مخاوف من احتمال انتقال عدوى «السترات الصفراء» إلى الشارع التونسي

TT

مخاوف من احتمال انتقال عدوى «السترات الصفراء» إلى الشارع التونسي

في حين استبعد بعض المنظمات الحقوقية التونسية؛ في مقدمتها «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، (منتدى مستقل)، انتقال عدوى «السترات الصفراء» من فرنسا إلى تونس، رجح بعض المحللين السياسيين تجدد المظاهرات الاجتماعية بسبب الاحتقان الاجتماعي الحاد الذي تعرفه البلاد، والأزمة غير المسبوقة التي تطبع علاقة الحكومة ببقية مكونات المجتمع.
وقال مسعود الرمضاني، رئيس «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، لـ«الشرق الأوسط» إن تجربة «السترات الصفر» في فرنسا «حركة احتجاجية عفوية وغير متوقعة من قبل مختلف الأجهزة الأمنية والحكومية، وهي تعكس أوضاعا اجتماعية واقتصادية صعبة في عدد من دول العالم، لكن من غير الممكن سحبها على تونس»، مضيفا أنه رغم تعبيرها عن الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تعيشها فرنسا، فإنها «لا يمكن أن تؤدي إلى النتيجة نفسها لو حصلت التجربة فوق الأراضي التونسية، رغم الزيادات المتكررة التي عرفتها أسعار المحروقات خلال السنة الماضية».
وعدّ الرمضاني أن تونس «لن تكون قادرة على استعادة عافيتها الاقتصادية إذا تحولت الاحتجاجات الاجتماعية إلى أعمال تخريب»، مشددا على أن «الاقتصاد الفرنسي له من الصلابة ما يجعله يستعيد عافيته في وقت قياسي، أما الوضع في تونس فهو مختلف، ولا يمكن للتونسيين أن ينفذوا مثل هذا السيناريو خشية دخول البلاد في منعرجات خطيرة»، على حد تعبيره.
كما انتقد الرمضاني الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة في تونس، وقال إن «البلاد في مفترق طرق، لأن نسبة الفقر في ازدياد، وهناك نحو 300 ألف أسرة تعيش تحت مستوى خط الفقر أو الفقر المدقع، وهي ضحية انعكاسات التضخم الاقتصادي وغلاء المعيشة».
وفي معرض حديثه عن الصراع السياسي الدائر منذ 8 أشهر، قال الرمضاني إن «هذا الوضع أفرز خطابا سياسيا تطغى عليه لهجة الانتقاد الحاد، وردود الفعل غير المحسوبة والتصريحات النارية»، وتوقع أن تشهد الأوضاع الاجتماعية، سواء على المستوى النقابي وعلى مستوى التحركات الاحتجاجية، مزيدا من الاحتقان خلال الفترات المقبلة.
في غضون ذلك، أعلن يوسف الشاهد، رئيس الحكومة، عن البدء في تنفيذ عدد كبير من الإصلاحات الاقتصادية؛ أبرزها التحكم في عجز الميزانية، الذي كان في حدود 7.4 في المائة سنة 2016، وبات يقدر بنحو 4.9 في المائة حاليا.
وقال الشاهد خلال إشرافه على افتتاح الدورة الـ33 من «أيام المؤسسة» بمدينة سوسة (وسط شرقي البلاد)، إن قانون المالية لسنة 2019 «لا يتضمن ضرائب جديدة على المؤسسات والأفراد»، وذلك في محاولة لطمأنة الشارع التونسي، وخفض درجة الاحتقان الاجتماعي.
في السياق ذاته، توقع الصحبي بن فرج، النائب البرلماني عن «حركة مشروع تونس» الداعمة لحكومة الشاهد، أن تنفجر الاحتجاجات الاجتماعية في البداية تحت عنوان «احتجاج مشروع على أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة ومزرية»، قبل أن تتطور سريعا إلى المطالبة بإسقاط المنظومة السياسية القائمة.
وأشار بن فرج إلى تحركات بعض الأطراف السياسية الرافضة لحكومة يوسف الشاهد بهدف خلق الفوضى، وتحركات غامضة خلال شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، مبرزا أن المناطق الداخلية والأحياء الشعبية ستكون أحد أهم ميادينها، وأن البرمجة تمت بحيث تمتد الشرارة إلى المدن الكبرى، ثم تسري إلى الشرائح الاجتماعية الوسطى المتضررة من الوضع الاقتصادي. وقال بن فرج في هذا السياق: «لقد أوحت (السترات الصفر) في شوارع فرنسا فكرةَ نقلها إلى تونس لتصبح حمراء بلون الدم... فالمشهد في العاصمة الفرنسية شديد الإغراء، والفوضى الفرنسية جذابة وسريعة الانتشار تماما كالموضة والعطور».
كما اتهم بن فرج بعض الأطراف السياسية بنفض يديها تماما ومبكرا من الانتخابات، وقال إنها لم تعد تؤمن بالتنافس الديمقراطي على السلطة، وأصبحت تعد للفوضى، وتعول عليها للتأثير على المشهد السياسي، على حد قوله.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.