أدنى معدلات للبطالة منذ 30 شهرا في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي

عدد العاطلين عن العمل في التكتل يبقى كبيرا عند 25.5 مليون

أدنى معدلات للبطالة منذ 30 شهرا في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي
TT

أدنى معدلات للبطالة منذ 30 شهرا في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي

أدنى معدلات للبطالة منذ 30 شهرا في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي

سجلت معدلات البطالة في كل من منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي ككل انخفاضا نسبيا في شهر يونيو (حزيران) الماضي، والتي وصلت إلى أدنى معدلات لها منذ ما يقرب من 30 شهرا.
وحسب الأرقام التي نشرتها المفوضية الأوروبية ببروكسل عن بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات)، وصل معدل البطالة الموسمي في منطقة اليورو التي تضم 18 دولة أوروبية تتعامل باليورو إلى 11.5 في المائة خلال شهر يونيو الماضي، وكانت النسبة في شهر مايو (أيار) الماضي قد بلغت 11.6 في المائة، بينما سجلت 12 في المائة في يونيو من العام الماضي، ويعتبر هذا المعدل هو الأدنى منذ سبتمبر (أيلول) 2012، بينما سجل معدل البطالة في إجمالي دول الاتحاد الـ28 خلال يونيو الماضي 10.2 في المائة، وانخفض عن مايو الماضي الذي بلغ المعدل فيه 10.3 في المائة، بينما سجل في يونيو من العام الماضي 10.9 في المائة، وبالتالي وصل المعدل إلى أدنى رقم له منذ مارس (آذار) 2012.
وحسب الأرقام الأوروبية يوجد حاليا 25.5 مليون رجل وسيدة يعانون من البطالة في الاتحاد الأوروبي، وكان نصيب منطقة اليورو 18 مليونا و400 ألف شخص خلال شهر يونيو الماضي، ومقارنة مع شهر مايو الماضي انخفض عدد العاطلين عن العمل في الاتحاد الأوروبي بنحو 198 ألف شخص، منهم 152 ألف شخص في منطقة اليورو. وقال المفوض الأوروبي أندرو لازلو، المكلف بشؤون العمل والشؤون الاجتماعية، إن أرقام البطالة في شهر يونيو الماضي تؤكد على أولى بوادر الانتعاش الاقتصادي، ولكن تبقى معدلات تراجع البطالة ضعيفة جدا حتى الآن «ويجب أن يكون هدفنا خلق الظروف الملائمة للانتعاش المستدام وتنفيذ الدول الأعضاء للإصلاحات الهيكلية المطلوبة حتى نرى خلق مئات الآلاف من فرص العمل كل شهر ووضع حد للمستويات العالية وغير المقبولة من البطالة».
وفي ألمانيا تعززت الآمال في تحسن معدل نمو اقتصاد ألمانيا خلال العام الحالي مع صدور بيانات سوق العمل ومبيعات التجزئة أمس، حيث تراجعت البطالة بأكثر من المتوقع، وزادت مبيعات التجزئة بأكثر من المتوقع أيضا. ففي حين أعلن مكتب العمل الاتحادي في ألمانيا أمس انخفاض عدد العاطلين خلال يوليو (تموز) الحالي بنحو 12 ألف عاطل، زادت مبيعات التجزئة خلال يونيو الماضي بنسبة 1.3 في المائة عن الشهر السابق، في ظل تزايد الآمال في زيادة الإنفاق الاستهلاكي نتيجة تحسن الأجور وتراجع البطالة.
وجاء تراجع عدد العاطلين في ألمانيا خلال الشهر الحالي بعد وضع المتغيرات الموسمية في الحساب لينهي 3 شهور من الزيادة في عدد العاطلين. وكان المحللون يتوقعون انخفاض عدد العاطلين خلال الشهر الحالي بمقدار 5 آلاف عاطل فقط.
وقال فرانك يورغن فايتسه، رئيس مكتب العمل الاتحادي «سوق العمل ككل مستقرة». وانخفض عدد العاطلين في ألمانيا خلال يوليو الحالي إلى 2.898 مليون عاطل بعد انخفاضه بمقدار 12 ألف عاطل، في حين كان العدد قد ارتفع بمقدار 7 آلاف عاطل في يونيو الماضي.
في الوقت نفسه، استقر معدل البطالة عند مستوى 6.7 في المائة للشهر الخامس على التوالي، وهو واحد من أقل معدلات البطالة في منطقة اليورو التي تضم 17 دولة إلى جانب ألمانيا. وقالت كارولين نيوهاوس، المحللة الاقتصادية في بنك «بي إن بي باريبا» الفرنسي «سوق العمل الألمانية ستستفيد بصورة أكبر من التعافي الحالي» للاقتصاد.
في الوقت نفسه، ارتفع عدد العاطلين من دون وضع المتغيرات الموسمية في الحساب بواقع 39 ألف عاطل خلال الشهر الحالي إلى 2.871 مليون عاطل، ليرتفع معدل البطالة قبل وضع المتغيرات الموسمية في الحساب من 6.5 في المائة إلى 6.6 في المائة من إجمالي قوة العمل في ألمانيا. وأشار فايتسه إلى وجود عوامل موسمية وراء هذه الزيادة في عدد العاطلين.
في الوقت نفسه، زادت مبيعات التجزئة في ألمانيا خلال الشهر الماضي بنسبة 1.3 في المائة عن الشهر السابق، في حين كان الخبراء يتوقعون زيادة المبيعات بنسبة 1 في المائة فقط. وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، ذكر مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني أن مبيعات التجزئة في أكبر اقتصاد بأوروبا زادت خلال يونيو الماضي بنسبة 1.3 في المائة عن الشهر السابق، بعد تراجعها بنسبة 0.2 في المائة في مايو الماضي. وكان المحللون يتوقعون نمو المبيعات بنسبة 1 في المائة فقط.
في الوقت نفسه، زادت المبيعات خلال يونيو الماضي بنسبة 0.4 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وهو ما يقل عن توقعات المحللين التي كانت 1.4 في المائة سنويا. وذكر مكتب الإحصاء أن مبيعات التجزئة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي بنسبة 1.5 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
يأتي ذلك فيما أعلنت مؤسسة «جي إف كيه» للدراسات الاقتصادية ومقرها مدينة نورنبرغ الأسبوع الماضي ارتفاع ثقة المستهلكين الألمان الشهر المقبل إلى أعلى مستوى لها منذ سبع سنوات ونصف السنة. وذكرت المؤسسة أن توقعات المستهلكين الألمان بشأن دخولهم وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ إعادة توحيد ألمانيا قبل 25 عاما.
ويذكر أنه في ختام القمة الأوروبية الاستثنائية التي استضافتها بروكسل الشهر الماضي جرى الإعلان عن تبادل القادة وجهات النظر والأفكار مع الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، حول الأولويات التي تضمنتها الأجندة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي للسنوات الخمس المقبلة، والتي أقرتها قمة بروكسل في 27 يونيو الماضي، وهي تحقيق النمو والتنافسية، والوظائف، وآلية عمل الاتحاد النقدي، ومكافحة التغير المناخي، ومشروع اتحاد الطاقة والتصدي للهجرة غير الشرعية. وشدد المجلس الأوروبي على التزامه بضمان المراقبة، والرصد المنتظم لتنفيذ أولويات الأجندة الاستراتيجية. ودعا المجلس الأوروبي، من خلال البيان، كل المؤسسات الاتحادية إلى تركيز أنشطتها على المجالات التي يمكن أن تحدث فارقا في الاتحاد الأوروبي.
وقالت رئاسة الاتحاد الأوروبي إن نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة كانت بمثابة رسالة قوية من الناخبين وجرت مناقشتها خلال قمة قادة الدول الأعضاء في بروكسل، كما جرى استعراض عدد من التوجهات الأساسية المتفق عليها، وهي أنه مع خروج الاتحاد الأوروبي من أزمة مالية فإنه يحتاج إلى توجه إيجابي نحول المستقبل من خلال جدول أعمال يركز على النمو والقدرة التنافسية وخلق فرص العمل والاتحاد النقدي ومكافحة التغير المناخي وتوحيد سياسات الطاقة وتعزيز التقدم المحرز في مجالات الحرية والعدالة والأمن ومكافحة الجريمة والاحتيال والهجرة غير الشرعية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الحريات الأساسية ومواصلة العمل الخارجي باستخدام جميع الأدوات المتاحة على المستويين الأوروبي والوطني، ولتحقيق هذه الأهداف لا بد من العمل المشترك بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي وبشكل بناء لزيادة فرص النجاح في الأولويات التي وردت سلفا، كما يتطلب الأمر الفهم المشترك لما ينبغي القيام به سواء على المستوى الوطني أو الأوروبي، وبناء على مبادئ التناسب والتكامل المنصوص عليها في المعاهدات.
وطرح يونكر برنامج عمله أمام البرلمان الأوروبي عشية انعقاد القمة الأخيرة، وتعهد فيه بأن المفوضية الجديدة سوف تلتزم بنظام العمل الحالي في ما يتعلق بالتعاون المشترك مع البرلمان مع تشجيع المزيد من الحوار المشترك لإيجاد الحلول والتفاهم حول القضايا المختلفة، وقال «لا بد أن نعمل من أجل أن نجعل أوروبا أكثر تنافسية، خاصة أننا وقفنا في نفس المكان ولم نتقدم، بينما العالم حولنا يتحرك، وهذا ليس أمرا جيدا لأوروبا في ظل المنافسة العالمية، ولهذا لا بد أن تكون لدينا مواقف معروفة ونركز على الاقتصاد من أجل المواطنين، هذا إلى جانب القضايا الاجتماعية».
وأوضح يونكر بالقول «أنا متفائل بسوق اقتصادية اجتماعية للجميع، وسيكون هذا عنصرا أساسيا في سياساتنا». وشرح أن الحوار الاجتماعي أمر مهم لتحقيق السوق الاقتصادية الاجتماعية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الوضع الحالي هو أمر جيد، لكن علينا العمل من أجل المزيد من النمو، والمزيد من الاستثمارات، ولدينا حزمة استثمارات تنافسية واستثمارات من أجل التوظيف. ولمح يونكر إلى استثمارات في مجال الطاقة والنقل والصناعة والبحث العلمي والابتكار، وتعهد بتقديم حزمة الاستثمارات هذه في فبراير (شباط) المقبل، وتصل قيمتها إلى ما يقرب من 300 مليار يورو. وأضاف يونكر أن الاستثمار يعني مزيدا من التوظيف ومواجهة البطالة، كما أن الاستثمار يعني بيروقراطية أقل.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».