«المفقودون»... الجرح السوري النازف

تمتلك الميليشيات الإيرانية و«حزب الله» صلاحية الاعتقال والتعذيب إضافة إلى أجهزة النظام

معرض جال أوروبا وأميركا لصور معتقلين قتلوا في سجون النظام السوري هرّبها مصور عرف باسم «قيصر»... («الشرق الأوسط»)
معرض جال أوروبا وأميركا لصور معتقلين قتلوا في سجون النظام السوري هرّبها مصور عرف باسم «قيصر»... («الشرق الأوسط»)
TT

«المفقودون»... الجرح السوري النازف

معرض جال أوروبا وأميركا لصور معتقلين قتلوا في سجون النظام السوري هرّبها مصور عرف باسم «قيصر»... («الشرق الأوسط»)
معرض جال أوروبا وأميركا لصور معتقلين قتلوا في سجون النظام السوري هرّبها مصور عرف باسم «قيصر»... («الشرق الأوسط»)

على الرغم من أن العمليات العسكرية توقفت في غالبية المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة النظام، بعد القضاء على المعارضة فيها، فإن حملات الاعتقال والتغييب القسري لم تتوقف، حتى حيال من أتم عمليات وتسوية في المناطق التي أجرت فيها المعارضة مصالحة مع النظام، مثل الغوطة الشرقية لدمشق ودرعا وحمص. ويعد ملف المفقودين من قوات النظام من أشد الملفات إحراجاً للنظام السوري، فهناك مئات من العائلات الموالية له باتت تضمر الضغينة لشعورها العميق بأنها تعرضت للخديعة.
تقول لميس التي فقدت ثلاثة من أشقائها الذكور: «كلما أعلن عن موت معتقل تحت التعذيب، تهب نار حارقة في صدري». وفقدت لميس اثنين من أشقائها قتلا في مداهمات جرت نهاية عام 2011 بريف حمص الشمالي، وتسلم أهلها الجثمانين من المشفى العسكري بعد التوقيع على أنهما قتلا في حادث سير. أما الشقيق الثالث وهو مهندس معلوماتية فقد عند حاجز بريف دمشق الغربي عند عودته من عمله ربيع عام 2013.
تتابع لميس: «لم نترك باباً إلا وطرقناه لمعرفة مصير أخي الثالث. كل أفرع الأمن أنكرت وجوده لديها. والمشكلة الآن في الوصاية على أولاده الثلاثة، وآخرهم لا يعرف والده».
أما إلهام فتروي قصة اختفاء زوجها وابنها وشقيق زوجها قبل نحو شهرين، رغم أنهم قاموا بتسوية أوضاعهم مع النظام بعد خروجهم من منطقة الحجر الأسود جنوب دمشق، بداية الصيف الماضي».
ويمكن القول إن ملف المفقودين جرح مفتوح لم يتوقف نزفه وكل يوم هناك عائلة تُنكب بفقد أحد أفرادها، فقد سجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 529 حالة اعتقال تمت الشهر الماضي، منها 368 على يد قوات النظام السوري، بينها 22 طفلاً، و24 سيدة (أنثى بالغة).
ولا تتمكَّن عائلات الضحايا من تحديد الجهة التي قامت بالاعتقال بدقة، لأنه عدا عن أفرع الأمن الأربعة الرئيسية وما يتشعب عنها، تمتلك جميع القوات المتحالفة مع النظام السوري (الميليشيات الإيرانية، حزب الله اللبناني، وغيرها) صلاحية الاعتقال والتَّعذيب والإخفاء القسري. بحسب التقرير.
بينما سجَّلت 107 حالة على يد قوات الإدارة الذاتية الكردية، بينها 9 أطفال. و9 حالات اعتقال تعسفي على يد تنظيم داعش، بينها طفل واحد. كما وثَّق التقرير 19 حالة اعتقال على يد هيئة تحرير الشام جميعهم من الرجال. و26 حالة بينها طفلان على يد فصائل معارضة. كما أشار التقرير إلى 7126 حالة اعتقال تعسفي منذ مطلع 2018.
وتشكلت خلال العام الأخير من المعارضة في الخارج، الكثير من الجمعيات والمنظمات الخاصة بمتابعة ملف المفقودين، أبرزها «الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي)»، ورابطة «عائلات قيصر» وتضم أهالي المعتقلين الذين قتلوا تحت التعذيب وظهروا في مجموعة مؤلفة من خمسين ألف صورة، التي سربها منشق عن أمن النظام عرف باسم «القيصر». في المقابل أنشأ النظام السوري مكتباً خاصاً للبحث عن المفقودين، مهامه تلقي البلاغات عن المفقودين خلال الحرب وإرسالها إلى الجهات المعنية للبحث عنهم.
وشهدت مدينة حمص الأسبوع الماضي، تشييعاً رسمياً لعشرات من جنود النظام مجهولي الهوية ممن قتلوا في معارك سابقة في ريفي حمص وإدلب. وبحسب مصادر إعلامية موالية للنظام، فإن الجثامين التي تم تشييعها هي لجنود قتلوا في المعارك لم يتعرف عليهم أحد، وقد أحضرت من قرية المجاص قرب منطقة أبو الظهور بريف إدلب وقرية دير فول، وزميمير بمحيط مدينة الرستن بريف حمص. وجرى تشييعها بعد أخذ عينات من الجثامين لإجراء تحليلDNA» » للتعرف على هوياتهم فيما بعد.
من جانب آخر، اعترف النظام بتقرير رسمي سلّمه إلى مجلس الأمن، بأنه أصدر العام الحالي، أسماء «آلاف أو عشرات الآلاف» من المعتقلين الذين توفوا، ومات أغلبهم في الفترة من 2011 إلى 2014. بأسباب طبيعية (أزمة قلبية أو جلطة)!
فيما أعلنت مصادر قضائية بدمشق الأسبوع الماضي عن زيادة كبيرة في طلبات «توفية المفقودين» بعد مضي أربع سنوات على الفقد، حيث يستقبل قصر العدل بدمشق يومياً أكثر من 70 طلباً للحصول على وكالة قضائية عن غائبين ومفقودين، لتسيير أمورهم من وثائق ورواتب وعقارات وغيرها من الأمور التي تعنيهم. وفق ما نقلته صحيفة «الوطن» المحلية المقربة من النظام.
وبحسب القانون السوري يمكن تسجيل المفقودين في زمن الحرب على أنهم متوفين، طالما تم تصنيفهم على أنهم من المفقودين وليسوا من الغائبين. فالمفقود غير معلوم حياته من مماته، بينما الغائب معلوم حياته لكن غير معلوم مكان وجوده. وبحسب القانون يمكن توفية المفقود في اليوم التالي لمضي أربع سنوات على فقده من دون أن يعلم عن وضعه شيئاً في الحالات الحربية أو المماثلة لها. وتمنح الوكالة لقريب الغائب أو صديقه لتسيير أموره، أما المفقود فيتم تعيين وكيل قضائي ولو لم يمض على فقدانه سنة. وهناك أيضاً الوصاية على الأيتام، وتعطى لغير الأب والجد في حال فقدانهم، ويكون الوصي من الذكور الأقرباء من جهة الأب، وتعطى الوصاية على المال فقط، أي إدارة أموال اليتيم.
ويُعطى الوكيل إما وكالة قضائية دائمة وتكون لكل الأعمال وغير محددة في زمن، وتحتاج إلى أذن القاضي الشرعي، وإما وكالة مؤقتة يتم تحديد مدتها وزمنها، وتنتهي مع انتهاء العمل الذي حصل بموجبه الوكيل على الوكالة القضائية. وبحسب مصادر حقوقية في دمشق يعد هذا إجراءً قانونياً، لتسيير أمور الأهالي المفقودين فيما يخص الملكيات والتعويضات والوصاية.



النازحون اليمنيون يواجهون الصقيع والطرد من المساكن

بقايا خيام نازحين في مأرب بعد حريق تسبب في وفاة طفلة (إعلام محلي)
بقايا خيام نازحين في مأرب بعد حريق تسبب في وفاة طفلة (إعلام محلي)
TT

النازحون اليمنيون يواجهون الصقيع والطرد من المساكن

بقايا خيام نازحين في مأرب بعد حريق تسبب في وفاة طفلة (إعلام محلي)
بقايا خيام نازحين في مأرب بعد حريق تسبب في وفاة طفلة (إعلام محلي)

قضت نازحتان في محافظة مأرب اليمنية، خلال الأيام الماضية، جراء الصقيع والحرائق، بينما يخشى عشرات الآلاف من النازحين الطرد من المنازل التي يسكنونها بالإيجار في عدد من المحافظات، مع لجوء الآلاف منهم، خلال الأسابيع الأخيرة، إلى النزوح مجدداً، والانضمام إلى المخيمات التي يواجه ساكنوها مخاطر شديدة خلال فصل الشتاء.

وقضت طفلة وأصيب آخرون، الأربعاء الماضي، جراء حريق في مأوى عائلتها بمخيم الجفينة، جنوب مدينة مأرب (173 كيلومتراً شرق صنعاء)، بسبب ماس كهربائي أدى إلى انفجار أسطوانة غاز في منزل عائلة الطفلة التي تبلغ 7 سنوات، والتي تفحَّمت جثتها تماماً، في حين أصيب والدها واثنان من أشقائها بجروح طفيفة، وفقاً لمصادر رسمية.

وذكرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب (حكومية) أن فرق الدفاع المدني هرعت على الفور إلى موقع الحريق، وتمكنت من السيطرة عليه ومنع انتشاره إلى المآوي المجاورة، وإسعاف المتضررين منه، في حين رجحت مصادر من سكان المخيم أن يكون سبب الحريق محاولة الحصول على التدفئة من خلال إشعال النار.

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن المخيم ذاته شهد، منذ أيام، حريقاً تمت السيطرة عليه قبل انتشاره من قبل النازحين، بسبب إشعال نار للتدفئة، منوهة بأن هذه الحوادث تتكرر باستمرار خلال فصل الشتاء؛ إذ يُضطر كثير من النازحين إلى هذه الطريقة لتدفئة أنفسهم بسبب البرد الشديد، وعدم كفاية وسائل الوقاية منه.

حريق نشب في مخيم في أبين منذ أسبوعين وترك النازحين في العراء (إعلام محلي)

ومنذ أسبوعين، اندلع حريق هائل في مخيم ميكلان للنازحين بمديرية خنفر التابعة لمحافظة أبين (جنوب)، أدى، كما أوردت المصادر المحلية، إلى التهام جميع مساكن النازحين المبنية من القش، ومحتوياتها من المواد الغذائية والإيوائية، دون وقوع ضحايا، ودون معرفة أسبابه.

وشهدت محافظة مأرب، منتصف العام الحالي، حريقاً كبيراً قضى على أكثر من 50 مأوى لنازحين من القرن الأفريقي، في مخيم بن معيلي بمديرية الوادي.

وطبقاً لإحصائية رسمية سابقة، فإن الشتاء الماضي شهد 135 حادثة حريق في مخيمات النازحين بمأرب، تسببت بوفاة شخصين وإصابة 25 آخرين، وأدَّت إلى دمار أكثر من 80 مأوى.

معركة مع الشتاء

شهد مخيم العكرمة بمديرية الوادي شرق المدينة وفاة مسنَّة بسبب معاناتها من موجة الصقيع الشديدة التي تشهدها معظم مناطق اليمن.

إشعال النار للحصول على التدفئة تسبب بعشرات الحرائق في خيام النازحين (إعلام محلي)

ويعيش عشرات الآلاف من النازحين اليمنيين في أوضاع مأساوية تتفاقم خلال الشتاء، بسبب الافتقار إلى وسائل التدفئة، مثل البطانيات والملابس، بالإضافة إلى النقص الشديد في المواد الغذائية، في حين لا تكفي الخيام للوقاية من البرد.

ونقلت مصادر محلية في مأرب لـ«الشرق الأوسط» عن نازحين أن عدداً محدوداً من العائلات تلقت حقيبة مساعدات صغيرة لمواجهة قسوة الشتاء قدمتها بعض المنظمات، في حين تنتظر آلاف العائلات تقديم معونات لها دون جدوى.

وتحتوي الحقيبة على بطانيات خفيفة وصغيرة الحجم، بجانب ملابس محدودة لا تكفي جميع أفراد العائلة، بحسب المصادر.

كما نقلت المصادر عن النازحين مطالبهم بمساعدات عاجلة، تتمثل في وسائل التدفئة وترميم الخيام وتكثيف الخدمات الطبية؛ خصوصاً أن الشتاء يشهد انتشار العديد من الأمراض وانتقال العدوى بسرعة كبيرة.

وكان الشتاء الماضي شهد موجة صقيع أودت بحياة 7 نازحين في محافظة مأرب، كما أوردت المصادر الرسمية، في حين تقول مصادر أخرى إن الوفيات تجاوزت 10 حالات.

الشتاء يداهم النازحين اليمنيين في ظل تراجع المساعدات ونقص وسائل التدفئة (غيتي)

ودعا فرع الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات اللاجئين في محافظة تعز (جنوب غرب) المنظمات الإنسانية الدولية بتقديم الدعم العاجل لنازحي مخيم الأشروح بمديرية جبل حبشي، غرب المحافظة.

وأوضح فرع الوحدة أن نازحي المخيم يواجهون ظروفاً مأساوية داخل خيام تفتقر للحماية الكافية من البرد والصقيع، ويعانون من النقص الحاد في الاحتياجات الأساسية، كالبطانيات والملابس الشتوية، في حين تضررت خيامهم خلال الأشهر الماضية بسبب الأمطار الغزيرة.

نزوح مركَّب

وكشف تقرير حكومي يمني أن العام الحالي شهد لجوء أكثر من 16 ألف نازح في محافظة مأرب، إلى مغادرة المنازل التي كانوا يقطنونها بالإيجار، والانضمام إلى مخيمات النزوح، بعد عجزهم عن الالتزام بسداد الإيجارات، وتراجع المساعدات الإنسانية المقدَّمة لهم.

نازحون ينصبون خيمة قرب الخوخة بمحافظة الحديدة (رويترز)

ووفقاً لتقرير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب؛ فإن الفريق التابع لها وثّق نزوحاً ثانياً لـ2566 أسرة، تشمل 16411 شخصاً، من منازل مستأجَرة إلى مخيمات النزوح، خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. بعد تدهور أحوالهم المعيشية، وتراجع المداخيل وعدم ثباتها، والعجز عن سداد الإيجارات التي تراكمت على غالبية العائلات.

وبيَّن التقرير أن محافظة مأرب استقبلت 1547 أسرة نازحة جديدة خلال الأشهر الـ11 الماضية، تضم نحو 8577 شخصاً، قدموا من محافظات مختلفة بسبب خوفهم من الاعتقالات التعسفية والملاحقات غير القانونية وتجنيد الأطفال، إلى جانب تفاقم الأوضاع الاقتصادية.

وطالبت الوحدة التنفيذية بتوفير تدخلات عاجلة، تشمل المأوى، والمواد الغذائية وغير الغذائية، وتنفيذ مشاريع لدعم مصادر دخل مستدامة للأسر المتضررة، وتعزيز المساعدات النقدية، خاصة للعائلات التي لا تزال تعيش في منازل مستأجَرة وتعاني من خطر الطرد.

لقطة جوية لمخيم الجفينة في محافظة مأرب الذي يُعدّ أكبر مخيمات النزوح في اليمن (إكس)

وأفادت مصادر حكومية بأن مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، سيف مثنى، بحث، مع منظمة «حسنة العالمية»، ومؤسسة «معاً من أجل الأطفال»، الوضع الإنساني في المحافظة، وفجوة الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، وخطة الاستجابة الإنسانية للمحافظة، وما يمكن أن تسهم به المنظمتان في تخفيف المعاناة الإنسانية.

وتأمل الجهات الرسمية اليمنية أن تتجه التدخلات الإنسانية الدولية والأممية إلى تبني المشاريع المستدامة التي تستجيب لاحتياجات النازحين والمجتمع المضيف في الوقت الراهن ومستقبلاً، وتساعد السكان على الصمود وتخفف من معاناتهم.