موريتانيا: الحزب الحاكم يحضّر للانتخابات الرئاسية المقبلة

TT

موريتانيا: الحزب الحاكم يحضّر للانتخابات الرئاسية المقبلة

بدأ حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» الحاكم في موريتانيا، أمس، تجديد هيئاته القيادية استعداداً للانتخابات الرئاسية، التي ستشهدها موريتانيا منتصف العام المقبل (2019). وتعد هذه الانتخابات مصيرية في موريتانيا؛ إذ إن الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز لن يكون مرشحاً فيها بسبب دستور البلاد، الذي يمنع ترشحه لولاية رئاسية ثالثة.
وانطلقت عملية تجديد هيئات الحزب الحاكم في موريتانيا بانتخاب قيادات جديدة للجنة الوطنية لشباب الحزب، وذلك خلال مؤتمر وطني عقد في قصر المؤتمرات الدولي بنواكشوط، ونصبت لجنة الشباب مكتباً مؤقتاً أشرف على عملية انتخاب القيادات الجديدة للجنة.
وحضر انطلاق تجديد هيئات الحزب الحاكم رئيس الحزب سيدي محمد ولد محم، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب وزير الثقافة والعلاقات مع البرلمان، والناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية. كما حضر أيضاً عدد من أعضاء الحكومة، ومئات من مندوبي الحزب الذين شاركوا في عملية التصويت.
وخلال عملية تجديد قيادة لجنة شباب الحزب الحاكم، انعقدت عدة ورشات ناقشت موضوعات تتعلق بتجربة عمل اللجنة الشبابية خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى بحث ومناقشة أهم معالم العمل المستقبلي للشباب في الحزب، الذي يعد الأكبر في موريتانيا، والذي تأسس عام 2009 على يد الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز.
من جهة أخرى، سيجدد الحزب قيادة اللجنة الوطنية للنساء خلال مؤتمر وطني ينعقد اليوم (الأحد)، وسيكون فرصة لمناقشة آليات تعزيز حضور المرأة في اللجان التنفيذية والقيادية للحزب.
في غضون ذلك، قرر الحزب تأجيل عقد مؤتمره الوطني العام إلى أجل غير مسمى، وهو المؤتمر الذي سيفضي إلى انتخاب رئيس جديد للحزب، خلفاً لسيدي محمد ولد محم، الذي تشير المصادر إلى أنه لن يسعى للتجديد له على رأس الحزب الحاكم، مكتفياً بمنصبه وزيراً في الحكومة.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن المؤتمر الوطني العام للحزب الحاكم قد ينعقد في شهر فبراير (شباط) المقبل، أي قبل 3 أشهر فقط من موعد الانتخابات الرئاسية، ليكون بذلك الخطوة الأخيرة من عملية الإصلاح التي شهدها الحزب خلال العام الأخير، وهي عملية يقف وراءها الرئيس محمد ولد عبد العزيز عندما شكّل «لجنة إصلاح» تضم وزراء وشخصيات سياسية، كلفهم بمهمة إصلاح الاختلالات التي يعاني منها الحزب استعداداً للانتخابات الرئاسية. وقد نجحت هذه الإصلاحات، التي جرت على عدة مراحل، في تمكين الحزب من تحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية، التي شهدتها موريتانيا في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وذلك حين حقق أغلبية ساحقة في البرلمان، وأغلبية مريحة جداً في المجالس الجهوية، بالإضافة إلى أنه اكتسح بالكامل جميع المجالس الجهوية، البالغ عددها 13 مجلساً في عموم موريتانيا.
كما أن الحزب أطلق في بداية «عملية الإصلاح»، التي خضع لها، حملة انتساب جديدة، انتهت بانتساب أكثر من مليون مواطن موريتاني، وفق ما أعلن عنه الحزب بشكل رسمي، وهو رقم غير مسبوق في موريتانيا.
ويراهن الرئيس الموريتاني على الحزب الحاكم ليضمن النجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة لصالح المرشح الذي سيدعمه، وهو المرشح الذي لا يزال غير معروف حتى الآن، رغم أن الموريتانيين يطرحون كثيرا من الأسماء المقربة من الرجل، وفي مقدمتها اسم وزير الدفاع الحالي وقائد الجيوش السابق الجنرال محمد ولد الغزواني، وهو رفيق سلاح وصديق شخصي لولد عبد العزيز، ويحظى بثقته التامة.
كما يطرح بعض الموريتانيين بقوة اسم رئيس البرلمان الشيخ ولد بايه، وهو عقيد متقاعد تربطه علاقة شخصية قوية بولد عبد العزيز، وكثيراً ما يوصف بأنه «رجل الثقة» بالنسبة له.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.