ليبيا: وساطة إيطالية جديدة للجمع بين السراج وحفتر

إعلان حالة «القوّة القاهرة» في حقل «الشرارة» النفطي

السراج وحفتر
السراج وحفتر
TT

ليبيا: وساطة إيطالية جديدة للجمع بين السراج وحفتر

السراج وحفتر
السراج وحفتر

كشفت إيطاليا، أمس، عن محاولة وساطة جديدة تبذلها للجمع بين فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي في روما، خلال الأسبوع الجاري، بينما أعلنت مؤسسة النفط في طرابلس حالة «القوّة القاهرة» في حقل «الشرارة» النفطي، وطالبت الميليشيات المسلحة التي تحتله بالانسحاب الفوري منه.
وأعلن جوزيبي كونتي، رئيس الحكومة الإيطالية، أنه على ثقة بأنه سيلتقي مع حفتر والسراج خلال هذا الأسبوع، لكنه لم يفصح عن مزيد من التفاصيل.
واعتبر كونتي في تصريحات مقتضبة نقلتها وكالة «أكي» الإيطالية للأنباء، أن مؤتمر باليرمو الدولي حول ليبيا الذي انعقد الشهر الماضي كان «جزءاً من مسيرة تسهم (إيطاليا) في تحقيقها».
ولم يصدر أي تأكيد من مكتبَي حفتر أو السراج بخصوص لقائهما المرتقب، لكنّ مصادر ليبية مطلعة أبلغت «الشرق الأوسط» بأن إيطاليا تحاول نزع فتيل أزمة قد تنفجر خلال الأيام المقبلة مع احتمال إعلان المشير حفتر مجدداً انتهاء فترة الولاية الدستورية والقانونية لحكومة السراج التي تحظى بدعم من بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
واستبق السراج لقاءه المحتمل مع حفتر في روما، بالغمز من قناة المشير، إذ تحدث محمد السلاك الناطق باسم حكومة الوفاق، عن أن عدم التزام أحد الأطراف السياسية المعنية بتعهداته السابقة، حال دون إنجاز الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية التي كان من المفترض أن تنطلق أمس.
ورداً على تقارير إعلامية حول توجيه السراج دعوة إلى المشير حفتر لزيارة طرابلس، قال السلاك أمس: «لا دعوات بين الليبيين، الدعوات تُوجَّه إلى المسؤولين بالدول الأخرى. أما الليبيون فمهما كانت الخلافات السياسية فيما بينهم فإنهم لا يوجهون دعوات بعضهم إلى بعض ولا توجد منطقة في ليبيا هي حكر على طرف دون الآخر». ولفت إلى أن الباب مفتوح للجميع لزيارة طرابلس، مضيفاً أن حكومة الوفاق تتواصل مع كل الأطراف وليست لديها إشكالية مع أحد في هذا الشأن.
في المقابل، قالت مصادر مقربة من حفتر إنه لم يتلقَّ دعوة رسمية من السراج لزيارة طرابلس، مشيرةً إلى أنه لن يدخل طرابلس ما دامت الميليشيات المسلحة تسيطر على مقدراتها.
ومع ذلك، نقل السلاك عن السراج تأكيده دعم المفوضية العليا للانتخابات لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية والدستورية، وإصدار التعليمات للجهات الأمنية والعسكرية المعنية لوضع خطة أمنية شاملة لتأمين مراكز الاقتراع وسير العملية الانتخابية، بالإضافة إلى تشديده على ضرورة اتساق قانون الاستفتاء على الدستور مع الاتفاق السياسي والضوابط القانونية التي لا تجعله عرضة للطعون، مما يعرقل المضي قدماً في إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري.
وكلام رئيس الحكومة الإيطالية، أمس، عن محاولة جمع السراج وحفتر يمثّل أحدث وساطة من نوعها تعلن عنها روما التي أخفقت الأسبوع الماضي في الجمع بين المسؤولين الليبيين على الرغم من تزامن وجودهما في العاصمة الإيطالية. وعوضاً عن قمة بين السراج وحفتر برعاية رئيس الوزراء الإيطالي، اكتفى كونتي بعقد محادثات منفصلة مع الطرفين دون الإفصاح عن محتواها.
ويرفض المشير حفتر الاعتراف بحكومة السراج على اعتبار أنها لم تحظَ باعتراف مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق أقصى الشرق الليبي مقراً له.
إلى ذلك، وفي أول تعليق لها على غلق حقل «الشرارة» أحد أكبر الحقول النفطية في ليبيا، خرجت حكومة السراج عن صمتها واستنكرت على لسان الناطق باسمها إغلاق الحقل، محذّرة من انعكاسه سلباً على الإصلاحات الاقتصادية.
وطالبت الحكومة بأن يتم التظاهر بالطرق السلمية ومن دون المساس بقوت الليبيين، وبعدم استغلال ما تمر به البلاد من أزمات لتحقيق «مكاسب فئوية».
بدورها، قالت مؤسسة النفط الليبية إنها شرعت في مراجعة الإجراءات اللازمة لإجلاء العاملين في حقل «الشرارة»، وأرجعت ذلك إلى وجود خطر يهدّد سلامتهم نتيجة للإغلاق القسري للحقل من قبل ميليشيات تدّعي انتماءها إلى حرس المنشآت النفطية.
وطالبت المؤسسة، في بيان أصدرته أمس، وهو الثالث من نوعه لها خلال اليومين الماضيين، هذه المجموعات بإخلاء الحقل النفطي على الفور دون قيد أو شرط، مؤكدةً أنها لن تشارك في أي مفاوضات مع الميليشيات وهي غير مستعدة لتقديم أي تنازلات.
ودعت المؤسسة، السلطات المعنيّة وقادة المجتمعات المحليّة إلى التدخّل بما يخدم المصلحة الوطنية وإعادة الأمن والاستقرار إلى هذا الموقع.
وانتقدت «تعمّد» بعض الأطراف استغلال المطالب المشروعة لأهالي الجنوب -التي تستدعي إجراء حوار وطني- بغية تحقيق مطالب شخصية، قائلة إن ذلك لن يعود بأي فائدة على أهالي الجنوب.
ونقل البيان عن مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة، أن «وجود هذه المجموعة يمثل تهديداً حقيقياً للحقل ولمستقبل بلدنا». وتابع: «أريد أن أكون واضحاً، يجب على هذه الميليشيات مغادرة الحقل فوراً. إننا نقف مع أهالينا في الجنوب ونتفهم قلقهم وظروفهم، ونبذل كل ما في وسعنا لتحسين الظروف المعيشية للسكان، لكن للأسف، تم استخدام مطالبهم المشروعة من قِبل مجرمين يسعون فقط خلف مصالحهم الضيقة».
وحسب المؤسسة فإن إغلاق حقل «الشرارة» سيتسبب في خسائر يومية في الإنتاج تقدّر بنحو 315,000 برميل في حقل «الشرارة» النفطي، إضافة إلى 73,000 برميل في حقل «الفيل» بسبب اعتماده بشكل أساسي على إمدادات الكهرباء من حقل «الشرارة». كما حذرت من تداعيات سلبية على عمليات إنتاج الوقود في مصفاة الزاوية، التي تعتمد على إمدادات النفط الخام من حقل «الشرارة»، مما سيؤدّي إلى توقف في توفير الاحتياجات المحلية من الوقود، ما لم تتوفّر طرق بديلة لتزويد المصفاة بالخام. وسيكبّد هذا الإجراء الاقتصاد الليبي خسائر إجمالية بقيمة 32,5 مليون دولار أميركي يومياً.
بدورها، دعت وزارة الداخلية في حكومة السراج، المواطنين إلى عدم الانجرار وراء ما وصفته بإشاعات عن نقص في الوقود، مشيرةً إلى أن الوقود متوافر في مستودعات شركة «البريقة لتسويق النفط».
إلى ذلك، انتقد خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، التعديلات التي أقرها مجلس النواب مؤخراً بما في ذلك ما يتعلق بقانون الاستفتاء. وقال في مؤتمر صحافي عقده، أمس، في طرابلس إن هذه التعديلات يشوبها الكثير من العيوب. وأشار إلى أن مجلس الدولة رفض في اجتماعه، أمس، المادة الثانية من التعديل الحادي عشر، معتبراً أن مجلس النواب صاغ قانون الاستفتاء بطريقة توجّه المواطن إلى التصويت برفض الدستور. وأضاف: «مجلس النواب لم يتوافق معنا رسمياً على تقسيم ليبيا إلى ثلاث دوائر انتخابية».
وكان المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا قد أعلن أيضاً رفض مشروع الدستور والاستفتاء عليه، ولوّح في المقابل بوضع دستور خاص بالأقلية العرقية. وقال عضو المجلس هشام أحمادي في تصريحات تلفزيونية مساء أول من أمس، إن نص الدستور لا يتضمن اللغة الأمازيغية كلغة رسمية مثل العربية، و«علينا التوجه إلى المحكمة». وأوضح أن الأمازيغ أعلنوا مقاطعة الاستفتاء بعد مشاورات مع التبو، لافتاً إلى اعتزامهم كتابة دستور آخر، لأن الحالي مكتوب بطريقة إقصائية ولم يشاركوا في صياغته.
من جهة أخرى، قال عثمان حسونة عميد بلدية الجفرة الليبية، إن تنظيم داعش أعدم 6 رهائن اختطفهم منذ نحو شهرين. وأشار في تصريحات تلفزيونية له، مساء أول من أمس، إلى تلقيه اتصالات من عناصر التنظيم أكدوا خلالها إعدام 6 رهائن من أصل 10 خُطفوا في الهجوم على بلدة الفقهاء. وأعلن حسونة أمس خطف 5 مواطنين آخرين على الطريق الرابط بين الجفرة وسبها، كاشفاً عن مفاوضات بين «داعش» ووجهاء وشيوخ الجفرة بهدف إجراء عملية تبادل للأسرى مع التنظيم المتطرف الذي تبنى الهجوم على بلدة الفقهاء في بلدية الجفرة، على بُعد 650 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم