ماكرون يعلن «حالة الطوارئ» الاقتصادية والاجتماعية

استجاب لبعض مطالب المحتجين لكنه رفض إعادة فرض الضريبة على الثروة

متظاهرون من «السترات الصفراء» يتابعون خطاب ماكرون قرب مدينة مرسيليا أمس (رويترز)
متظاهرون من «السترات الصفراء» يتابعون خطاب ماكرون قرب مدينة مرسيليا أمس (رويترز)
TT

ماكرون يعلن «حالة الطوارئ» الاقتصادية والاجتماعية

متظاهرون من «السترات الصفراء» يتابعون خطاب ماكرون قرب مدينة مرسيليا أمس (رويترز)
متظاهرون من «السترات الصفراء» يتابعون خطاب ماكرون قرب مدينة مرسيليا أمس (رويترز)

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء أمس، في كلمة متلفزة دامت 13 دقيقة، عن جملة تدابير يأمل منها أن تضع حداً للموجات الاحتجاجية المتعاقبة تحت مسمى «السترات الصفراء» التي تجتاح فرنسا وهزت اقتصادها وأصابت صورتها وأضعفت سلطاتها. وسعت كلمة ماكرون لتهدئة الرأي العام، مع التشديد على أنه لن يتهاون مع العنف، معتبراً أن ما حصل «أربك الأمة»، وأن المطالب «مشروعة»، مميزاً بين من لجأ إلى العنف ومن رفع هذه المطالب.
وفي لفتة نادرة لدى ماكرون، اعترف بأنه «يتحمل قسطاً من المسؤولية» في واقع الأشخاص الأكثر هشاشة في المجتمع الفرنسي طامحاً في أن يحول الأزمة التي تعيشها بلاده إلى فرصة للنهوض. ورأى أن غضب الناس ليس مصدره فقط زيادات الرسوم على المحروقات، لكنه «أعمق من ذلك». ولذلك، فإنه أعلن «حالة الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية» التي تعني العمل على توفير تعليم وتأهيل أفضل و«الاستثمار في الأمة والمدرسة» وتوفير العيش بكرامة من العمل، وفتح حوار وطني شامل موسع وجامع مع جميع اللاعبين على كل المستويات، خصوصاً مع المسؤولين المحليين، مجدداً العزم على الاستمرار في «تحويل» أي تحديث فرنسا، والاستمرار في خططه لذلك.
أما الرد الفوري على مطالب المحتجين، فقد جاء عن طريق إعطاء 100 يورو بدءاً من أول العام المقبل لذوي الدخل المحدود، من غير أن يزيد ذلك من أعباء الشركات. كذلك، أمر بأن تعفى ساعات العمل الإضافية من الضرائب أو من المساهمات المالية الاجتماعية. وفي السياق عينه، طلب ماكرون من أرباب العمل «القادرين» أن يمنحوا موظفيهم «علاوة» بمناسبة نهاية السنة، تُعفى هي أيضاً من الضرائب. وأخيراً، وفي لفتة إزاء المتقاعدين، قرر الرئيس الفرنسي إعفاء من لا يزيد دخله على 2000 يورو من الزيادات الضريبية المقررة للعام المقبل.
في المقابل، رفض ماكرون العودة إلى فرض «الضريبة على الثروة» التي كانت مطلباً رئيسياً للمحتجين، لأن الضريبة المذكورة تم العمل بها خلال أربعين عاماً، وإلغاؤها غرضه ضخ الاستثمارات في الاقتصاد. لكنه شدد، في الوقت عينه، على ضرورة محاربة التهرب الضريبي، وعلى ضرورة أن تدفع الشركات الفرنسية أو الأجنبية العاملة في فرنسا ضرائبها في فرنسا. وخلاصة ماكرون، في الموضع المالي، أنه سيسعى لتوفير «التوازن» في موضوع الضرائب، كما سيعمل لمزيد من اللامركزية وسيعيد النظر في كيفية حكم البلاد، ودون أن ينسى ملف الهجرات الذي «يتعين مواجهته».
وجاءت كلماته الأخيرة للقول إن الفرنسيين «يعيشون لحظة تاريخية»، وإن همه الوحيد هو الفرنسيون، ومعركته الوحيدة هي لأجلهم. هكذا، أخيراً، وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حداً لصمته المطبق الذي التزم به منذ عودته إلى باريس من الأرجنتين في الثالث من الشهر الحالي، وتجاوب مع ضغوط المقربين منه من وزراء ومستشارين، إضافة إلى الرأي العام و«السترات الصفراء». وبعد «سبت أسود» رابع امتدت ألهبة ناره من العاصمة باريس إلى المدن الرئيسية، كمرسيليا وتولوز وبوردو وغيرها، خرج ماكرون إلى الفرنسيين محاولاً إطفاء الحريق المشتعل. وحرص ماكرون قبل أن يتحدث إلى مواطنيه، على أن يعقد اجتماعاً تشاورياً موسعاً ومطولاً في قصر الإليزيه، الذي ما زال محاطاً بترتيبات أمنية استثنائية، ضم رؤساء الحكومة والبرلمان ومجلس الشيوخ والنقابات ومنظمات أرباب العمل والمجلس الاقتصادي والاجتماعي و12 من الوزراء المعنيين، بحثاً عن «أفكار» من شأنها إخراج فرنسا من دوامة الاحتجاجات والعنف التي تعرفها منذ 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وما هيمن على المسؤولين الفرنسيين، بدءاً برئيس الجمهورية، في الأيام الأخيرة، هو كيفية تلافي «سبت أسود» آخر نهاية الأسبوع الحالي يزيد من تهشيم صورة فرنسا في الخارج، ويضر باقتصادها، وينسف مصداقية الحكومة وشعبية الرئيس المتهاوية أصلاً.
ولذا، فإن الجميع كان ينتظر من ماكرون أن يعلن عن إجراءات «قوية وملموسة» من شأنها دفع «السترات الصفراء» إلى وقف احتجاجاتهم، فيما أخذت تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنذ ما قبل كلمة ماكرون، دعوات للنزول مجدداً إلى الشارع السبت المقبل في إطار «الفصل الخامس» من الحركة الاحتجاجية.
في الأيام الماضية، انتظر الفرنسيون بفارغ الصبر أن يخرج الرئيس عن صمته بعد أن ترك شأن إدارة الأزمة إلى رئيس الحكومة إدوار فيليب ووزير الداخلية كريستوف كاستانير، مكتفياً بتحريك خيوطها من الخلف. وضجت صفحات الصحافة الأولى، أمس، بالعناوين التي تؤشر لسقف التوقعات المرتفع للغاية من كلمة ماكرون. وجاء في صحيفة «ليبراسيون» المصنفة يسارية: «إيمانويل، هل تسمع؟»، فيما كتبت صحيفة «لو فيغارو» اليمينية: «ماكرون يبحث عن الكلمات للخروج من الأزمة». أما صحيفة «لو موند» المستقلة، فقد تساءلت على صدر صفحتها الأولى عن «انعطافة ولاية ماكرون»، في إشارة إلى الحاجة لتعديل سياسته الاقتصادية - الاجتماعية لإرضاء الطبقات الوسطى والدنيا، بعد عام ونصف العام اعتُبرا لصالح الشرائح الأكثر يسراً.
وكان إلغاء «الضريبة على الثروة»، وهو من أوائل قرارات ماكرون الاقتصادية بعد أن أصبح رئيساً، حاضراً بقوة في شعارات «السترات الصفراء». وبينت دراسة اقتصادية نشرت تفاصيلها، أمس، أن هذا التدبير أفقد الدولة 5 مليارات يورو في العام. كذلك، فإن إلغاء زيادات الرسوم على المحروقات للعام المقبل سيجعلها تخسر أربعة مليارات يورو إضافية. واعتبر الكثير من المحللين والخبراء في الشأن السياسي الفرنسي أن ما تشهده البلاد يعد «لحظة فاصلة» ستقرر مصير عهد ماكرون وقدرته على الاستمرار في إصلاحاته الطموحة. لكن ثمة إجماعاً على أنه سيكون «مضطراً» لإجراء تعديلات جديدة في سياساته بعد أن أثبت «السترات الصفراء» أنهم قادرون على انتزاع «تنازلات» من السلطة، وإجبارها على أخذ مطالبهم بعين الاعتبار. وكان وزير الخارجية جان إيف لو دريان واضحاً بدعوته ماكرون إلى إبرام «عقد اجتماعي جديد» مع الفرنسيين يأخذ بعين الاعتبار مشاغلهم وقلقهم. كذلك، فإن نواباً من الأكثرية الرئاسية حثوا ماكرون كذلك على «الاستماع لمطالب الشعب» وهم يأملون منه سياسة توفر العدالة الاجتماعية مقرونة بالعدالة الضريبية. واعتبر وزير الاقتصاد برونو لو مير أن على الرئيس أن «يجد الكلمات المناسبة التي تعيد التهدئة».
بيد أن الأمور ليست محصورة بالكلمات والخطابات والوعود. واستبق جيل لو جاندر، رئيس الكتلة النيابية لحزب «الجمهورية إلى الأمام» (الحزب الرئاسي) بالقول إنه ينتظر الإعلان عن «تدابير تهدئة قوية وفورية»، الأمر الذي فسره المندوب العام للحزب المذكور ستانيسلاس غيريني بـ«تسريع خفض الضرائب». وبنظر الأخير، فإن عهد ماكرون يجب أن يندرج تحت شعار خفض الضرائب والرسوم، وأنه يتعين على الأكثرية الحاكمة أن تدفع باتجاه تحقيق هذا الهدف الذي يشكل المطلب الرئيسي للمحتجين بعد أن لبت الحكومة، تحت ضغط الشارع، مطلب إلغاء زيادات الرسوم على المحروقات التي كان مقرراً العمل بها بدءاً من العام المقبل.
يطالب المحتجون، اقتصادياً، إلى جانب خفض الضرائب، برفع الحد الأدنى للأجور وزيادة المعاشات التقاعدية وتعزيز القدرة الشرائية للطبقات الأكثر هشاشة وإعادة فرض «ضريبة الثروة». والحال أن وزيرة العمل مورييل بينيكو ترفض السير بخيار رفع الحد الأدنى للأجور، وهو الأمر الذي يرفضه أيضاً أرباب العمل لما سيرتبه عليهم من أعباء مالية يرفضونها سلفاً. أما إعادة فرض الضريبة على الثروة، فإن ماكرون نفسه أكد في اجتماع مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، أنه يعارضها. وفي أي حال، فإن كل التدابير التي تم الإعلان عنها ستكون ذات كلفة لميزانية الدولة ويتعين على الحكومة أن تجد الموارد إلى ذلك. إلا أنه يتوجب عليها في الوقت عينه، ألا تتجاوز المعايير الأوروبية التي تحدد مستوى العجز في الميزانية تحت نسبة الـ3 في المائة من الناتج المحلي الخام. والحال أن فرنسا قريبة جداً من هذا السقف.
أول من أمس، اعتبر وزير الاقتصاد برونو لومير، أن الموجات الاحتجاجية المتعاقبة «كارثة بالنسبة للتجارة والاقتصاد». وأفاد البنك المركزي، أمس، بأن أحداث الأسابيع الأخيرة سيكون لها تأثير على نسبة النمو الاقتصادي للفصل الأخير من العام الحالي، إذ ستهبط النسبة إلى النصف ما سيجعل توقعات الحكومة للعام الحالي (1.7 في المائة) صعبة المنال. ومن جانبها، أشارت مجموعة «إي إتش إس ماركت» إلى أن نمو الإنتاج الصناعي هبط الشهر الماضي إلى المستوى الذي كان عليه قبل 26 شهراً.
كان من الصعب على الحكومة أن تبقى على نهجها، أي تعزيز الإجراءات الأمنية، والحد من الخسائر، واحتواء الاحتجاجات، وانتظار حصول انقسامات داخل «السترات الصفراء»، أو تداعي تعاطف الرأي العام معها. والحال أن أياً من هذه التوقعات لم يتحقق. فنسبة التعبئة بقيت على حالها (136 ألف شخص في الشوارع السبت الماضي) والقبض على نحو ألفي متظاهر لم يحل دون الاحتجاجات والاشتباكات التي أوقعت 320 جريحاً، لا بل إن الحركة تمددت إلى مدن رئيسية. يضاف إلى ذلك كله أن الحكومة تخشى الربط بين احتجاجات «السترات الصفراء» وبين تحركات التلامذة والطلاب واحتمال التمدد إلى قطاعات أخرى. كل هذه العوامل دفعت ماكرون للتحرك وللكشف، أخيراً، عن تصوره لكيفية معالجة انتشار الحركات الاحتجاجية والعنف المصاحب لها. وإذ تأمل الرئاسة والحكومة بأن تكون تدابير ماكرون كافية لإعادة الهدوء، ووصل خيوط الحوار، إلا أن شيئاً كهذا ليس مضمون الحصول بسبب غياب «بنية معترف بها» تحرك «السترات الصفراء»، وبسبب عمق الهوة التي تفصل المحتجين عن الدولة والرفض الواسع لشخص ماكرون وسياساته. أما المطالب «السياسية» المرفوعة، وليس أقلها استقالة ماكرون وحل البرلمان واللجوء إلى الاستفتاء كنهج للحكم، فلها قصة أخرى.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».