جائزة سرفانتيس لشاعرة الأوروغواي إيدا فيتالي

«النحلة المتواضعة» أمضت نصف عمرها البالغ 95 في المنفى

إيدا فيتالي تتسلم جائزتها
إيدا فيتالي تتسلم جائزتها
TT

جائزة سرفانتيس لشاعرة الأوروغواي إيدا فيتالي

إيدا فيتالي تتسلم جائزتها
إيدا فيتالي تتسلم جائزتها

«هل هو الشِعرُ
هذا العطرُ الطالعُ من غُبار الذاكرة؟».
السيّدة التي كانت تطارِح نفسها هذا السؤال، وتقول إن مجرّد الاستفسار عن الشعر هو الدليل على حضوره، هي التي منذ سنوات أخذتني إلى حديقة جديدة من الشعر باللغة الإسبانية ترتقي إلى مصاف الجنائن التي علّقها لوركا وخوان رامون خيمينيث ونيرودا كمستحيلات على مشارف برناس الشعر العالمي.
إنها شاعرة الأوروغواي الكبرى، إيدا فيتالي، التي نالت جائزة سرفانتيس (نوبل الآداب الإسبانية) لهذا العام وهي في الخامسة والتسعين من عمرها الذي أمضت نصفه تقريباً في المنفى قبل أن تعود مؤخراً إلى مسقط رأسها من ولاية تكساس الأميركية إثر وفاة زوجها الذي كان يدرّس هناك في جامعة أوستين. وعندما اتصل بها وزير الثقافة الإسباني ليبلغها نبأ فوزها بالجائزة، ردّت «النحلة المتواضعة» كما كان يسمّيها مواطنها الروائي الكبير خوان كارلوس اونتّي، الحائز هو أيضا على جائزة سرفانتيس عام 1980. بقولها: «أنتم الإسبان ما زلتم مجانين كما كنتم عند غزو القارة الأميركية».
غادرت فيتالي بلادها مع زوجها الأول إلى المكسيك عام 1974عندما أجهز النظام الديكتاتوري العسكري على ثوّار «توباماروس» وبدأ بملاحقة المفكّرين اليساريين ومن يُشتبه بانتمائهم إلى الحركات أو المنظمات التقدمية. وفي استذكارها تلك الفترة تقول فيتالي: «كانت الأوروغواي ديمقراطية كاملة أرست نظاما تعليميّاً راقياً، ومجتمعاً من غير فوارق صارخة أو مشاعر قوميّة مفرطة... حظيت فيه المرأة دائماً بالتقدير على قدم المساواة مع الرجل».
في المكسيك، حيث انصرفت إلى الترجمة والتدريس، تعرّفت على اوكتافيو باز الذي كان صديقاها اليساريّان اونتّي وبينيدتّي قد حذّراها منه لكنها «وجدت فيه شخصاً رائعاً عميق الفكر واسع الثقافة». عادت إلى بلادها عام 1984 عندما كان النظام الديكتاتوري يلفظ أنفاسه الأخيرة من «أجل المساهمة قدر الإمكان في إعادة بناء الديمقراطية». وبعد أن تولّى زوجها إدارة المكتبة الوطنية أربع سنوات، هاجرا مجدداً إلى الولايات المتحدة حيث مارس (آذار) التدريس في جامعة أوستين حتى وفاته.
باكورة أعمالها كانت مجموعة قصائد بعنوان «نورُ هذه الذاكرة» التي صدرت عام 1949. أعقبتها منشورات نثرية وترجمات كثيرة من الإنجليزية والإيطالية والألمانية التي تتقنها. عام ١٩٩٤ نشرت كتاباً طريفاً بعنوان «معجم الأنسباء» أوردت فيه، حسب التسلسل الأبجدي، المفردات الأثيرة لديها، وما تعلّْمته من الشعراء الذين كانت تثابر وتدمن على قراءتهم. عن المطالعة تقول إنها «مرآة خادعة حيث المُستَهْلَكُ يستهلِكنا»، وعن الشعر: «الكلمات رُحَّلٌ يدفعها الشعر الرديء إلى الاستقرار». من خوان رامون خيمينيث تعلّمت «التصحيح باستمرار» ومن لوركا «أن أقول ما أريد، بلا غرور، وليس على حساب الإيحاء والجمال».
خورخي لويس بورخيس هو، عندها، ذروة الكتابة في أميركا اللاتينية، والنهر الذي يرفد سواقي الشعر والأدب باللغة الإسبانية. تتذكّر كيف تعرّفت عليه: «... في الستينات، يوم رأيته وافقاً عند ناصية بالقرب من متجر للأقمشة وأدوات التطريز في مونتيفيديو. كنت أحمل آلة خياطة ثقيلة وأبحث عن سيارة تاكسي تعيدني إلى البيت، فوقفت أنظر إليه وأتساءل: ماذا تراه يفعل هنا؟! كنت أعرف أنه يلقي محاضرة ذلك اليوم في أحد النوادي الأدبية، لكني فوجئت به واقفاً هناك يحدّق في واجهة ذلك المتجر. ظننت أنه يخشى عبور الشارع، فاقتربت منه وسالته: معذرة سيّد بورخيس، هل أنت تائه؟ فأجاب: لا، لا، من أنت؟ وكرّر سـؤاله مرات كثيرة ثم قال إنه جاء ليلقي محاضرة، ويطيب له التنزّه على الجادّة البحرية. لكنه كان بعيداً عن الشاطئ، وعرضت عليه أن نتقاسم سيارة التاكسي إذ يتعذّر علي أن أرافقه سيراً بسبب من حملي الثقيل، فعاد وسألني من أنا وبقي واقفاً في مكانه أمام المتجر. أمضيت عصر ذلك اليوم وأنا أتساءل إذا كان سيتمكّن من الوصول إلى مكان المحاضرة، ثم علمت أنه وصل. ثمّة ملاك حارس يرافق المكفوفين».
وُلِدَت فيتالي في كنف أسرة مثقّفة من أصل إيطالي كانت تتردد على منزلها نخبة من الشعراء والأدباء والصحافيين في عاصمة الأوروغواي، وتتذكّر كيف كانت تُقبل بنهم على مطالعة الجرائد الأربع التي كانت تصل كل يوم إلى ذلك المنزل. اثنتان في الصباح واثنتان عند المساء. تقول إنها ذهبت إلى الشعر متأخرة، بعد أن كان النثر قد استهواها لسنوات، عندما وقعت على قصيدة لشاعرة تشيلي الكبرى غابرييلا ميسترال مطلعها: «في تلك الساعة التي يذرف فيها المساء دمه على الجبال...» ولم تفهم منها شيئا، إلى أن عادت وقرأتها مرّات لتقرّر أن الشعر هو السبيل الأجمل لزرع الحياة بالألغاز والأسرار.
رغم التزامها السياسي تحرص فيتالي على النأي بشعرها عن السياسة وتحتفظ بما تكتبه لفترات طويلة قبل أن تدفع به إلى النشر: «أترك ما أكتبه حتى أكاد أنساه، وعندما يبدو لي أنه لغيري أعود لقراءته وتقويمه وتعديله». صارمة في تعاملها مع اللغة، تطلب منها أن تحمل أقصى ما بوسعها وأكثر مما تقول، وتعتبر أن «بين الاختصار والاختزال يكمن سرّ الجمال في الشكل الشعري».
تبدو فيتالي خارج أحكام العمر وهي تدنو من نهاية عقدها العاشر، متنقلة من الأوروغواي إلى الولايات المتحدة لإلقاء محاضرة، ثم إلى المكسيك لتسلّم جائزة معرض «غوادالاخارا»، بعد أن تسلّمت في العامين الماضيين جائزة لوركا العالمية وجائزة الملكة صوفيّا، قبل أن تعود إلى إسبانيا مطالع العام المقبل لتتسلّم جائزة سرفانتيس في «قلعة النهر» مسقط رأس صاحب الكيخوتي والتي علّقت على فوزها بها قائلة: «أشعر بحَرَجٍ كبير عندما أفكّر بأولئك الذين يستحقّون الجائزة أكثر مني».



فرطُ استخدام الشاشات الإلكترونية يُعكّر مزاج الأطفال

زيادة استخدام الشاشات لدى الأطفال من القضايا المثيرة للقلق (جامعة كولومبيا البريطانية)
زيادة استخدام الشاشات لدى الأطفال من القضايا المثيرة للقلق (جامعة كولومبيا البريطانية)
TT

فرطُ استخدام الشاشات الإلكترونية يُعكّر مزاج الأطفال

زيادة استخدام الشاشات لدى الأطفال من القضايا المثيرة للقلق (جامعة كولومبيا البريطانية)
زيادة استخدام الشاشات لدى الأطفال من القضايا المثيرة للقلق (جامعة كولومبيا البريطانية)

توصّلت دراسة أجراها باحثون من الصين وكندا إلى أنّ الاستخدام المُفرط للشاشات من الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة قد يؤدّي إلى تفاقم المشكلات السلوكية، مثل ضعف الانتباه، وفرط النشاط، وتقلُّب المزاج.

وأوضحوا أنّ هذه النتائج تبرز أهمية فهم تأثير الشاشات في الأطفال خلال هذه المرحلة العمرية الحساسة، خصوصاً فيما يتعلق بمشكلات الانتباه والمزاج. ونُشرت النتائج، الخميس، في دورية «Early Child Development and Care».

وأصبحت زيادة استخدام الشاشات لدى الأطفال، خصوصاً في مرحلة ما قبل المدرسة، من القضايا المثيرة للقلق في العصر الحديث. ومع ازياد الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية، مثل الهواتف الذكية والتلفزيونات وأجهزة الكمبيوتر، يعاني الأطفال زيادة كبيرة في الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات؛ مما قد يؤثر سلباً في صحتهم النفسية والبدنية، ويؤدّي إلى تعكُّر مزاجهم.

وشملت الدراسة 571 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات من 7 مدارس رياض أطفال في شنغهاي بالصين. وأبلغت الأمهات عن الوقت الذي قضاه أطفالهن يومياً أمام الشاشات (بما في ذلك التلفزيون، والهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، أو الأجهزة الأخرى) خلال الأسبوع السابق.

كما أجبن على أسئلة لتقويم المشكلات السلوكية التي قد يعانيها أطفالهن، مثل صعوبة الانتباه، وفرط النشاط، والأعراض العاطفية (مثل الشكاوى المتكرّرة من التعب)، والمشكلات مع الأقران (مثل الشعور بالوحدة أو تفضيل اللعب بمفردهم). كذلك شمل التقويم جودة نوم الأطفال ومدّته.

ووجد الباحثون أنّ الاستخدام المُفرط للشاشات مرتبط بشكل ملحوظ بزيادة مشكلات الانتباه، والأعراض العاطفية، والمشكلات مع الأقران. كما تبيَّن أنّ وقت الشاشة يؤثر سلباً في جودة النوم؛ مما يؤدّي إلى تقليل مدّته ونوعيته.

وأشاروا إلى أنّ جودة النوم تلعب دوراً وسطاً في العلاقة بين وقت الشاشة والمشكلات السلوكية، فالنوم السيئ الناتج عن الاستخدام المفرط للشاشات قد يعزّز هذه المشكلات، مثل فرط النشاط، والقلق، والاكتئاب.

وقالت الباحثة الرئيسية للدراسة من جامعة «شانغهاي العادية» في الصين، البروفيسورة يان لي: «تشير نتائجنا إلى أنّ الاستخدام المُفرط للشاشات قد يترك أدمغة الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة في حالة من الإثارة؛ مما يؤدّي إلى انخفاض جودة النوم ومدّته».

وأضافت عبر موقع «يوريك أليرت»: «قد يكون هذا النوم السيئ نتيجة لتأخير مواعيده بسبب مشاهدة الشاشات، واضطراب نمطه بسبب التحفيز الزائد والتعرُّض للضوء الأزرق المنبعث منها».

كما أشارت إلى أنّ وقت الشاشة قد يحلّ محل الوقت الذي يمكن أن يقضيه الأطفال في النوم، ويرفع مستويات الإثارة الفسيولوجية والنفسية؛ مما يؤدّي إلى جعله أكثر صعوبة.