاجتماعية. والنتيجة أن كلفتها ستتراوح بين 8 و10 مليارات يورو وفق الناطق باسم الحكومة، الوزير بنجامين غريفو. ويضاف إلى هذا المبلغ 4 مليارات يورو ستخسرها الدولة بسبب تخليها عن زيادة الرسوم المقررة سابقاً على المحروقات. وفي المحصلة، فإنه يتعين على الحكومة التي ستقدم ميزانيتها إلى المجلس النيابي قبل نهاية العام أن تعثر على 10 إلى 12 مليار يورو.
ولم تُحدث سلسلة التراجعات التي دُفعت الرئاسة والحكومة إليها، «الصدمة» المطلوبة، لا على مستوى الطبقة السياسية، ولا لدى «السترات الصفراء».
وتُبرز الصورة السياسية لفرنسا اليوم انقساماً أفقياً على الشكل التالي؛ الأكثرية النيابية «حزب الجمهورية إلى الأمام»، والوسط «الحزب الديمقراطي»، واليمين الكلاسيكي «حزب الجمهوريين»، وأرباب العمل، يصفقون للتدابير الرئاسية مع بعض التحفظ لليمين بشأن سبل توفير التمويل، وامتناع ماكرون عن تبين سياسة خفض الإنفاق الحكومي.
أما أقصى اليمين ممثلاً بـ«التجمع الوطني» الذي ترأسه مارين لوبن وحزب «انهضي فرنسا» برئاسة النائب نيكولا دوبان – دينيان، فإنهما من أشد منتقدي التدابير الحكومية.
وفي المقابل، يعارض اليسار بجميع تلاوينه «الحزبان الاشتراكي والشيوعي وحركة فرنسا المتمردة المصنفة في أقصى اليسار» التدابير الأخيرة، باعتبارها «منقوصة» و«غير كافية» وتكتفي بإعطاء «الفتات» للفئات الأكثر هشاشة، بينما لا تطلب من أصحاب الثروات أن يساهموا في المجهود الجديد.
وباختصار، فإن المعترضين يرون أن ما تقرر لا يوفر «العدالة الضرائبية» ولا «العدالة الاجتماعية»، ولا يؤشر لتغيير حقيقي في سياسات الحكومة الاقتصادية - الاجتماعية. أما بالنسبة لحركة «السترات الصفراء»، فإن كلمة ماكرون التي تابعها على قنوات التلفزة 23 مليون مشاهد، فإن ردود الفعل عليها تراوحت بين القبول الفاتر وبين الخيبة المرة.
ومنذ أول من أمس، انطلقت الدعوات على شبكات التواصل الاجتماعي للنزول مجدداً إلى الشوارع السبت المقبل. وعمدت القنوات الإخبارية في الساعات المنقضية إلى التعرف على تقييم الأشخاص الذين يرابطون على الطرقات السريعة ومستديرات الطرق الفرعية منذ الـسابع عشر من الشهر الماضي. وجاءت الردود متمايزة بين من يرى أنه «لا يجب رفض ما قبلت الحكومة التنازل عنه» وهو يمثل معسكر «المعتدلين»، وبين الرافضين للتجاوب مع دعوات وضع حد للحركة الاحتجاجية. ودعت إحدى الناطقات باسم الحركة إلى «هدنة» مع الدولة التي «فتحت باب الحوار» مع المحتجين. وبيّن استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «أودوكسا» أمس أن الفرنسيين، كما «السترات الصفراء» منقسمون بشأن مستقبل الحركة الاحتجاجية التي تريد أكثرية 54 في المائة منهم استمرارها، فيما الآخرون يدعون لتوقفها. وتراجعت نسبة المؤيدين 12 نقطة قياساً لاستطلاع سابق.
ودعا جان لوك ميلونشون، زعيم «فرنسا المتمردة» إلى استمرار الاحتجاجات والانتقال إلى «الفصل الخامس» منها، رغم العنف الذي تعرفه والخسائر الاقتصادية والتجارية الكبيرة التي تضرب الاقتصاد الفرنسي.
وأمس، قدّم نواب اليسار مجتمعين عريضة لحجب الثقة عن الحكومة يفترض أن يُصوت عليها غداً (الخميس).
لكن الحكومة تتمتع بأكثرية ساحقة في المجلس النيابي، وبالتالي فإن العريضة سوف تسقط. ورغم انتقادات اليمين المتطرف، فمن غير المتوقع أن يصوت نوابه إلى جانب اليسار. أما اليمين الكلاسيكي فمن المرجح أن يمتنع عن التصويت رغم الانتقادات العنيفة التي وجّهها إلى الحكم كريستيان جاكوب، رئيس كتلته النيابية.
حقيقة الأمر أن ماكرون يجد نفسه محشوراً بين مطرقة المتظاهرين وبين سندان العجز في الميزانية. ومشكلة الحكومة أن عليها ألا تتخطى سقف 3 في المائة المعمول بها على المستوى الأوروبي. والحال أن رئيس المجلس النيابي ريشار فران المقرب من ماكرون، أعلن أمس أن العجز الفرنسي سيقفز فوق هذه النسبة. الأمر الذي يثير قلق المفوضية الأوروبية. وقال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية الفرنسي بيار موسكوفيسي إنه يراقب «بانتباه» انعكاسات التدابير الرئاسية على عجز الميزانية. وطلب ماكرون من رئيس الحكومة إدوار فيليب أن يقدم للنواب التفاصيل الخاصة بالإجراءات المقررة. لكن يبدو أن الحكومة لم تعد مهتمة، أقله في الوقت الحاضر، باحترام القواعد الأوروبية، وهو ما ظهر من خلال كلام وزير الدولة لشؤون التعليم والشباب غابرييل أتال الذي قال أمس إنه «مع إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية، فإن أنظارنا مع صدمة رفع القدرة الشرائية، لن تكون مركزة على جداول إكسيل»، وإن تخطي سقف 3 في المائة «لن يصيبه بصدمة».
وفي أي حال، ستبقى الأنظار شاخصة نحو «السترات الصفراء» لمعرفة مصير حركتهم وسط توقعات بانقسامات ستحصل داخلها، ما سيضعف مطالبها ويخفف من غلواء احتجاجاته. لكن الحكومة لن ترتاح لأن جبهة التلامذة والطلاب الذين يحتجون على إجراءات حكومية حول تعديلات في شهادة البكالوريا والدخول إلى الجامعات ما زالت حامية وتحتاج لمعالجات سريعة قبل تفاقمها، على غرار ما حصل مع «السترات الصفراء».



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.