«داعش» يردع الفارين باستدعاء الوحشية

محاولات تنظيم «داعش» الإرهابي لعقاب «الفارِّين» من جحيمه أو المدنيين في سوريا والعراق لا تنتهي عبر القتل بالرصاص، والإعدامات، في مشاهد تُعيد وحشية التنظيم الدموي التي اشتُهِر بها منذ ظهوره اللافت في عام 2014. ويتساءل خبراء مكافحة الإرهاب: هل سيواصل «داعش» سيناريوهات قتل «الفارّين» لتعويض خسائره بسوريا والعراق، خصوصاً بعدما ظهرت الأسابيع الماضية مشاهد كثيرة تدل على قسوته؟
خبراء مصريون أكدوا أن «داعش» أصبح يثأر بالقتل من «الفارين» والمدنيين كنوع من التخويف وبثّ الفزع فيمن يفكر بالهروب أو الانشقاق. وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «السبب الأساسي وراء قيام التنظيم بعقاب (الفارين) هو فقدانه كثيراً من عناصره بعد كشفهم حقيقة أفكاره وعقيدته الدامية». لكنهم أشاروا إلى أن التنظيم يعاني من تخبُّط داخلي واضح طيلة الأشهر الماضية.
- مناظر متكررة
وأخيراً قام التنظيم بتصفية عدد من العناصر المدنية، وعناصر تابعين له في منطقة دير الزور بالعراق رمياً بالرصاص، بتهمة السعي إلى الخروج من مناطق «الدولة المزعومة». كما قتل سيدتين رمياً بالرصاص أيضاً في مدينة الشفعة بدير الزور في سوريا، وقتل شاباً بتهمة محاولة التواصل مع القوات السورية. وأعدم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تسعة مدنيين غرب الموصل على خلفية تعاونهم مع القوات الأمنية. وفي نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي أعدم 3 مدنيين من بلدة الباغوز بسوريا. وفي أغسطس (آب) الماضي وثَّق سوريون تنفيذ «داعش» 41 عملية إعدام خلال شهري أغسطس ويوليو (تموز)، رمياً بالرصاص، وبفصل الرؤوس عن الأجساد، كما أعدم 583 من عناصره بزعم العمالة ومحاولة الفرار. وفي مايو (أيار) الماضي استعرض عناصر التنظيم طريقة إعدام لأسير في مخيم اليرموك بسوريا، حيث قيدوه بالحبال ووضعوا المتفجرات في خوذة ثبتوها على رأسه وفجَّروها.
من جهته، يقول الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي مصر مدير مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية إن «السبب الأساسي وراء قيام التنظيم بهذه الأفعال الدموية هو فقدانه لكثير من مقاتليه، بعدما اكتشفوا حقيقة أفكاره وعقيدته البعيدة كل البعد عن تعاليم الدين الإسلامي السمح، لذلك يسعى إلى التخلص من العناصر التي يرى فيها أنها اكتشفت أفكاره الإجرامية، حتى لا يكون لهم تأثير على الباقين»، مضيفاً أنَّ «إعدام المدنيين دليل على أن التنظيم يسعى إلى ترهيب المواطنين، خصوصاً بعد محاولات الفرار التي قام بها البعض للخروج من تحت سيطرته؛ فما يقوم به (داعش) يشير إلى أن التنظيم يعاني من تخبط داخلي واضح».
- فتاوى القتل
وأفتى فواز العلي المُلقب بـ«أبو علي الشرعي»، ويُشار إلى أنه القاضي الشرعي لـ«داعش»، في يوليو عام 2017، بجواز قتل المقاتلين الدواعش الذين يحاولون الفرار، وكذلك قتل المدنيين الذين يحاولون الهرب أيضاً ويعرِّضون حياة أعضاء التنظيم للخطر، من خلال نقل المعلومات عنهم.
ويشير مراقبون إلى أن تعمُّد التنظيم إلقاء الضوء على عمليات الإعدام التي يقوم بتنفيذها ضد بعض العناصر التي تسعى للانشقاق عنه، وبثَّ مقاطع فيديو خاصة بها، يهدف إلى ردع العناصر الأخرى، ومنعها من التفكير في الإقدام على تلك الخطوة، خصوصاً بعد هروب كثير من عناصره عقب اكتشافهم زيف مزاعم التنظيم، بعد الهزائم التي طالته في سوريا والعراق ودول أخرى.
يُشار إلى أن «داعش» خلال عامه الأول من إعلان دولته «المزعومة» في سوريا والعراق قطع ما يزيد على 3 آلاف رأس من المدنيين ومن عناصره، بتهمة الغلو والتجسس لصالح دول أجنبية، عند محاولتهم العودة إلى بلادهم، وأصدر حينها سلسلة أشرطة فيديو دعائية، بث فيها عمليات إعدام علنية وجماعية، واحتوت بعضها على سجناء أُجبِروا على حفر قبورهم بأيديهم قبل إعدامهم.
- تخويف ورعب
من جهته، قال اللواء طلعت مسلم الخبير الأمني والاستراتيجي، إن «داعش» أصبح يثأر بالقتل من «الفارين» والمدنيين عبر مشاهد علنية، كنوع من التخويف وبث الفزع فيمَن يفكر بالانشقاق عنه، موضحاً أن التنظيم يقصد من مناظر إعدام الضحايا توجيه رسالة بأنّ هذا سوف يكون مصير كل من يهرب، وكل من يخالف التنظيم في الفكر، مضيفاً أن «تزايد نشر أخبار التنظيم عن عمليات قتل الرهائن والمدنيين في أذرعه الإعلامية، والمقاطع المصوَّرة لإعدام عناصره الهاربة، دليل واضح على ضعف الانسجام بين عناصره، والإنهاك الذي أصاب التنظيم خلال الفترة الأخيرة».
في هذا الصدد، ذكرت دراسة حديثة لمرصد الأزهر بالقاهرة أن من أهداف التنظيم الرئيسية تصدير صورة بشعة عن الإسلام، فالمدقق فيما خلَّفته الحرب ضد «داعش» في سوريا والعراق يُدرك بسهولة منهج الحرب النفسية الذي يتعاطاه التنظيم مع المدنيين؛ فهو يتعامل معهم بوحشية غير طبيعية، كما أن الناظر في منشوراته الأخيرة يُدرك أيضاً اتباعه النهج نفسه، في محاولته بث الرعب بقلب رجل الشارع الغربي. وأضافت الدراسة أن تنظيم «داعش» يواصل بث الرعب والخوف في قلوب الآمنين، مُحاولاً البقاء في أذهان أعضائه الذين شتتهم الواقع.
يُذكر أن الأردني أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس التنظيم في بداياته، هو أول من قام بذبح أحد الرهائن الأميركيين في العراق، ويُدعى يوجين أرمسترونغ عام 2004، بحز رقبته بسكين، وقد قامت جماعة «التوحيد والجهاد» حينذاك بنشر الفيديو المصوَّر لعملية الذبح على الإنترنت.
- مناصرون جُدد
يُشار إلى أن «داعش» اعتمد، منذ نشأته، اعتماداً كبيراً، بل كلياً، على آلته الإعلامية لبث آيديولوجيته خلال الشبكة العنكبوتية، حيث كان يقضي أنصار التنظيم غالب وقتهم على مواقع التواصل، للعمل على استقطاب مناصرين جُدد، وتجنيد مقاتلين من جميع أنحاء العالم... وكذلك لتلقي نداءات التنظيم، وشرح كيفية إعداد وتحضير المتفجرات يدوية الصنع، وكيفية شن هجمات إرهابية بأدوات متاحة في الوسط الذي يعيش فيه المتطرف بأي وسيلة كانت، حتى لا يلفت أنظار المحيطين به.
والشهر الماضي، أصدر «داعش» مجلة جديدة أطلق عليها «شباب الخلافة»، كي تكون منبراً لجذب الشباب وتجنيدهم وحثهم على الانضمام إلى التنظيم أو القيام بالأعمال الإرهابية تحت اسم «الذئاب المنفردة»، فالمجلة اعتمدت على الصورة أكثر من الكلمة، وإن كان إخراجها أقل مما اعتاد عليه التنظيم، وقد يعود ذلك إلى رغبة «داعش» في أن يظن الجمهور أنها مجلة من إخراج المناصرين، وليست من منابر التنظيم الإعلامية، كما يدعي هو، إضافة إلى أن جميع رسائلها تعتمد على الإثارة والتشويق، وسرد قصص للمنضمين للتنظيم من الدول الأوروبية، ومدى تحملهم العناء (على حد زعم التنظيم).
- محاولات زائفة
المراقبون أكدوا أنه مما لا شك فيه أن «داعش» استغلّ بنجاح الفضاء الإلكتروني، ذاك الفضاء الذي سهّل له نشر سمومه ومكَّنه من تجنيد الآلاف من المؤيدين لها بالعالم؛ فكان له أهمية خاصة لدى «داعش» وكثير من التنظيمات الإرهابية، وذلك لعدة أسباب، منها: ضمان السرّية لوجود التطبيقات المشفرة التي تعتمد عليها التنظيمات في نقل الأفكار والأوامر والخطط لمؤيديها، والاستمرار في نقل الأفكار المتطرفة وتبادلها بين مناصري تلك التنظيمات، وإعطاء التنظيمات المتطرفة حجماً أكبر بكثير من حجمها الطبيعي، وهو ما يُسهِم في حشد مناصرين أكثر، ولا تفوتنا أيضاً التكلفة وسهولة وسرعة التواصل من خلال تلك المواقع والتطبيقات المشفرة.
وقال الدكتور إبراهيم نجم إن «عمليات قتل وإعدام (الفارين) من (داعش)، والمجلة الجديدة، تحمل دلالة غاية في الأهمية، وهي أن التنظيم بات يعاني بشكل غير مسبوق من غياب المقاتلين والمناصرين له، فضلاً عن محاصرته على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وهو ما دفعه لمحاولة خلق هذا الزخم حوله، والإيحاء للعالم بأن مناصريه كُثر، وأنهم يسهمون في نشر أفكاره وترويجها، بل إنهم يضمنون بقاء التنظيم وأفكاره على المدى الطويل»، مشيراً إلى أن قادة «داعش» يعتقدون أن القتل بشراهة ووحشية، يُسهم في استقرار سيطرتهم وخضوع الناس لهم، خوفاً من البطش والقتل على يد عناصره، وذلك على الرغم من أن التراث الإسلامي على امتداده، لا يوجد به ما يدعو إلى القتل، وسفك الدماء، أو إرهاب الناس وتخويفهم.